موقع إلكتروني طلابي يبيع المعطيات الشخصية لـ4 ملايين عضو إلى شركات الإعلان

جدل في ألمانيا حول المتاجرة بالمعطيات الشخصية إلكترونيا

TT

يتساءل معظمنا، حينما يتلقى بريدا إلكترونيا غريبا، عن كيفية حصول هذه الجهات على عنوانه البريدي الإلكتروني ومعطياته الشخصية. وهناك تعتيم غامض على هذه الأمور رغم أن القانون الألماني يمنع التلاعب بالمعطيات الشخصية وكشفها دون موافقة القاضي. ويبدو أن قيام صفحة «ستودي في زد» الألمانية ببيع معلومات أعضائها علنا إلى شركات الإعلام قد كشف المستور وأظهر عمليات المتاجرة الواسعة بالمعطيات الشخصية على الشبكة الدولية.

وأكد ماركوس ريكة، مدير موقع الطلابي StudiVZ على الانترنيت، أن الموقع قرر تغيير سياسته مع مطلع عام 2008، وانه سيتخذ استراتيجية جديدة تسهل «استعمال» المعطيات الشخصية للأعضاء أمام قيادة الموقع بغرض بيعها إلى شركات الإعلان. وأشار ريكة إلى أن موقع «ستودي في زد» يضع أمام المستخدم، ضمن شروطه، منذ البداية ما يأتي «بموافقتي، حسب قوانين حماية المعطيات الشخصية، اسمح لشبكة «ستودي في زد»، المحدودة، كشركة مالكة للموقع، استخدام ونشر معطياتي الشخصية».

ويعتبر موقع «ستودي في زد» من أكبر المواقع التي تجتذب طلبة الجامعات والشبيبة عموما في ألمانيا. ويعترف ريكة بأن الموقع يحتفظ بالمعطيات الشخصية لأكثر من 4 ملايين عضو من الجنسين معظمهم من الشباب. وتتيح شروط الموقع، التي يبدو أن الأعضاء لم يقرأوها جيدا، نشر وبيع المعطيات الشخصية لشركات الإعلان وغيرها.

وكمثل فإن «ستودي في زد» تفتح صفحاتها أمام الطلبة للبحث عن أصدقاء وشركاء حياة وشركاء في السفر أو السكن الجامعي. ويضطر الطالب لعرض معطياته الخاصة مع صور وعناوين ... الخ كي يستطيع مجارات الآخرين الذين سبقوه بالكشف عن أسرار حياتهم على الموقع. والمشاركة هنا مجانية للطلاب والشباب، لكنها ليست مجانية بالنسبة لأصحاب الموقع الذي، كما يبدو، قد خططوا منذ البداية للنهاية التجارية السعيدة، أي بيع هذه المعطيات لشركات الإعلان.

ويحتفظ الموقع بمعلومات تتعلق بالهواتف الثابتة والنقالة للأعضاء، عناوين بريدهم الإلكتروني، أذواقهم الموسيقية، هواياتهم، اتصالاتهم مع بعضهم ... الخ. وعلى أساس فرز وتصنيف المعطيات الشخصية للأعضاء، سيتلقى هؤلاء الأعضاء، رغم أنوفهم، الدعايات والإعلانات التجارية الإلكترونية التي تتلاءم مع شخصياتهم وهواياتهم وميولهم. ووصف ريكه هذا التحول بأنه «أعمال Buisness» رغم النقاش الواسع الذي أثارته بين المواطنين الألمان.

وتتعلق القضية هنا بالمتاجرة بالمعطيات الشخصية لمستخدمي المواقع الإلكترونية وبمبالغ خيالية. وكشفت صحيفة «دي فيلت» الواسعة الانتشار أن شركة الميديا «شتوتغارتر» دفعت لوقع «ستودي في زد» مبلغ 100 مليون يورو لقاء الحصول على المعطيات الشخصية للأعضاء. ومعروف أن «شتوتغارتر» تصدر صحيفتي «زايت» و«هاندلزبلات» المعروفتين ويقدر دخلها بنحو 2,2 مليار يورو. ووصف ريكة مبلغ الـ 100 مليون يورو بأنه «فول سوداني» يتلهى به الطلبة لا أكثر.

وفي حين وصفت دائرة حماية المعطيات الشخصية الصفقة بالـ«مقلقة» ووعدت بدراسة الحالة في ضوء التطور السريع لشبكة الانترنيت، تلجأ شركات أخرى إلى طرق مبتكرة في الوصول إلى المعطيات الشخصية لمستخدمي الشبكة. من هذه الطرق شراء الحصص في المواقع الاجتماعية، كما فعلت مايكروسوفت حينما اشترت حصصا بمبلغ 250 مليون دولار (أو 1,6 من رأسمال الموقع) في موقع «فيسبووك» الاميركي. وفتحت هذه الحصة الباب أمام مايكروسوفت للوصل إلى معطيات أكثر من 250 مليون إنسان في العالم. وأدت في ذات الوقت إلى رفع عدد زوار الوقع إلى 250 ألف يوميا.

وجاء رد فعل الطلبة حاليا بشكل «ثورة» صغيرة لا تشبه بحدتها أبدا انتفاضة الطلبة في الستينات. ودعا آلاف الطلبة إلى مقاطعة الموقع بعد أن وقع المحظور ومنحوا كل أسرارهم الشخصية دون أن يقرأوا الشروط بدقة. ويطلق الطلبة حاليا على فضيحة «ستودي في زد» اسم «شتازي2»، وهي إشارة إلى أمن ألمانيا الشرقية الرهيب ودوره في جمع المعطيات الشخصية عن المواطنين الشرقيين إبان الحقبة الاشتراكية. والفرق واضح، إذ كانت دائرة «شتازي» دائرة أمنية تتجسس لصالح الدولة ولا تتاجر بالمعطيات الشخصية، في حين أن «ستودي في زد» تتاجر بأسرار الناس.

وكتبت «استا كولون»، وهي المنظمة الطلابية في جامعة كولون، أن موقع «ستودي في زد» تعامل الطلبة المنتفضين بشكل مقيت. إذ تم رصد رسائل التحريض ضد الموقع بين الأعضاء وسحب عضويتهم من الموقع، لكن لا يبدو أن المعطيات الشخصية للمفصولين قد مسحت من بنك المعلومات الخاص بالموقع.

وحذر ديتمار موللر، من دائر حماية المعطيات الشخصية، من «شرعنة» ما تفعله «ستودي في زد» من خلالها المتاجرة بالمعطيات الشخصية. وعبر موللر عن قناعته بأن هذه المعطيات ستتسرب بالتدريج إلى أياد تسيء استعمالها. وأضاف: أن شروط موقع «ستودي في زد» تملأ 11 صفحة من القطع بالحروف الصغيرة، وأشك بأن كل الطلبة قد قرأوا هذه الشروط بإمعان حتى نهايتها.