شقيقة بي نظير بوتولـ «الشرق الأوسط»: أختي كتبت وصية من 17 صفحة قبل عودتها واغتيالها

قالت إنها أعطت ابنتها هدية تذكرها بها بدلا من المال.. ثم سافرت إلى باكستان

شقيقة بي نظير بوتو تتذكر الساعات الأخيرة من حياة شقيقتها قبل اغتيالها («الشرق الأوسط»)
TT

هي الشخص الوحيد المتبقي على قيد الحياة من الاسرة الشهيرة. هي خجولة وصغيرة الحجم وعاطفية. ولا يمكن لأحد ان يعرف انها الشقيقة الوحيدة لبي نظير، التي اغتيلت قبل عدة أسابيع. قالت لي سنام بوتو «انا الشخص الوحيد في هذه الاسرة، الذي بقيت بعيدة عن السياسة. لقد حماني كل من شقيقي وشقيقتي من ذلك».

وسنام هي الشقيقة الصغيرة لبي نظير (4 سنوات الفارق بينهما). وقد فقدت اباها رئيس الوزراء السابق ذو الفقار علي بوتو الذي أعدم، وشقيقيها بعد أن سمم احدهما وأطلق النار على الاخر. والان فقدت شقيقتها بي نظير. وهذا يعني انها الشخص الوحيد من اسرة بوتو المباشرة التي لا تزال على قيد الحياة.

بعد عدة ساعات من اغتيال بي نظير، طرح البعض اسمها لتخلف شقيقتها في رئاسة حزب الشعب، باعتبارها الوحيدة المتبقية من آل بوتو. ولكنها هي لم تفكر حتى في الامر. وبقيت الشخص الوحيد من اسرة بوتو السياسية التي لم تجر اي مقابلة صحافية وظلت بعيدة عن وسائل الاعلام واضطرت للتدخل وتحمل مسؤولية رعاية اولاد شقيقتها الثلاثة. احدهم اصبح شهيرا وهو بيلاوال، الابن الاكبر لبي نظير وآصف زارداري، الذي جرى اختياره خليفة لأمه لرئاسة الحزب.

كما انها تتولى مسؤولية التنسيق مع ارمل شقيقتها، الذي يتولى قيادة الحزب حتى الانتخابات القادمة. هي تستضيف حفل تأبين شقيقتها التي تقيمه الاسرة. ووافقت على الحديث الى «الشرق الاوسط» واجراء اول مقابلة صحافية لها.

* هل تتذكرين آخر لحظة شاهدت فيها شقيقتك؟

ـ كان يوم 18 اكتوبر (تشرين الاول)، لقد سافرت معها من دبي الى باكستان. شعرت بضرورة العودة كابنة للاسرة وليس من أجل السياسة. وبعد صراع طويل في الخارج، شعرت بأن من واجبي العودة معها. كانت عودتها الى الوطن بعد سنوات في المنفى مناسبة تاريخية. وكنت افضل عدم عودتها، كان لدي بعض الاحاسيس السيئة. واعرف انك نصحتها بعدم العودة، ولكن عندما تقرر شقيقتي شيئا، فلا جدوى من مناقشة الامر معها. وانا ابتعد عادة عن عالم السياسة. الا ان شيئا ما بداخلي قال لي بضرورة العودة، وفي لحظة من اللحظات اضطر قائد الطائرة الى ان يطلب منها دعوة الناس للعودة الى مقاعدهم. وعندما هبطت الطائرة في باكستان انفصلنا. ذهبت الى منزل الاسرة. ولم استمر معها مثل الاخرين، الذين واجهوا الانفجار (محاولة الاغتيال الاولى لبي نظير بوتو ليلة وصولها الى مطار كراتشي). وعندما سمعوا الانفجار الاول قفزوا من السيارة وتجنبوا الانفجار الثاني. وكانوا يعانون من الكوابيس، ومشاهد الجثث المتطايرة. لقد تبادلت وشقيقتي العناق بسرعة. ولكن لو كنا نعلم، كان لدي ذلك الاحساس. كانت نظراتها حزينة، لم نتبادل النظرات، وتجنبنا توديع بعضنا البعض. وكانت تلك المرة الاخيرة التي شاهدتها.

* قلت لي انك كنت تشعرين بشعور سيء. ولكن ما الذي جعلك تشعرين بأنها تعرف ذلك ايضا؟

ـ لأن نظراتها كانت مسالمة. لا يمكنني شرح ذلك بمجرد نظرة مختلفة. وكانت لطيفة مع الجميع. وعلى الرغم من تعرضها للضغوط العادية، كانت تفكر فينا جميعا وكأنها تعرف انها تودعنا. فقد اشترت هدية لابنتي، بدلا من تقديم مبلغ من المال لها. اشترت لها قلادة مميزة. يمكن ان ترتديها وتفكر فيها، ثم كيف تفسرين انها قبل وفاتها كتبت وصية من 17 صفحة؟

* كيف علمت بخبر وفاتها؟

ـ اتصل بي شخص من باكستان وتحدث عن انفجار. واعتقدت انه يتحدث عن يوم اخر من ايام العنف، الا انه قال ان حراسها اصيبوا ايضا، واندفعت نحو التلفزيون ولم اسمع ما الذي يقولونه. وقال اولادي انها في المستشفى، وعرفت انها ماتت. ولن انسى ابدا كيف اتصلت بالمستشفى بعد مقتل شقيقي، وسألت ما اذا كان بخير، وتوقعت ان يقول نعم انه بخير. وقالوا انهم يفحصون نبضه. واتصل بي بيلاوال لانه اطلع على كتاب امه. وفي هذا الكتاب وصفت كيف اتصلوا بها وانتظروا وصولها قبل ان يدفنوا شقيقي. وهذا هو السبب وراء ابلاغ بيلاوال لشقيقه بالاتصال بخالتي «عليها الحضور..» واندفعت نحو التلفزيون. ولم اتمكن من معرفة ما حدث بعد ذلك. مجرد ان اولادي كانوا يقولون انها في المستشفى ولكني كنت اعرف، اعرف انها ماتت، ثم اتصل بي بيلاوال من باكستان وطلب حضوري. وطرت على الفور.

* بعد ذلك كانت هناك بعض التكهنات باحتمال خلافتك لها؟

ـ لا. طلب مني الناس الترشح، لا.. لا لم اشارك ابدا في العمل السياسي. ولم احب السياسة على الاطلاق. لقد قال لي والدي من زنزانته: «اعرف الان لماذا لم تحبي العمل السياسي، انا اربي طفلين (انا مطلقة). واصبحت الان مسؤولة عن تربية اولاد شقيقتي الثلاثة. لقد اخذني آصف الى حجرة اخرى ونظرنا الى وصية شقيقتي. لقد كانت تحب آصف حقا. وارادت ان يتولى بيلاوال السير في طريقها. ولكن على بيلاوال انهاء دراسته. لقد لعب التعليم دورا مهما في اسرتي. وعدت معه الى اوكسفورد قبل ايام. ولم اتركه قبل ترتيب سريره. وأتى عدد من اصدقائه واحتضنوه. وهو شاب ذكي، ومن السهل حبه. واتوقع حصوله على درجات جيدة.

* متى كانت اخر مرة اتصلت بشقيقتك؟

ـ قبل يوم من اغتيالها، اتصل بي شخص وطلب ارسال رسالة لها تتعلق بالانتخابات وتلقينا الرد.

* هل كنت تعرفين انها ستقتل؟

ـ بدلا من اعطاء ابنتي، بمناسبة تخرجها، المال، ارادت ان تقدم لها هدية وقالت لها: «شيء يذكرك بي دائما...»، وقدمت لها قطعة مجوهرات خاصة. وبعدها بأيام سافرت لباكستان، وكتبت وصية من 17 صفحة. ولحسن الحظ انا قريبة دائما من اولادها، ومن اولاد شقيقي. احب الاطفال واحكي لهم الحكايات. وكانت اختي تتضايق دائما وتقول: لماذا تحكين لهم دائما هذه الحكاية؟ اعلم انها مشغولة دائما، ولذا كان اولادها يأتون الي من وقت لآخر.

* جرى اختيار بيلاوال خليفة لها. وهو في التاسعة عشرة من عمره، ما شعورك نحو ذلك؟

ـ التعليم في اسرتي شيء في غاية الاهمية. كان والدي يقول دائما «اترك لكم هدية قيمة، التعليم»، وحتى قبل حدوث ما حدث، كنت كلما اتصل بي بيلاوال اقول له «نفذ واجباتك الدراسية»، كنت اطارده دائما بالكتب. واتوقع دائما ان يحصل على درجات جيدة. اذا ما بذل جهدا كبيرا في الدراسة سيتمكن من التفكير بدرجة اقل في ما حدث. لا يزال صغيرا. لا اعتقد ان ثلاث سنوات من الدراسة تكفيه. يجب ان يدرس لمدة 5 الى 6 سنوات.

* وبعد الـ5 او 6 سنوات؟

ـ يجب ان يفعل ما يعتقد انه مناسب. ويجب عدم اجباره على القيام بأي شيء. الناس مهوسون بعائلتي، باسم عائلتي.

* هل انت قلقة بخصوص وضعه؟

ـ (توقفت عن الحديث واختارت عباراتها بعناية) في الواقع نعم، هو يدرس الان. اتمنى بحلول الوقت الذي اختار فيه العودة للسياسة، وجود ديمقراطية في باكستان.

* امر مخيف ان تصبحي الشخص الوحيد على قيد الحياة من اسرتك المباشرة. هل تشعرين بالخوف؟

ـ لا افكر بخصوص ذلك. لا، ليس لدي حماية امنية.

* هل تعتقدين بضرورة وجود تحقيق دولي او تابع للامم المتحدة بخصوص اغتيالها؟

ـ نعم في بلادي لا توجد ابدا تحقيقات سليمة بخصوص أي من القادة الذين قتلوا حتى الان. اعتقد بضرورة تحقيق الامم المتحدة في مقتل اختي مثل التحقيق الذي يجري في مقتل الحريري، ولكن هل سيعيد ذلك اختي للحياة؟ لا شيء نفعله او نقوله سيعيدها للحياة. تقاوم سنام دموعها. وتنظر الى المزهرية الكبيرة بزهورها الذابلة، وتقول «هذه اخر باقة زهور تلقيتها من اختي، احاول التفكير في كيفية الاحتفاظ بها. ربما يمكن تجفيفها؟ لديها وسادة عليها شعار جامعة اكسفورد عندما تخرجت منها. وهي محاطة بصور افراد العائلة الذين لم يعودوا معنا.

* بالنسبة للناس الذين لم يلتقوا ببي نظير، هل من الممكن ان تصفي لهم شقيقتك الكبرى؟

ـ هي شقيقتي الكبرى. بعد اعدام والدنا، كانت ترعاني، وحاولت اخذ مكانه. كانت توقع بعض الرسائل الالكترونية بـ «شقيقتك الكبرى»، كأنني سأنسى، كانت تبذل جهدا كبيرا في العمل. واتذكر انني كلما قمت بزيارتها كانت تركز على عملها. وتطلب مني الانتظار حتى تنتهي، ولم افهم لماذا علينا الانتظار. ففي النهاية هي الرئيسة. ولكنها كانت منغمسة في عملها.

* كيف حال امك؟

ـ اراها كلما ذهبت مع اختي لباكستان. هي الان في دبي. ليست في صحة جيدة. مصابة بالزهايمر. امي لا تعرف، ولكن الان ـ اصبح لديها تلك النظرة في عينيها. . . ربما من الافضل عدم معرفتها.

* كيف كنتما تناديان بعضكما البعض؟

- كانت تناديني سني. وكانت اناديها بيبي. وقد اعتدت ان اسميها بيبي لانها تعني ايضا «الانسة» ولذا اعتدت على ذلك.

* ماذا يعني اسم بي نظير؟

- هو اسم فارسي. ويعني «بلا نظير» وقد اطلق ابواي عليها هذا الاسم ربما لعلمهما انها متعددة الامكانيات واكبر من الحياة. كانت حقا «بلا نظير». كل شيء كنت احب القيام به حتى فترة اخيرة لم اعد استطيع القيام به. لا يمكنني الاستمتاع والاستمرار في حياتي مع علمي بأنني لن ارها مرة اخرى، ولن اتحدث اليها. . . لن تصبح الحياة كما كانت. ولن تصبح الامور كما كانت.