الزي يقرأ من عنوانه

«بورسيلين» .. «قوس قزح» .. «الرقي والفخامة» .. تسميات لتشكيلات بدلالات

TT

عرضاً تلو آخر يحاول مصممو الازياء اللبنانيون تطوير اعمالهم وتجديد أسلوبهم، لا سيما اذا كانوا يطلون على الموضة من منابر عالمية، فتغدو حينها مسؤوليتهم أكبر، لأن انظار النقاد واقلامهم تسلط عليهم بمهنية قد لا يواجهونها اذا اقتصرت عروضهم على الاطار المحلي.

للخروج من التكرار والرتابة، تبدع أيادي المصممين فتنتج أزياء شبيهة بلوحات فنية تتمايل على وقعها أجساد العارضات، مضيفة إليها تألقا لم يكن ليكتمل لولا موهبة مبتكرها وحرفيته.

وفي سنوات العقد الأخير، نلاحظ ان المصممين المحترفين والعالميين اعتمدوا أسلوب تحديد عنوان أساسي يعملون وفقه ليجسدوا ما يدور في خفايا هذا العنوان، كي يصل كل فنان منهم الى ابراز خصوصيته وفرادته في كل عمل بطريقة مختلفة. انطلاقا من هذه الظاهرة يمكن القول ان العديد من التشكيلات تبنى على هذا الأساس، وأن الروح المشتركة التي تقوي مجموعة كل مصمم وتعطيه فكرته، هي هذا العنوان ذو الموضوع المشترك، الذي يضعها، أي التشكيلة، في اطار محدد يحرص على عدم الخروج عن خطوطه العريضة في كل أزياء المجموعة، وتأخذ الحاضرين في الوقت عينه في رحلة الى حقبة معينة أو الى مكان محدد، لذا تبقى الحرية في اطلاق العنان لمخيلة المصمم من دون قيود، اذا ما قرر اعطاء كل زي هوية خاصة قد لا تمت بصلة الى التصاميم الأخرى، مع التأكيد أن الرقي وجمال التصاميم لا يمكن أن يحددا في أسلوب معين، فكل مبدع يستطيع تفجير حرفيته بالطريقة التي يختارها، كي ترضي النتيجة غرور المصمم وحرفيته.

ومن ثم اصبح من المعتاد ان نقرأ عناوين عريضة تطبع مجموعات المصممين، منذ أوائل التسعينات تقريبا. وفي الشرق الاوسط أصبحت سمة أساسية لا بد منها، ولا يستغني عنها المصممون في كل أنحاء العالم، بمن فيهم العرب بشكل عام، واللبنانيون بشكل خاص، سواء للدلالة على مواكبتهم أحدث الاتجاهات العالمية او لجذب المهتمين وتشكيل علامة فارقة تميزهم عن غيرهم.

مصمم الازياء اللبناني عبد محفوظ، لم يشذ عن القاعدة في مجموعته لربيع وصيف 2007، التي قدمها في روما، حاملا أناقة «البورسلين»، حيث تبدو الأزياء وكأنها طالعة، بخيوطها وخطوطها، من تقاسيم البورسلين وألوانه. واستعار من كنوز الآنية الثمينة طقوسها وباقاتها لتفوح اناقة مطيبة بعطور الخيال والكريستال.

يفسر محفوظ تشكيلته وعنوانها بقوله: «عملت على تطويع المادة، وأعطيت النسيج بريق البورسلين، ليلمع الازرق الذهبي، والاخضر الموشى بالفضة، والاصفر الخاطف للاشعة، ودرجات الزهري، وصولا الى اللون القرميدي الحاد على أقمشة مثل التول والجيرسيه الحريري والموسلين والدنتيل». تبريره للتسمية أن أطراف القماش جاءت مزخرفة بشكل تبدو فيه وكأنها إطارا من الورود في اطباق صينية من البورسلين، وبالتالي تساهم في تحديد خطوط القوام وابراز انوثته في هندسة راقية. الترحال في أعماله، كما يقول، يلبي مطلب شريحة واسعة من الراغبات بأناقة تتجاوز الحدود الشرق اوسطية، لذا كانت هذه فساتين تليق بالقصور، حيث كان ممكنا أن نسمع حفيف القماش على الرخام، نتأمل ايقاع التطريز بالبرق والستراس والتصاميم المفتوحة على انكشاف خفر يسكب الانوثة بكامل بهائها ويبرز القوام وانحناءاته الفاتنة. تجدر الإشارة إلى أن محفوظ كان قد أعطى مجموعته لموسمي ربيع وصيف 2005 عنوان «العبور المعنوي في الزمان والمكان»، معتمدا فيها على نقوش ورق الجدران، الذي تم ترصيعه بأحجار سواروفسكي بعد تلوينها على القماش واللون الأصفر المتوهج. وكأنه حكواتي يعمل على استعادة أزياء حقبة معينة ليعدل في خطوطها ويعصرنها من دون أن يتوقف عند فكرة معينة ويدور حولها.

المصمم اللبناني روبير أبي نادر، من جهته، سبق وقدم مجموعات عدة تحت عناوين مختلفة، تعكس الخط العريض الذي يعمل وفقه ومنها «قوس قزح»، التي تميزت بألوانها وتدرجت كما ألوان قوس القزح من الخمري الفاتح الى الزهري وألوان المغيب، وصولا الى الألوان الصاخبة والمضيئة مثل الأحمر أو الفيروزي، ثم الأسود اللماع. المجموعة السابقة التي قدمها ابي نادر في باريس حملت عنوان «الأنوثة الطاغية»، وهي مستوحاة من حقبة الستينات.

أما المجموعة الأخيرة فحملت عنوان «الرقي والفخامة»، استقى فكرتها من عراقة هوليوود ونجومها، لكن ركز فيها على القصات الجديدة التي تواكب العصر. لا يرتبط اختيار الموضوع بالنسبة الى أبي نادر بقواعد أو معايير محددة، كما قال لـ «الشرق الاوسط»: «أختار الموضوع وفقا لاحساسي ومخيلتي، وأحيانا قد يحدث شيء معين يترك في نفسي أثرا يجعلني أستقي منه حالة أنطلق منها لتصميم مجموعتي، مع الحفاظ على لمستي وهويتي الخاصة، كذلك أسلوبي الذي عرفت به منذ بدايتي، وأرى المرأة من خلاله بشكل يختلف عن غيري مع عدم اغفال خط الموضة العالمي الذي يلعب دورا مهما في كل موسم». وأكد أن اختيار أنواع القماش، يتم وفقا للموضوع والموديل.

من جهته، يحرص المصمم اللبناني جورج حبيقة على اعطاء كل مجموعة سمة خاصة تميزها عن غيرها، يقول: «أطالع كثيرا قبل أن استقر على موضوع محدد، وقد أستفيد من جملة أو لون أو صورة أو أي شيء بسيط يكون أساسا اعتمد عليه في تصميم المجموعة مع عدم الاستغناء عن خطوط الموضة العريضة». ويرى حبيقة أن «المصمم يتمتع بحرية كاملة في تصميم أي زي اذا لم يعمد الى عنونة المجموعة، لكن العنوان يصبغ على كل فستان في المجموعة خصوصية معينة. فتحديد عنوان للتشكيلة أو للتصاميم، يساهم في تحقيق تناغم ورابط مشترك يجمع الأزياء بعيدا عن المبالغة التي قد يلجأ إليها البعض». بيد أن حبيقة لا يمانع فكرة اجراء بعض التعديلات على الأزياء بحسب ذوق الزبونة مع المحافظة على روح المجموعة.