الاتحاد العمالي العام صمد في الحرب.. وسقط في السلم

إضرابات لبنان ظهّرت الانقسامات في الحركة العمالية

TT

اظهر الاضراب الذي دعا اليه قطاع النقل البري والقطاع الزراعي في لبنان امس تفسخاً واضحاً في الحركة العمالية على مستوى القيادة والقاعدة معاً، تمثل في القيادة الحالية للاتحاد برئاسة غسان غصن (المحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري) ونحو 30 اتحاداً نقابياً، بما فيها الاتحادات التي تم «تفريخها» في زمن الوصاية السورية، و«هيئة الانقاذ في الاتحاد العمالي العام» التي تضم بعض اركان قيادة الاتحاد؛ ومنهم نائب رئيس الاتحاد مارون الخولي، وعدد من الاتحادات منها: اتحاد النقابات الحرة، اتحاد نقابات القطاع التجاري، اتحاد نقابات التقنيات الحديثة، اتحاد نقابات قطاع التأمين والضمان، الاتحاد اللبناني للنقابات العمالية، اتحاد النقابات المتضامنة، واتحاد نقابات جبل لبنان الشمالي.

والحقيقة ان الشرخ الحالي داخل الاتحاد العمالي العام ليس الاول من نوعه في تاريخ الاتحاد، الذي استطاع ان يتجاوز الانقسامات منذ تأسيسه عام 1970 وحتى إبان الحرب اللبنانية، لكنه لم يتمكن من الحفاظ على وحدته في مرحلة ما بعد الحرب.

واذا كان «اليمين» و«اليسار» قد استطاعا التعايش داخل الاتحاد في المرحلة التأسيسية ومرحلة الحرب، وتمكنا من احداث نقلة نوعية في التوجهات وتحقيق المطالب من تصحيح اجور، ودعم الليرة، ومناقشة الموازنة العامة، وتوفير تقديمات اجتماعية، فان مرحلة ما بعد الحرب اتسمت بالانشقاقات والخلافات على خلفية سياسية تارة، ومخابراتية طوراً، وهو ما أدى الى دور اساسي للوصاية السورية في توسيع دائرة هذه الخلافات من خلال «تطويب» وزارة العمل الى لون سياسي واحد تمثل في حزبي البعث والقومي السوري. ولم يلبث الصراع ان تفاقم بين قيادة الاتحاد الجديدة وحركة عمالية تحركها السلطة من رأسها (الرئيس السابق الياس الهراوي) حتى قاعدتها، مروراً بوزارة العمل في عهد الوزير السابق اسعد حردان (قومي سوري)، وخرج الصراع عن اطاره التقليدي ليرتدي طابع الصراع السياسي، الى ان كانت الازمة الكبرى التي فجرها وزير العمل عبد الله الامين عام 1994، في كلمة القاها في السادس من فبراير (شباط)، وأعلن فيها ان الحركة النقابية على ابواب شرخ، ووصف الوضع النقابي بالمتفسخ، وذهب في تأزيم الوضع الى حد فتح الباب امام تشكيل اتحادات ونقابات جديدة، فكان الترخيص لـ 25 نقابة وأول اتحاد تابع لحركة «أمل». وكان الوزير الامين يسعى بكل جهده لفرض هيكلية نقابية لم تمكنه منها قيادة الاتحاد التي اعتبرت ان هذا الموضوع هو من اختصاصها وليس من اختصاص وزارة العمل. وتمادى الامين في «تفقيس» الاتحادات، فانشأ سبعة منها لتكوين اكثرية في الاتحاد العام من اجل الاطاحة بالقيادة خلال الانتخابات، وكانت تضم 22 اتحاداً.

وكانت الضربة القاصمة في ظل تولي الوزير السابق اسعد حردان حقيبة وزارة العمل عام 1997، والذي استطاع تعطيل الانتخابات لفترة من الوقت، والعمل على انجاح لائحة برئاسة غنيم الزغبي، الذي لم يستطع الاستمرار اكثر من سنة واحدة، فيما عملت السلطة (سلطة الوصاية وسلطة الموصى عليها) على الادعاء على ابو رزق ومعاونيه بتهمة «انتحالهم صفة». وتم توقيف ابو رزق يومها مع الامين العام للاتحاد ياسر نعمة، ومع صدور الحكم ببراءة ابو رزق ونعمة عاد الى قيادة الاتحاد الى ان اندفعت السلطة، وبالأخص وزارة العمل، الى خوض الانتخابات ضد القيادة، فجاء غصن، الذي كان في صفوف المعارضة النقابية. ومنذ ذلك الحين دخل الاتحاد العمالي في غيبوبة مطلبية، خططت لها السلطة آنذاك بكل تفرعاتها، وها هو الاتحاد يستفيق الآن من غيبوبته على خلفية الصراع السياسي الذي بلغ اعلى درجاته على الساحة اللبنانية.