السعودية تسعى للتحول إلى منطقة جاذبة للاستثمار وموطن الفرص الاقتصادية

في ظل استراتيجية رسمتها الهيئة العامة للاستثمار لمستقبل الأعمال

TT

في موقع مهم على خريطة الكرة الأرضية، وبين ثلاث من قارات العالم الرئيسية تتوسط السعودية قلب منطقة الشرق الأوسط، بين ممرات دولية تجعلها مركزا استراتيجيا للتجارة والاستثمارات العالمية، في ظل الطفرة الاقتصادية التي يشهدها العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.

ومع هذا التميز والتمركز الاستراتيجي تسعى السعودية إلى الاستفادة من المقومات الجغرافية والطبيعية والمميزات التي تنعم فيها عن غيرها لكونها منبع الطاقة الأول في كوكب الأرض، بالإضافة إلى وجود قبلة المسلمين والحرمين الشريفين، مما يجعلها مصدر الهام العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع فيه البلاد بين ممرات التجارة الدولية.

ومع التطور الاقتصادي العالمي وتطور أساليبه واكبت السعودية تحركات الاقتصاد العالمي عبر أساليب حديثة ومتطورة، ساعدت على جذب المستثمرين وزيادة الازدهار الاقتصادي في البلاد.

وتشهد السعودية نمواً اقتصادياً متميزاً منذ عام 2003، حيث حقق الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للاقتصاد السعودي معدلات نمو تتراوح بين 13 في المائة و23 في المائة، والتي تعتبر معدلات تجاوزت ما حققته اغلب اقتصادات العالم. وتشكل أسعار النفط قوة الدفع الرئيسية للنمو الاقتصادي حتى في القطاعات غير النفطية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مساهمة القطاع النفطي إلى حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي الوطني في عام 2006، ويعد مستوى الإنتاجية في بعض قطاعات الاقتصاد الأخرى دون المستوى السائد في الدول الأكثر تنافسية في العالم، إضافة إلى تزايد أعداد الخريجين الطالبين للوظائف.

وتواجه السعودية تحدياً مزدوجاً يتمثل في ضرورة توفير المزيد من الفرص الوظيفية، وتحسين الإنتاجية في ذات الوقت، وعلى الرغم من توسع القطاع الحكومي، وتوفير جزء من الفرص الوظيفية المطلوبة، يعتبر تشجيع الاستثمار، وتحفيز القطاع الخاص، وزيادة الفرص أمامه للمشاركة في الاقتصاد الوطني والتنمية هو الطريق للنمو المستدام، وتوفير الوظائف للمواطنين. وتعمل السعودية على تحسين التنافسية مما سيتيح لها إيجاد حلول جذرية تتمثل في توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويعها، وسوف يساهم في حفز نمو قطاع الأعمال، وزيادة معدلات التوظيف في القطاع الخاص، علاوة على الارتقاء بمستوى الإنتاجية في القطاعات غير النفطية. ويتيح الوضع الراهن المتمثل في انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية، والتزام حكومة خادم الحرمين الشريفين بالمضي قدماً في مسيرة الإصلاح الاقتصادي، واستمرار ارتفاع أسعار النفط فرصة كبيرة لإدخال تحسينات ملموسة في تنافسية الاقتصاد السعودي من شأنها أن تسهم بصورة دائمة في دعم الازدهار والنمو الاقتصادي المستدام في البلاد مستقبلاً. وتعمل السعودية على تنويع القاعدة الاقتصادية لتخفيف الاعتماد على النفط والذي بات أمرا ضروريا، نظراً لازدياد المنافسة عالمياً على جذب الاستثمارات من خلال الحوافز والتسهيلات، وبناء مجمعات تكاملية للأعمال قادرة على المنافسة عالمياً.

وقد أصبح من أولويات السياسة الاقتصادية للدولة، بالإضافة إلى بروز خطط التنمية الأخيرة والتي أظهرت الحاجة إلى تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال تسريع نمو القطاعات غير النفطية، ومن ناحية أخرى، إنه يتوقع أن يؤدي تطوير التعليم والبنية التحتية إلى تحقيق منافع آنية للسعودية، تتمثل في استحداث فرص وظيفية عالية الإنتاجية والدخل، وتحقيق زيادة ملموسة في الناتج المحلي الإجمالي، تستند في الأساس إلى تنامي دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.

وسعت السعودية إلى التغيير في حركتها الاقتصادية من خلال التحول إلى منطقة جاذبة للاستثمار للاستفادة من إمكانياتها الاقتصادية وتميز موقعها، ونبع مختلف الموارد الطبيعية فيها، الأمر الذي دفعها في ابريل عام 2000 إلى إنشاء هيئة عامة للاستثمار، تعمل على تحقيق نمو اقتصادي سريع ومستمر، وذلك باستثمار عناصر القوة التي تتميز بها، باعتبارها المصدر الأهم للطاقة في العالم وحلقة وصل رئيسية بين الشرق والغرب. وعمــلت الهيئــة العــامة للاستثمار في السعودية على أن تنشئ بيئة عمل صحية وجاذبة للاستثمار، وتوفير خدمات شاملة للمستثمرين وتشجيع الاستثمار في قطاعات الطاقة والنقل والصناعات القائمة على المعرفة. وتتلخــص اســتراتيجية الهيئة بالتركيز على ست مبادرات أساسية، تسعى للقيام بها على أكمل وجه، وهي خدمة المستثمرين، من تقديم خدمات وتسهيلات شــاملة وتوفير المعلومات لجميع المستثمرين بأسلوب عصري جديد، حيث تنظر الهيئة إلى تحقيق نقلة نوعية في تحسين أساليب تقديم الخدمات والتسهيلات والمعلومات اللازمة للمستثمرين، وتبسيط إجراءات الحصول عليها، باعتبار ذلك عنصراً أساسياً من عناصر تشجيع المستثمرين وجذبهم. كما تعمل على التسويق والترويج للفرص الاستثمارية المرتبطة بالمزايا النسبية للسعودية مع مستثمرين محددين، حيث عملت الهيئة بما يلزم من اتصالات في الداخل والخارج لاستقطاب مستثمرين للاستثمار في الفرص المرتبطة بالمزايا النسبية في السعودية، وستجعل ذلك جزءاً أساسياً من المجهود الإعلامي الذي ستبذله الهيئة في تشجيع الاستثمار في السعودية.

وتعمل الهيئة على تنمية المناطق، وذلك من خلال تحقيق تنمية إقليمية متوازنة، حيث ستعمل الهيئة على تفعيل الأداء الاستثماري لعدد من مدن ومحافظات البلاد بهدف زيادة النشاط الاستثماري وتحقيق منافع اقتصادية للمستثمرين، كما ستسعى الهيئة إلى تقديم خدماتها إلى عموم المستثمرين لتسهيل وصول رأس المال إلى جميع مناطق البلاد، وستقوم برصد الفرص الاستثمارية المتاحة في كل منطقة على حدة والترويج لها محلياً وإقليمياً وعالمياً.

وتسعى هيئة الاستثمار السعودية إلى إيجاد مستثمرين جدد من خلال دعم المواطنين من الشباب والشابات في بدء أعمال خاصة بهم بالاشتراك مع «صندوق المئوية»، حيث يشكل دعم جيل الشباب الصاعد في الدخول إلى عالم الاستثمار أمرا بالغ الأهمية اقتصادياً واجتماعياً، لأن توجه الشباب والشابات إلى الاستثمار بجهودهم وأفكارهم الذاتية يوفر وظائف لهم، بالإضافة إلى توفير فرص عمل جديدة أيضاً لغيرهم من أبناء وبنات الوطن.

وركزت هيئة الاستثمار على جذب استثمارات لقطاعات محددة، حيث توجد قطاعات اقتصادية واعدة لا تزال حركة الاستثمار فيها دون المستوى الذي يتناسب مع إمكانياتها الكامنة وأهميتها الاقتصادية، وستضطلع الهيئة ضمن نشاطاتها بتحديد هذه القطاعات وإبراز الفرص الاستثمارية الكامنة فيها، ومن ثم العمل على جذب الاستثمارات إليها.

كما ستقدم الهيئة كل الخدمات والتسهيلات الممكنة للمستثمرين في مختلف القطاعات الاستثمارية، إلا أنها ستركز في المرحلة المقبلة على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لثلاثة قطاعات رئيسية تم اختيارها بناءً على مزاياها النسبية وارتفاع وتعدد أثرها الاقتصادي، والتي تتمحور في قطاع الطاقة، الذي يشمل الصناعات المعتمدة على النفط والغاز مثل البتروكيماويات والكهرباء والمياه والصناعات ذات الاستهلاك العالي من الطاقة مثل التعدين، وذلك لكون قطاع الطاقة يمثل الميزة النسبية الأولى للسعودية. القطاع الثاني يتركز في النقل، وذلك لاستغلال الميزة النسبية الثانية للسعودية وهي المرتبطة بموقعها الاستراتيجي كنقطة التقاء بين الغرب والشرق، والعمل مع الجهات المختلفة على تطوير الأنظمة والإجراءات في نقاط دخول وخروج السلع، وتوجيه رؤوس الأموال للاستثمار في السكك الحديدية والموانئ الجوية والبحرية والطرق.

القطاع الثالث هو قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، وذلك لما يمثله هذا القطاع من أهمية قصوى في تطوير القطاعات الاقتصادية وإيجاد فرص استثمارية واعدة وفرص عمل ذات دخل مرتفع.

وستعمل الهيئة على مواءمة الأنظمة والإجراءات ومتطلبات المناخ الاستثماري الصحي الجاذب للاستثمار، في عصر العولمة الاقتصادية الذي يشهد منافسة عالمية في تبسيط إجراءات الاستثمار ستبذل الهيئة جهوداً خاصة ومركزة للتنسيق مع مختلف الوزارات والجهات المعنية لمواءمة أنظمة الاستثمار مع المتطلبات الحقيقية التي تهيئ مناخاً استثمارياً صحياً جاذباً للاستثمار.

وتسعى الهيئة العامة للاستثمار لأن تبلغ الاستثمارات الموجهة للقطاع الخاص إلى أكثر من 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) سنوياً لمدة عشر سنوات مقبلة، وذلك لتحقيق نتائج إيجابية ذات أثر ملموس على حياة المواطنين، ومستوى رفاهيتهم. ويعتبر الاستثمار هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، فهو يؤثر في النمو الاقتصادي من خلال تحفيز الإنتاج المحلي الذي يمثل جزءاً أساسياً من جانب الطلب الكلي، بالإضافة إلى المساهمة في تراكم الأصول المنتجة المطلوبة للحفاظ على الطاقة الإنتاجية للاقتصاد وتنميتها وزيادة قدرته التنافسية. وبلغت قيمة مكونات رأس المال الثابت للاستخدامات التجارية، وغير التجارية في عام 2003 في السعودية نحو 148.1 مليار ريال (39.4 مليار دولار)، وارتفعت خلال السنوات التالية، وبلغت في عام 2006 نحو 208.6 مليار ريال (39.4 مليار دولار).

وفي السنوات الثلاث الأخيرة شهدت السعودية نمواً كبيراًً في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى السعودية 68.6 مليار ريال (18.2 مليار دولار)، بزيادة قدرها 51 في المائة عن عام 2005، ويساهم تنوع مصادر هذه الاستثمارات المتمثلة في إسهامات دول جديدة مثل الصين وروسيا وماليزيا في إتاحة الفرصة للمنشآت السعودية، وذلك للتعرف على أفضل الممارسات والخبرات الإدارية والفنية المتبعة في نطاق واسع من الدول المتقدمة.

وتشير الهيئة العامة للاستثمار إلى أن اتجاه الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السعودية يعكس في حد ذاته الميزات التنافسية التي تتمتع بها، حيث حظي عام 2006 في قطاع الطاقة والقطاعات المرتبطة به، كالبتروكيماويات بأكبر نصيب من الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتجهة إلى السعودية. في الوقت نفسه الذي شهدت فيه البلاد نمواّ ملحوظاً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتجهة إليها، وتسعى الهيئة إلى أن جذب المزيد من الاستثمارات خاصة أن إمكانيات البلاد مازالت كبيرة، ويمكن تحقيق ذلك ببذل المزيد من الجهود لتحسين بيئة الاستثمار في السعودية.

من جهة أخرى، أطلقت الهيئة مفهوما جديدا عالميا يجمع بين المقومات الاقتصادية للمدن الصناعية، والمناطق الاقتصادية الخاصة، والمناطق الحرة لتشكل مدنا حضارية متكاملة، ويتجسد هذا المفهوم في المدن الاقتصادية، هذه المدن التي تجمع مبدأ الشراكة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، من خلال تحمل القطاع الخاص تكاليف تأسيسها، على أن تقوم الحكومة بتقديم التسهيلات والخدمات التي يحتاج إليها المستثمرون.

وأنشأت الهيئة جهازًا متخصصًا في شؤون المدن الاقتصادية تحت مسمى وكالة المدن الاقتصادية، تكون مسؤولة عن وضع الخطط والتنسيق مع الجهات الحكومية المختلفة لضمان قيام المدن الاقتصادية ضمن الجدول الزمني المحدد، ووفق أفضل المعايير العالمية. وتشير هيئة الاستثمار إلى أن الأهداف الاستراتيجية لتأسيس المدن الاقتصادية هي تحقيق تنمية إقليمية متوازنة، وزيادة التنوع الاقتصادي، وتوفير الوظائف في مختلف القطاعات، إضافة إلى تحديث البنية التحتية، ونقل المعرفة من خلال ما يسمى بالاستثمارات «الذكية».