تركيا: اتفاق بين حزب العدالة والحزب القومي للسماح بالحجاب في الجامعات

رئيس الوزراء اليوناني يقوم بزيارة تاريخية لتركيا منذ عام 1959

زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي دينز بايكال (يمين) يحمل صورة اتاتورك (يسار) مع رئيس الوزراء اليوناني الراحل واليفثيريوس فنيزيلوس، وذلك خلال زيارة تاريخية لرئيس الوزراء اليوناني لأنقرة هي الاولي منذ عام 1959 (إ ب أ)
TT

في تطور يمكن أن يؤدي الى أزمة مفتوحة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، ذي الجذور الإسلامية، وأكبر أحزاب المعارضة التركية، حزب الشعب الجمهوري، اتفق حزب العدالة مع حزب الحركة القومية اليميني على تقديم مشروع قرار للبرلمان التركي، الأسبوع المقبل، من اجل رفع الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات التركية. ويحتاج رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى دعم حزب الحركة القومية، ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان، من اجل تعديل الدستور، وبالتالي رفع الحظر على الحجاب بالجامعات. وبينما لم يعرب الجيش التركي بعد عن رأيه في هذا التطور، الا ان الجيش تدخل سابقا لإطاحة 4 حكومات منتخبة لأنها هددت أسس الجمهورية العلمانية. ويأتي ذلك فيما قام رئيس الوزراء اليوناني بزيارة تاريخية لتركيا، توجه خلالها الى ضريح مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة، الذي دفع جيوش اليونان يوماً الى البحر. واتفق حزب العدالة والتنمية الحاكم مع الحزب القومي الذي يرأسه دولت بهشتلي على التعاون من اجل رفع الحظر على ارتداء الحجاب بالجامعات في خطوة من المؤكد انها ستثير غضب النخبة العلمانية. وتعتبر النخبة العلمانية التي تشمل جنرالات الجيش والقضاة واساتذة الجامعات ان حظر الحجاب امر حيوي بالنسبة لفصل الدين عن الدولة. وقال بيان مشترك لحزبي العدالة والحركة القومية «تم التوصل الى اتفاق وتم تقييم قضية الحجاب من ناحية الحقوق والحريات، في حين يستمر العمل التقني بشأن رفع الحظر». ويتهم العلمانيون حزب العدالة الذي يمثل يمين الوسط بالتآمر لتعزيز دور الدين في تركيا، وهو ادعاء ينفيه أردوغان وحزبه. ويصر اردوغان الذي ترتدي زوجته وابنته الحجاب على أنها مسألة متعلقة بحقوق الانسان في دولة يغطي حوالي نصف نسائها رؤوسهن. وتوضح استطلاعات الرأي ايضا وجود تأييد شعبي قوي لرفع الحظر عن الحجاب. وتفضل الكثير من النساء عدم الالتحاق بالجامعات لأنهن يردن ان تظل رؤوسهن مغطاة. ومن الممكن ان تؤدي هذه الخطوة الى زيادة التوتر السياسي في تركيا المرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي. وتراقب الاسواق المالية عن كثب النقاش الدائر حول الحجاب. وقال اوزغور التوج الخبير الاقتصادي في مجموعة ريموند جيمس سيكيوريتير «رد فعل النخبة العلمانية على تغيير الدستور سيكون امرا مهما بالنسبة للاسواق».

وفي العام الماضي، ساهمت القضية في اجراء انتخابات مبكرة في اعقاب مظاهرات علمانية حاشدة وتحذيرات صارمة من الجيش. ولم يعلق الجيش القوي الذي يعتبر نفسه الضامن النهائي للنظام العلماني في تركيا بعد على الاتفاق لكن ليس من المرجح ان يرحب بهذه التحركات الاخيرة. واطاح الجيش باربع حكومات منتخبة ديمقراطيا في الخمسين عاما الماضية ووقع احدث هذه الانقلابات عام 1997 عندما اطاح بمساندة شعبية بحكومة كان يعتبرها اسلامية لدرجة كبيرة. لكن طبقة متوسطة متدينة تزداد ثراء بدأت تظهر في تركيا الدولة العلمانية ذات الاغلبية المسلمة وتريد ان تمارس شعائر دينها بحرية اكبر. وتعرض حزب العدالة والتنمية لضغوط قوية من قاعدته من اجل القيام بعمل بعد ان فاز في انتخابات يوليو (تموز) الماضي. ويؤيد حزب الحركة القومية ثالث اكبر الاحزاب الممثلة في البرلمان التركي منذ فترة طويلة تخفيف حظر الحجاب لأنه مثل حزب العدالة والتنمية يعتبر ان من بين مؤيديه الكثير من صغار رجال الاعمال المحافظين دينيا ومن المزارعين في ريف تركيا حيث تغطي اغلبية النساء رؤوسهن. ويميل العلمانيون الى اعتبار الحجاب تهديدا لاصلاحات التحديث التي جلبها اتاتورك الذي اخرج الدين من الحياة العامة في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي عند اعادة بناء تركيا من بين انقاض الامبراطورية العثمانية. ويقولون ان اي تخفيف للحظر سيحول تركيا الى ايران اخرى. ويقول المنتقدون ان النخبة العلمانية تستغل الإسلام كذريعة من اجل الاحتفاظ بسيطرتها على مؤسسات الدولة الرئيسية من اجل مصلحتها فقط. وكتب ابراهيم كالين مدير مركز ابحاث (سيتا) التركي في صحيفة «زمان» التركية «المنطق هو منطق الخوف. اذا اعطيت الناس شيئا واحدا فسيطلبون ويحصلون في النهاية على المزيد. واذا سمحنا بالحجاب في الجامعات اليوم فسيعلنون حكم الشريعة خلال 10 سنوات». الى ذلك، زار رئيس الوزراء اليوناني الذي يقوم بزيارة تاريخية لتركيا ضريح أتاتورك. ووضع كوستاس كرامنليس إكليلا من الزهور على قبر أتاتورك الموجود في أنقرة، ولكنه لم يزر المتحف الذي يحتفل بانتصار تركيا الحاسم على اليونان عام 1922.

وكرامنليس هو أول زعيم يوناني يقوم بزيارة رسمية الى أنقرة منذ أن زارها عام 1959، وهو بذلك يتوج عشر سنوات من التحسن المتزايد في العلاقات الاقتصادية والسياسية بشكل متواصل بين الخصمين وهما أيضا عضوان في حلف شمال الاطلسي. وكتب كرامنليس في سجل الزائرين يقول «كان يملك كمال أتاتورك واليفثيريوس فنيزيلوس، الزعيم اليوناني في ذلك الوقت، الشجاعة السياسية والارادة والرؤية الكافية لعدم السماح لصراعات ومآسي الماضي بأن تصبح عقبة أمام بناء مستقبل أفضل يقوم على السلام والتعاون لصالح الشعبين». وبعد الحروب التي صاحبت انهيار الامبراطورية العثمانية وإعلان قيام الجمهورية التركية عام 1923 نجح أتاتورك وفنيزيلوس في اعادة العلاقات الثنائية الودية. وتوفي أتاتورك عام 1938. ووعد كرامنليس وأردوغان اول من أمس بزيادة حجم التجارة الثنائية التي تقدر حاليا بنحو 2.8 مليار دولار وتشجيع العلاقات في مجال السياحة والطاقة والامن. كما أكد الزعيم اليوناني مجددا تأييده لمساعي تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ولكنه قال إن على تركيا تلبية معايير الاتحاد الاوروبي، بما في ذلك احترام حقوق الانسان والحريات الدينية. وتضم تركيا جالية صغيرة من اليونانيين الارثوذكس هم ما تبقى من عدد أكبر بكثير كانوا يتمتعون بالثراء والنفوذ خلال العصر العثماني، ولكنهم يشكون حاليا من التمييز ضدهم.

وبعد محادثات مع الرئيس عبد الله غل، من المقرر أن يتوجه كرامنليس الى اسطنبول في وقت لاحق لمقابلة رجال الاعمال والبطريرك بارثولوميو الزعيم الروحي للمسيحيين الارثوذكس في العالم. ويقيم بارثولوميو وهو من أصل يوناني، ولكنه مواطن تركي في أسطنبول التي ظلت لعدة قرون عاصمة الامبراطورية البيزنطية المتحدثة باليونانية حتى سقوطها في يد الأتراك العثمانيين عام 1453. ويأتي ذلك فيما أعلن البيت الابيض ان الرئيس جورج بوش وقع اتفاقا يسمح ببيع الولايات المتحدة تجهيزات نووية مدنية لتركيا، وقد رفع الاتفاق الى الكونغرس للموافقة عليه بعد ان اتخذ جميع الاجراءات لضمان عدم نشر الاسلحة النووية. وحث بوش الكونغرس على الموافقة على هذا الاتفاق وذلك في وثائق رسمية تحمل تاريخ الثلاثاء وارسلت الى البرلمان.