قلب جدة التاريخي.. قِبلة المهندسين والمطورين والسياح

TT

«المنطقة التاريخية» هي أقدم حي من أحياء مدينة جدة، الذي كان مسرح أحداث قصة المدينة منذ إنشائها، ومركز التجارة والثقل الاجتماعي ببيوتات جدة الكبرى، البيوت التي أصبحت مهجورة مع مرور الأيام، رغم بقاء أهم الأسواق الشعبية التي تحتفي وتحتضن كل الموروث الشعبي العريق لعروس البحر الأحمر، بدءاً بالنمط المعماري الحجازي المميز الذي لا تزال تحتفظ به هذه المنطقة، وحتى كافة الحرف والمنتوجات التي تزخر بها الأسواق الشعبية في المنطقة، إلى جانب المتاحف والمناطق الأثرية التي شهدت أهم الأحداث وكانت بشكل ما علامة فارقة في تاريخ تطور هذه المنطقة، وهي الوجهة الأولى لأي سائح يقصد المدينة على الرغم من تمددها شمالاً وشرقاً وجنوباً، واتساع مراكزها الترفيهية والسياحية والتجارية.

ولفترة طويلة ظلت المنطقة التاريخية بوسط جدة هاجساً لأهلها، ومحطاً لأنظار المطورين والمعماريين والمخططين الراغبين في تطوير المنطقة بشكل يحتفي بالتاريخ ويحافظ عليه، ويواكب العصر في الوقت نفسه، وهو ما شكل تحدياً للجهات المعنية بالتطوير المعماري والتخطيط، وجعلها تضع العشرات من خطط التطوير لمواجهة التحديات في المنطقة والتي تحتوي حالياً على حوالي الـ 500 مبنى تاريخي تتراوح أعمارها بين الخمسمائة والمائتي سنة، 17 بالمائة منها مهجورة، و13 بالمائة منها آيلة للسقوط، ويتم ترميمها وإصلاحها باستخدام نفس الآليات والأدوات والمواد القديمة، إلى جانب أن العمالة التي توجه هذه الأعمال هي مجموعة من البنائين القدامى من أهل جدة الذين يقومون بتدريب جيل جديد من البنائين الشباب على أساليب البناء القديم للمحافظة على طابع الأصالة في مباني وسط جدة وسمتها الحجازي المميز.

وعلى الرغم من المشاكل التي تعاني منها المنطقة، التي تتضمن الحرائق المتكررة في بعض البيوت التاريخية، التي تعود في بعض الأحيان إلى استعمالها كمخازن للسلع لصالح بعض العاملين في الأسواق الشعبية المحيطة بها، إلا أن المنطقة موضوعة على رأس قائمة مشاريع التطوير، وهي تحظى بالكثير من الوهج الإعلامي لدى الجهات المسؤولة وحتى لدى أهالي المدينة الذين يشاركون في صيانتها وتطويرها بطرقهم الخاصة وعن طريق حملات للتنظيف وحماية البيئة تقام بين فترة وأخرى كانت آخرها حملة بعنوان «كلنا مسؤولون» وشارك فيها 15 ألف شخص.

وسائل الإعلام المختلفة بدورها لم تتخلف هذه المرة عن الانضمام إلى ركب المهتمين بإعادة ضخ الأوكسجين في أوردة الشوارع العتيقة والبيوت شبه المهجورة في المنطقة التاريخية، حيث ساهم العديد من وسائل الإعلام المختلفة في إبراز الأهمية التاريخية والسياحية للمنطقة التي باتت المكان المفضل لإقامة أي فعالية ثقافية أو فنية ذات طابع دولي تتمازج فيه الحضارات والرؤى الإنسانية.

القيمة التاريخية للمنطقة دفعت إلى إنشاء إدارة حماية خاصة بها، باعتبار الحفاظ عليها هدفاً ثقافياً وطنياً يسعى للمحافظة على ثروة تاريخية تحتضنها المنطقة، بحسب ما أوضح المهندس سامي نوار مدير إدارة حماية المنطقة التاريخية، الذي يؤكد بأن أهم ما يطمح إليه هو تطوير فهم «الجدّاويين» وثقافتهم للتعرف إلى أهمية المنطقة التاريخية، مما يمكن أن يحولها تدريجياً إلى استثمار سياحي ناجح قادر على تمويل نفسه.