عام حاسم .. رئاسات ودول فوق رمال متحركة

السؤال: هل يتحول القرن الأفريقي إلى بلقان فتدخل دول غرف الإنعاش وفي أرحامها دويلات تنتظر وفاتها؟

TT

مع مطلع الألفية الجديدة روّج محللون سياسيون في الغرب بأن أحداث نيجيريا، أكبر دول القارة سكانا وأعلاها إنتاجا للنفط (سكانها 134 مليون نسمة وتنتج مليونين و451 برميلا في اليوم)، ومعها حروب سيراليون الأهلية وليبريا، ترشح قرب أفريقيا لتصبح بلقان أفريقيا.

ولكن وبعد مرور سبع سنوات انتقلت نيجيريا بسلاسة للديمقراطية، وطوت ليبريا سنوات تشارلس تيلور الكريهة وأودع محكمة جرائم الحرب في لاهاي، كما طوت سيراليون صفحة زعيم التمرد سنكوح الذي كلف سيراليون بتمرده نحو مليوني قتيل، أي نحو ثلث سكانها، والتأمت لها وحدة وطنية يوالي الغرب والأمم المتحدة دعمها بعد رحيل أحمد تيجان كباح رئيسها المنتخب ووصول الحكم بانتخابات نزيهة لإيرنست كوروما في يوليو 2007.

الشاهد أن السيناريو لم يصدق، ومعروف أن البلقان شهدت انفراط عقد يوغوسلافيا السابقة الى نحو سبع دول وشهدت مأساة البوسنة وجرائم حرب فظيعة، ولكن نفس السيناريو وبمعطيات جديدة، والإشارة لسيناريو البلقنة، يوشك أن ينتقل إلى منطقة القرن الأفريقي، والسبب وجود ثلاث دول أيضا (موازية لنيجيريا وليبريا وسيراليون) تعيش اضطرابات داخلية وحروبا أهلية، والدول هي (الصومال في القرن الأفريقي، والسودان المحسوب على القرن الأفريقي بمعطيات الجغرافيا وليس بالتعريف الدقيق للمصطلح، وتشاد التي تحد السودان غربا وهي خارج منطقة القرن الأفريقي).

بين الذين اقتربوا من مثل هذا الترشيح خافير سولانا، مفوض الأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في مقال له نشرته «الشرق الأوسط» قبل ثلاثة أعوام تحديدا، أي في ديسمبر (كانون الاول) 2005، وفيه ذكر أنه قال لسلفا كير النائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير إنه وإذا ما كان لاتفاق السلام بين الشمال والجنوب الموقع في يناير (كانون الثاني) 2005 أن يفضي لانفصال جنوب السودان فستعم الفوضى والحروب حزاما يمتد تشاد ليصل الى الصومال.

صحيح أن الشواهد الى اللحظة لم تجعل سيناريو البلقنة ماثلا، ولكن الصحيح أيضا أن الصومال مثلا حائز وبلا منازع لقب «الدولة الفاشلة Failed State». وبين تعريفاته أنها الدولة التي لا تستطيع السيطرة على أمنها وعلى سيادتها، والتي توجد فيها أجهزة موازية لأجهزة الدولة في مجالات الأمن والجيش.

وكنتيجة لبقاء الصومال في مربع الدولة الفاشلة منذ 1991، اضطر أخيرا وبعوامل كثيرة من الاستعانة بالقوات الإثيوبية، وهنا يمكن الإشارة إلى تبعات وجود جيوش لدولة في بلد آخر لتحارب من أجل أمنه، وتداعيات الحدث على أهل البلد طالب النجدة. وتقول علوم السياسة هنا، إن مثل ذلك البقاء وعلى الأمد الطويل إنما يعيد تصدير الأزمة الى الدولة صاحبة الجيوش ذاتها، والشواهد هنا كثيرة بدءا من الوجود العسكري لمصر في اليمن ونهاية بمأزق أميركا مع فيتنام، ولحقا مع العراق، ومن قبلهما وجود جيوش لبلجيكا وإسبانيا في مستعمراتها في مختلف أصقاع العالم.

الصومال ومع واقع الدولة الفاشلة ستتسع فيه دائرة الفوضى، كما سيتسع فيها الفتق على الراتق الإثيوبي نفسه بإستقطاب الفوضى للإسلام السياسي، وأمام التضييق الذي حدث على تنظيم «القاعدة» في العراق وأفغانستان ودول الخليج، والى حد ما المغرب العربي، سيكون عام 2008 عام هجرة نشاط «القاعدة» الى الصومال كمحطة أولى، يليها إقليم دارفور الذي استقبل طلائع القوات الهجين في أكتوبر الماضي، والذي يستعد لاستقبال البقية خلال عام 2008 (حجم القوات الدولية بمشاركة ضعيفة من الاتحاد الأفريقي سيبلغ 26 ألفا وخمسمائة عنصر في إقليم يدين كل أهله بالإسلام ويشهد بين الحين والحين حالات من الانفلات الأمني).

يرجح هذا السيناريو أيضا أن عام 1998 كان قد شهد يوم الجمعة 7 أغسطس (اب) التفجير المتزامن لسفارتي أميركا بنيروبي (عاصمة كينيا) ودار السلام (عاصمة تنزانيا)، ويومها كثر الحديث عن خلايا نائمة لـ«القاعدة» في أفريقيا، وتلت ذلك تصريحات وبيانات للظواهري عن استعداد لقتال القوات الدولية فور وصولها لإقليم دارفور، وبنفس النبرة عن وجود القوات الأثيوبية في الصومال بطرح ديماغوجي يرى في إثيوبيا دولة للنصارى مع أن بإثيوبيا 45 مليون مسلم من بين عدد سكانها البالغ نحو 70 مليونا.

صومال 2008 سيعيش صراعه الداخلي بين الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله يوسف (يرأس حكومة ائتلاف ضعيفة منذ أكتوبر 2004 وينتهي تكليفه في 2009) وبين المحاكم الإسلامية المسنودة من «القاعدة»، كما سيعيش صراعه الإقليمي على خلفية العداء بين جارتيه إثيوبيا وإريتريا حيث تساند الأولى شرعية يوسف، وتساند الثانية المعارضة، وسيوسع ذلك من دائرة الفوضى ويبعد الآمال من أن يشهد 2008 انتقالا بالصومال من مستنقع الدولة الفاشلة.

تشاد على الضفة الأخرى تعيش صراعها الداخلي على السلطة بين قبائل القرعان التي تشكل بالتحالف مع قبائل أخرى أغلبية السكان، وبين أقلية الزغاوة التي ينتمي اليها الرئيس إدريس دبي. وتعيش ـ كما الصومال ـ صراعها الإقليمي مع السودان وتبادله الاتهامات بأن كليهما يعطي ملاذات آمنة للتمرد، حيث الخرطوم وفق الاتهام تدعم المعارضة التشادية، وتشاد تدعم حركات دارفور المسلحة.

جوهر الصورة وفق هذا المشهد واضح، وهو أنه وما لم تطو تشاد مسلسل حركات التمرد التي تتخدر باتفاقيات هشة لتعاود نشاطها، وما لم يطو السودان قضية دارفور بتسوية شاملة، وما لم تنشط الجهود العربية والدولية لإنقاذ الصومال من محنته، وما لم تتعرف إثيوبيا وإريتريا على أن لهب النيران في الجوار إنما يتطلب عونا في إطفائها، وليس صب الزيت عليها، لأنها ستنتقل قطعا الى كل المنطقة، بغير هذا كله من الوارد جدا أن يقدم عام 2008 أول بروفات البلقنة، أي أن يتحول كل القرن الأفريقي بمحيطه الجغرافي الى بلقان أفريقيا، لنشهد معه دخول دول لغرف الإنعاش، وفي أرحامها مشروع دويلات تنتظر وفاتها.

(الإشارة الجديرة بالاعتبار أن جميع أطراف هذا الصراع في عداد الدول الفقيرة، بإشارة لقابلية الفقر في دفع بعض شرائحه للتطرف عامة، وبلغة الأرقام يبلغ سكان إثيوبيا 76 مليون نسمة و511 ألفا، بناتج إجمالي 73 مليار وبمتوسط دخل للفرد يبلغ 10 آلاف دولار في العام فيما يعيش 38% من السكان تحت خط الفقر بإحصاءات الأمم المتحدة. وفي إريتريا يبلغ عدد السكان 4 ملايين و906 آلاف يعيش 40% منهم تحت خط الفقر مع ناتج إجمالي يبلغ 4 مليارات و750 مليون دولار ومتوسط دخل للفرد يبلغ ألف دولار فقط في العام. أما تشاد فسكانها عشرة ملايين يعيش منهم 80% تحت خط الفقر مع ناتج إجمالي محلي يقدر بخمسة مليارات ومتوسط دخل للفرد 1500 دولار في العام. أما الصومال فيتعذر الحصول معها على أرقام دقيقة فيما عدا عدد السكان البالغ تسعة ملايين نسمة لظروف الدولة الفاشلة التي سبق ذكرها).