عسكريون أميركيون: 9 أجانب من بين كل 10 من الانتحاريين في العراق

90% منهم دخلوا عن طريق سورية و40% جاءوا من شمال أفريقيا و19% من ليبيا وحدها حسب وثائق جديدة

مشتبهون تم اعتقالهم خلال حملة مشتركة بين الجيش الأميركي والقوات العراقية خارج مدينة بعقوبة أمس (أ.ب)
TT

بدأ محمد عين الناس، المغربي البالغ 26 عاما، رحلته من الدار البيضاء. وبعد التوجه جوا الى تركيا ومن ثم الى دمشق وصل الى محطته في مدينة عراقية صغيرة على الحدود يوم 31 يناير(كانون الثاني) 2007. وكان طالب اقتصاد وفقا لما قاله لرجل «القاعدة» الذي اجرى مقابلة معه عند وصوله. وعندما سئل عن نوع العمل الذي يأمل القيام به في العراق أجاب عين الناس: «الشهادة».

وقال واصف مصعب، الجزائري البالغ 29 عاما، انه جاء للقتال. واشتكى من أن المهربين السوريين الذين جلبوه الى الحدود صادروا ماله، ولكنه ساهم بما تبقى لقضية المتمردين وهو ساعة وخاتم وجهاز تشغيل موسيقى من طراز «أم.بي.3 بلاير».

وأعطى هاني الصغير، تقني الكومبيوتر من اليمن والمتطوع الذي يتطلع الى القيام بعمل انتحاري، رجل «القاعدة» رقم هاتف بيته وكذلك رقم هاتف شقيقه.

وقصصهم هي من بين سجلات 606 من المقاتلين الأجانب الذين دخلوا العراق في الفترة بين أغسطس(آب) 2006 وأغسطس 2007. وقد اكتشفت هذه الوثائق في الخريف الماضي من جانب القوات الأميركية في مدينة سنجار شمال العراق. وبعضها يشتمل على صور لرجال ذوي لحى يرتدون العمامة أو الكوفية، اضافة الى الأسماء الحقيقية والأسماء المستعارة وبلدانهم وتاريخ الميلاد وتاريخ الدخول الى العراق. وقد ذكر كثيرون مهنهم في بلدانهم. وهناك «أخصائي بالرسائل» و«تاجر أسلحة»، وعدد قليل من «العاطلين عن العمل» وكثير من الطلاب. وكان أصغرهم في السادسة عشرة عندما عبر الحدود الى العراق، وأكبرهم في الرابعة والخمسين. وعبر معظمهم عن الاهتمام بالقيام بمهمة انتحارية. وأدت الوثائق بالجيش الأميركي في العراق الى إعادة تقييم بعض افتراضاته السابقة حول جماعات المتمردين وأولئك الذين ينفذون معظم العمليات الانتحارية. وأثارت الهجمات الانتحارية من جانب الجماعة السنية ضد أهداف شيعية العنف الطائفي الذي اجتاح العراق عام 2006 والنصف الأول من العام الماضي. ونفذت «القاعدة» في العراق ما يزيد على 4500 هجوما ضد مدنيين في عام 2007، مما أدى الى مقتل 3870 وجرح ما يقرب من 18 ألف شخص، وفقا لما أعلنه الجيش يوم أول من أمس.

واستنادا الى وثائق سنجار، قال مسؤولون عسكريون أميركيون في العراق إنهم يعتقدون الآن أن تسعة من بين كل عشرة من الانتحاريين هم من الأجانب بالمقارنة مع تقديرات سابقة بلغت نسبة 75 في المائة. كما قدروا أن 90 في المائة من المقاتلين الأجانب الداخلين الى العراق خلال فترة السنة المنتهية بأغسطس جاءوا عبر سورية؛ وهي نسبة أعلى مما كان يعتقد سابقا.

وقال الكولونيل ستيفن بويلان، المتحدث باسم القائد الأميركي الأعلى في العراق الجنرال ديفيد بترايوس «نحن أيضا عدلنا تحليلنا للقول إن هناك عددا من الارهابيين الأجانب من شمال أفريقيا يزيد عما قدرنا سابقا». وعلى الرغم من ان السعودية كانت حتى الآن البلد الأصلي للعدد الأكبر من المقاتلين الأجانب، حيث تبلغ نسبتهم حوالي 40 في المائة، فان المشاركة المدهشة تأتي من ليبيا بنسبة 19 في المائة. وعلى العموم تبلغ نسبة القادمين من شمال أفريقيا حوالي 40 في المائة.

وقال بترايوس ان عدد المقاتلين الأجانب القادمين عبر سورية انخفض الى ما يقرب من النصف منذ الصيف وصار 50 شخصا كل شهر. وقدر بويلان أن عدد الداخلين الأجانب انخفض بنسبة عشرة في المائة على العموم. ويشير تحليل مركز ويست بوينت الى ان المدن والمناطق التي أشار المقاتلون الى انهم جاءوا منها هي مواقع نشاط تمرد واسع في العالم العربي. وقد جاء أكثر من نصف الليبيين من مدن ساحلية مثل درنة وبنغازي، وكلتاهما مرتبطتان بجماعة أعلنت في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي انتسابها الى شبكة «القاعدة» التي يقودها أسامة بن لادن. ويسافر معظم الليبيين عبر مصر في طريقهم الى سورية.

كذلك فإن السجلات هي منجم لمركز مكافحة الإرهاب القومي في ماكلين الذي يحتفظ بقاعدة بيانات هائلة حول أولئك الذين لهم أواصر بإرهابيين أجانب. لكن راس ترافيرز نائب مدير هذا المركز تجنب مناقشة بيانات معينة وقال إنه «من دون شك كلما زادت المعلومات لدينا تمكنا من معرفة من هو مرتبط بمن».

أما برايان فيشمان من مركز ويست بوينت والمشارك في تأليف التقرير عن سنجار فقال: «هذه الوثائق تخبرنا عن القاعدة في العراق أكثر مما تخبرنا عن العراق». وحينما يكون عندك مئات يدخلون البلد مع مهارات مختلفة ونوايا مختلفة، فإنك تستطيع أن تبني بيروقراطية تساعدك على استخدام مصادرك بكفاءة أعلى. أظن أننا أخطأنا في افتراضنا أن القاعدة بسبب كونها منظمة إرهابية لا تحتاج إلى تنظيم نفسها بالطريقة التي تنظم المنظمات الكبيرة نفسها وفقها. هم لديهم مشكلة مصادر بشرية، وعليهم أن يديروا الناس». وقال إن لـ«القاعدة» سجلا موثقا بشكل جيد، وكان «اسامة بن لادن رجل أعمال قبل أن يصبح إرهابيا».

وقدم فيشمان مثالا عن الوثائق التي تم العثور عليها من «القاعدة»: هناك عقد عمل بين مجموعة من المجندين الإرهابيين في أفغانستان خلال أواخر التسعينات من القرن الماضي إضافة إلى تعريف المنظمة وتحديد الواجبات الدينية لها والقسم بالولاء إليها، وهذا يشمل قائمة من المكافآت لقضاء عطل مع درجات الرواتب.

وظل موضوع مدى الآصرة التي تجمع «القاعدة» في العراق بشبكة القاعدة ضمن إطار أوسع موضوعا للنقاش ضمن أوساط الاستخبارات الأميركية والجيش. وعلى الرغم من أن عضويتها هي بالدرجة الأولى من العراقيين فإنها تقاد من قبل أجانب لهم أواصر بـ«القاعدة» الأصلية المتمركزة في باكستان منذ إخراجها من أفغانستان عام 2001.

وتحمل بعض وثائق سنجار التي تعود للفترة المبكرة من عمل «القاعدة» في العراق، ختم مجلس شورى المجاهدين الذي كان مظلة لكل المنظمات المتمردة في العراق تم تشكيله في يناير 2006 من قبل أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود «القاعدة في العراق»؛ وهو من مساعدي أسامة بن لادن. أما الوثائق من الفترة الأخيرة فموقعة باسم دولة العراق الإسلامية التي أعلن عنها في أكتوبر(تشرين الاول) 2006 بعد مقتل الزرقاوي. وتلك الوثائق تقدم معلومات أكثر شمولا.

ليس هناك دلالات على وجود دوافع شخصية ولكن أكثر المجندين تكلموا عن كيفية قيامهم بأول خطوة للاتصال مع منسقين خاصين بالسفر. «وكانت الإجابات تتراوح ما بين أصدقاء وأفراد عوائل القادمين إلى شخص موجود في مسجد أو أخ عاد للتو من العراق». وعلى الرغم من الكثير من الأسئلة تركت بلا جواب، فإن معظم المجندين قالوا إنهم يحملون بطاقة تعريف مثل جوازات السفر أو شهادات الميلاد أو رخص القيادة، وأشار بعضهم إلى وثائقهم «نظيفة» أو «غير محروقة»؛ وهي عبارة تشير إلى الوثائق لم تظهر على أي قائمة مراقبة. وكان الإسهام للتمرد بما فيه التبرع الذي يصل أحيانا إلى آلاف الدولارات جرى تسجيلها بشكل منتظم. لكن الكثير من أرقام الهواتف التي تم العثور عليها خارجة عن الخدمة حسبما قال فيشرمان. وقال: «نحن اتصلنا بالكثير منهم، لكن من دون جواب. كانت الهواتف ترن وترن فقط».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)