جدة القديمة.. تاريخ فوق تاريخ

باحثون ومهتمون يدعون إلى البحث عن المدينة «المدفونة»

إحدى العيون التي تم اكتشافها أخيرا مدفونة تحت الأرض في جدة القديمة
TT

أثبتت أدلة ومواقع أثرية تم العثور عليها أخيرا، أن مدينة جدة القديمة تاريخ فوق تاريخ، مشيرة إلى وجود مدينة تاريخية مدفونة تحت أنقاض المدينة الحالية في وسط البلد أو ما يسمى الآن بالمدينة التاريخية.

واستشهد باحثون ودارسون في قولهم بوجود هذه المدينة المدفونة ببعض الاكتشافات التي وجدت عند القيام بالحفر في المدينة من قِبل بعض السكان وبعض المعماريين، حيث تم اكتشاف آثار ومعدات قديمة تحمل العديد من الأسرار والتاريخ الذي ينتظر الكشف عنه.وقالت مصادر خاصة لـ «الشرق الأوسط»، إن عددا كبيرا من المنازل القريبة من «عين فرج» يتم التواصل مع أهلها في محاولة للحصول منهم على إذن بهدمها والتنقيب تحتها، مشيرة إلى انه من الواضح أن العين تمتد إلى مساحة أوسع من هذه التي اكتشفت على أساس البناء الموجود، الذي يؤكد أنها اكبر من هذه المساحة التي عثر عليها.

وأضافت المصادر «من الواضح جدا أن هناك تاريخا أقدم تحت هذه المدينة التاريخية التي نقف ونجول فيها»، وتؤكد «الأكيد أن هنا تاريخا تحت التاريخ».

ويقول المهندس سامي نوار، مدير عام السياحة والثقافة بمدينة جدة في حديث خاص لـ «الشرق الأوسط»: «هناك العديد من الاكتشافات التي أثبتت هذه الحقيقة، ومنها ما اكتشفه احد سكان حارة المظلوم في وسط المنطقة التاريخية عندما قام بحفر خزان للمياه على عمق 6 أمتار ليجد العديد من الآثار، إضافة إلى ثلاث (أرحاء)، وهي آلات الطحن القديمة». مشيرا إلى اكتشافات أخرى متعددة من هذا النوع في المنطقة.

من جهته، ذهب عبد الوهاب أبو زنادة، الأديب والكاتب والخبير في شؤون المدينة القديمة، إلى قصة مشابهة بأنه عندما حفر مبنى عمارة الملكة الموجود حاليا في منطقه البلد، وجد خلال الحفر لمناطق عميقة بعض المدافع الصدئة وبعض القنابل التي لم تنفجر، إضافة إلى بعض الآثار القديمة.

واستشهد أبو زنادة بالعديد من الإثباتات والحقائق التاريخية التي تثبت وجود تاريخ ومدينة مدفونة تحت المدينة الأصلية في المنطقة التاريخية، التي تعتبر هي الأخرى تاريخا واثرا يشار إليه، يقول: «الملاحظ عند زيارة الزائر لشارع قابل ومروره عند مسجد المعمار، يشاهد ان الضلع الجنوبي لمسجد المعمار يبلغ ارتفاعه 4 أمتار، بينما لو حضر الزائر من البوابة الشمالية للمسجد يجده على نفس امتداد الشارع المرتفع، وهو ما يدل على انه مبني على تلة عظيمة، هضبة جدة الشمالية الكبرى والممتدة إلى الجامع العتيق داخل المدينة التاريخية، كذلك فإن المشاهد يرى انحدار زاوية عثمان بن عفان». وأشار إلى أن التوقعات والإشارات في أن تكون هذه التلة التي تبلغ مساحتها نحو كيلومترين تقريبا، هي المدينة الأصلية التي دفنت وبنيت عليها المدينة الحالية، وهي المنطقة المحددة الآن بحارة المظلوم والجزء الشمالي الشرقي من حارة الشام. ويستطرد أبو زنادة: «أيضا هناك دلائل أخرى في منطقه قلعة القشلة، إذ إن القادم لتلك المنطقة من الناحية الشرقية الفاصلة بينه وبين مقبرة أمنا حواء، يصعدها صعودا بعكس القادم من الجهة الأخرى التي يجدها محاذية للشارع».

وأورد أبو زنادة بعض الحقائق التاريخية التي تثبت أن المدينة تحمل تاريخا عتيقا يعود إلى ما قبل نحو 2400 عام، ومنها أن الاسكندر المقدوني جاء إلى مكة في حياة النضر بن كنعان، ثم قطع البحر من جدة إلى بلاد المغرب، وقد ورد ذلك في كتاب (الاخبار الطوال) لأحمد بن داود الدينوري.

وأضاف «ان الاسكندر ولد وتوفي في القرن الرابع قبل الميلاد. وهذا يؤكد ان مدينة جدة كانت معروفة قبل حوالي 2400 عام. فإذا أضفنا إلى ذلك سكنى قبيلة قضاعة لجدة، فإن ذلك يؤكد أن جدة كانت معروفة في القرن الثاني قبل الميلاد».

وتابع أبو زناده أن الفرس هم الذين بنوا مدينة جدة بقوله «عندما ضربت مدينة سيران الفارسية، انتقل بعض أهلها إلى جدة فسكنوها وبنوا حولها سورين، الأول من حجر والآخر من مياه (قناة مائية تدور حول المدينة)، ثم بنوا عام 568، صهريج ماء على أعماق قد تزيد على أربعة أمتار»، وتساءل «لا اعتقد انه لم يبق منها شيء».

وبين أن تلك الحقائق مشار إليها في (تاريخ المستبصر)، الذي وضعه ابن المجاور الدمشقي، وحدد أن ذلك وقع في عهد كسرى، وهذا يؤكد أن جدة كانت معروفة قبل القرن السادس الميلادي.

ويشير أبو زنادة إلى النقش الثمودي الذي وجد في وادي بويب، الذي يبعد نحو 14 كيلومترا من الشمال الشرقي لمدينة جدة، وناقِشه هو (ساكت بن يشعن)، الذي حوى على التماس من الإله أن يمنحه الصحة والكمال والسلام، وأن تتشافى امرأة، أشار إلى أن اسمها (جمأث)، وربما (جمعة)، مما أصابها من حمى، وهذا النقش يؤكد أن ثمود سكنت جدة قبل قضاعة.

ويستطرد أبو زنادة في تقديم الإثباتات والشواهد بشاهد من كتاب (الأصنام) لابن هشام أن عمرو بن لحى، وهو أبو خزاعة القبيلة، التي أجلتها قريش عن مكة، قد رأى في منامه رؤية مؤداها نصيحة فحواها: «إتيت ضف جدة تجد فيها أصناما معدة فأوردها تهامة ولا تهاب، ثم ادع العرب الى عبادتها تجاب».. فأتى عمرو ساحل جدة وحفر الأرض حتى وجد الأصنام، فحملها إلى تهامة».

وأشار إلى رواية أخرى في نفس الكتاب وهي رواية صنم سعد، الذي كان لمالك وملكان من كنانة بساحل جدة، فأتى رجل بإبله بهدف التبرك بذلك الصنم، فنفرت الإبل، فأسف الرجل ورجم الصنم سعد بحجارة، وقال قصيدته المعروفه:«أتينا إلى سعد لنجمع شملنا.. فشتتنا سعد فلا نحن من سعد، وهل سعد إلا صخرة في تنوفة، من الأرض لا يرعي لفن ولا رشد».