متحف كابول يعود للحياة ببطء

بعد عودة القطع المسروقة

أحد العاملين في متحف الفن الوطني في أفغانستان يضع قطعة ذهبية من مقتنيات المعرض في خزانة العرض خلال معرض «أفغانستان الخفية» الذي افتتح في أمستردام الاسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

تشكل لقاءات العودة العاطفية جزءا أساسيا من عمل أومارا خان مسعودي الذي شهد في الأشهر التسعة الأخيرة عودة الآلاف إلى أفغانستان من أماكن بعيدة في الخارج.

لكن من عاد ليس بشرا بل كنوز لا تثمن بما فيها حجر قد يكون الاسكندر العظيم قد مسه، أو ذلك التمثال الصغير لبوذا أو تلك القطع المعدنية التي ظلت الأيدي تتبادلها لألفي سنة.

وعادت القطع الفنية إلى أفغانستان التي وسمت أرضها آثار المعارك، والتي ظلت لفترة طويلة نقطة تقاطع طرق ما بين الشرق الأوسط وآسيا. إنه تاريخ غني جعل مسعودي، مدير المتحف الوطني لأفغانستان، أن يكرس حياته من أجل الحفاظ عليه. وعودة هذه القطع التي سبق أن سرقت من مركزها أثارت ترحيبا كبيرا وكان قسم منها قد تم شحنه من أجل حمايته.

قال مسعودي: «نحن حقا مسرورون. فمن المهم جدا أن تكون هذه القطع بين المصنوعات البشرية القديمة... فلأفغانستان حضارة قديمة جدا. ونحن نحافظ عليها».

ويجاهد المتحف من أجل أن يقف على قدميه مرة أخرى، وتقدمه يعكس غالبا التحسن البطيء الذي يجري في بقية المجتمع الأفغاني منذ إسقاط القوات المتحالفة بقيادة الولايات المتحدة نظام طالبان قبل ستة أعوام.

وبعد إعادة بناء المتحف وقعت قذيفة صاروخ فوق سقفه وكادت تدمر تماما. لكن الآن عادت ألواح الزجاج لتحل محل تلك الفجوات المهشمة والبشعة.

ونظف العمال أكثر من 1500 قطعة وأصلحوا أكثر من 300 تعرضت للتخريب على يد طالبان، التي كانت تعتبر أن أي صور هي نوع من الكفر.

وكانت عودة 6000 قطعة فنية هذه السنة من أوروبا بحاجة إلى تصويت في المتحف وفي الحكومة الافغانية التي تصارع اليوم صعود طالبان مرة أخرى.

وفي علامة على مقدار ما هو مطلوب عمله بقيت معظم القطع الفنية في صناديقها بانتظار توفر معالجة مناسبة لها ووضعها في مكان مناسب للعرض. وللمتحف صناديق زجاجية كافية لعرض 250 قطعة فنية من عشرات الألوف التي يمتلكها المتحف.

كذلك هو الحال مع الزوار الذين لا يتجاوز عددهم في اليوم الواحد عن عشرة أشخاص كمعدل والكثير منهم طلبة جامعيون. وخلال الامتحانات الأخيرة كانت الأروقة أكثر فراغا.

لكن مثل البلد ككل يأمل المتحف في بناء نفسه بالاستفادة من الدعم الخارجي وعودة القطع الفنية المحلية من الخارج والتي أخرجت من أفغانستان بطريقة شرعية أو غير شرعية.

وكانت أول دفعة تلك التي جاءت في مارس (اذار) الماضي 1423 قطعة تم شحنها من سويسرا وسبق أن أخرجت من أفغانستان في أواخر التسعينات. وعلى الرغم من معارضة نظام طالبان للصور فإن بعض القادة الكبار أدركوا الاهمية التاريخية لمحتويات المتحف فوافقوا مع خصومهم المتمثلين بتحالف الشمال كي يرسلوا الكثير من التحف إلى أمكنة آمنة.

وحينما طلبت الحكومة الأفغانية السنة الماضية بإعادة القطع الفنية إلى أفغانستان بعد موافقة خبراء الامم المتحدة على سلامتها شعر امين المتحف والخبير بول بوتشرر ديتسشي، الذي أخذ مسؤولية العناية بالقطع الفنية في سويسرا، بالراحة والسرور.

وقال: «هي لا تنتمي أبدا إلي. هي تنتمي للمجتمع الدولي وهو أمر صحيح أن تكون افغانستان، المكان الذي عثر عليها فيها، الراعية لهذه القطع. أنا مسرور لإعادتها إلى بلدها وهي علامة على عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي في أفغانستان».

وربما اهم ممتلكات المتحف هي حجر يحمل رمز البومة الاثيني، وهو جزء من اساس مدينة أي خانوم القديمة، التي من المعتقد ان مؤسسها هو الاسكندر الاكبر. واذا كان ذلك صحيحا، فمن المرجح ان القائد الاسطوري تعامل مع القطعة الحجرية بنفسه.

كما سلمت الدنمارك مجموعة ضخمة من الآثار الانتيكات بلغ عددها 4300 قطعة قدمت مباشرة الى الرئيس الافغاني حميد كرزاي في شهر مايو (ايار). وقد صادرت الشرطة الدنماركية الانتيكات قبل عدة سنوات. وهي اساسا كنز من الانتيكات المسروقة والمنهوبة تشمل تماثيل صغيرة لحيوانات وعملات معدنية ترجع الى القرن الاول والثاني قبل الميلاد.

وتعاني المواقع التاريخية الافغانية من عمليات النهب. وتأمل السلطات في تأسيس قوة شرطة لمواجهة تلك المشكلة. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، نشر المجلس الدولي للمتاحف قائمة سوداء بالاعمال المهربة للفت انتباه دور المزادات والمتاحف.

ويعتقد مسعودي ان اكثر من نصف مقتنيات المتحف الاصلية التي يصل عددها الى 100 الف قطعة اثرية تم تهريبها بعد نشوب الحرب الاهلية في التسعينات وسرقة وبيع الكثير منها الى هواة جمع التحف الدولية.

وخلال الحرب، نقل المسؤولون في المتحف العديد من المقتنيات الى مواقع سرية حول كابل، وتعرضوا للأخطار لإنقاذ تلك الاعمال. وقد تسببت حملة التدمير في تشويه مجموعة كانت تعتبر في السبعينات مجموعة قيمة من العملات والاسلحة والفنون الاسلامية وغيرها من الاعمال التي لا تقدر بثمن.

ويجري تجديد المتحف قطعة قطعة، وقد حصل على تمويل من اليونان وعديد من الحكومات. وقد ساهم الخبراء في بناء اقسام جديدة للتصوير والسيراميك.

وقد أتاحت التبرعات الاجنبية للمتحف الحصول على اجهزة تصوير وماسحات وطابعات، كما قدمت اليابان وهولندا العديد من صناديق العرض. وما يريده مسعود حقا هو مساحة اكبر في وسط كابل، لتحل محل المبنى القديم التي يغطيه السخام والذي يحتله المتحف منذ عام 1931 في طرف المدينة الغربي.

وتوجد قطعة ارض كبيرة في وسط كابل ولكن ثمنها يصل الى 3.5 مليون دولار، وهو مبلغ لا يمكن للمتحف دفعه. وقال مسعودي «هذه اولوية.. يجب على المتحف ان يصبح مركز المدينة لكي يتمكن الجميع من زيارته».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الاوسط»