حملات النظام السابق بحق الأكراد أمام مؤتمر دولي في أربيل

وزيرة كردية: تدمير شبه تام.. وأمراض نفسية >مكية: كل العراقيين مسؤولون >شاهدان عربيان: هكذا أنقذنا تيمور

TT

عقد في مدينة اربيل بإقليم كردستان العراق، امس، مؤتمر دولي موسع سمي بـ«مؤتمر تعريف العالم بحملات الإبادة الجماعية ضد الشعب الكردي»، بمشاركة أكثر من مائتي شخصية عراقية وعربية وعالمية من أساتذة جامعات وأعضاء برلمانات وباحثين وسياسيين منهم الدكتور حسن منيمنة رئيس مؤسسة الذاكرة العراقية والدكتور كنعان مكية والدكتور زهير كاظم عبود وباستيان كلدري عضو البرلمان الاوروبي والباحث فران فلايبر ويوست هيلترمان المدير التنفيذي لمجموعة القضايا الدولية وكيمو لينكولين نائب رئيس لجنة الأمن والتضامن في الاتحاد الاوروبي وغيرهم. وفي مستهل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي يستمر ثلاثة ايام، شاهد الحضور على وقع معزوفات الفرقة السمفونية في كردستان، فيلما وثائقيا عن مراحل مختلفة من حملات الأنفال التي نفذها النظام السابق بحق القرويين في إقليم كردستان وعلى ثمان مراحل استمرت عامي 87- 1988 وأسفرت عن تدمير نحو 4500 قرية وقصبة كردية في حدود محافظات كركوك والسليمانية واربيل ودهوك فضلا عن اعتقال أكثر من 182 ألف قروي كردي معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ، وإعدامهم ودفنهم في مقابر جماعية في صحارى محافظات جنوب العراق.

بعد ذلك، ألقى الدكتور فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة اقليم كردستان كلمة أوضح فيها أن الغاية من عقد المؤتمر «هو تعريف العالم بالجرائم والفظائع التي ارتكبت بحق الشعب الكردي وعلى رأسها حملات الانفال الدموية باعتبارها عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي استهدفت محو الشعب الكردي الاعزل والآمن من الوجود»، مضيفا «أن الشعب الكردي تجرع في حقب عديدة الكثير من المآسي والويلات التي تركت آثارا عميقة في جسد المجتمع الكردستاني ونفوس أبناء الشعب الكردي، بل وغدت جزءا من ملامح هويته القومية أسوة بالملامح الجغرافية والتاريخية».

وبعد ذلك، استعرضت جنار سعد عبد الله وزيرة شؤون أسر الشهداء وضحايا حملات الانفال في حكومة الاقليم بإسهاب احصائية أجرتها وزارتها منتصف العام الماضي عن الآثار والنتائج السلبية لحملات الانفال والحملات الاخرى السابقة التي طالت سكان القرى والقصبات الكردية خلال السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم في ظل حكم النظام السابق، بما فيها حملات الإبادة التي طالت الآلاف من الكرد الفيليين خلال الفترة من عام 70 – 1980، وتلك التي طالت ثمانية آلاف كردي بارزاني عام 1983 وفاجعة ضرب بلدة حلبجة بالسلاح الكيماوي المحظور دوليا عام 1988. وقالت ان محافظة السليمانية كان لها النصيب الاكبر من الاضرار وبنسبة بلغت 42.77 % تلتها محافظة كركوك بنسبة 22.37 % وبعدها أربيل بواقع 17.68 % ثم دهوك بـ 7.33 % وأكدت الاحصائية ان نسبة الرجال من ضحايا حملات الانفال بلغت 66.61 % فيما بلغت نسبة النساء 33.39% اما نسبة الاطفال الرضع والصبية الذين تراوحت اعمارهم بين 5ـ 9 اعوام فقد بلغت 60.06 %، مؤكدة ان حملات الانفال لم تطل المواطنين الكرد وحسب بل الآشوريين والكلدان وأبناء القوميات والطوائف الاخرى القاطنين في كردستان ايضا، ولكن بنسبة تراوحت بين 1-2 %.

وأكدت الوزيرة ان تلك الحملات قضت بشكل شبه تام على مرتكزات البنى التحتية للاقتصاد في كردستان، كونها دمرت الغالبية العظمى من القرى والقصبات والمناطق الزراعية في المنطقة والتي يقدر عددها بأكثر من 4500 قرية وقصبة ناهيك من إبادة سكانها الذين كانت غالبيتهم تعمل في مجال الزراعة وتربية المواشي. وأشارت الإحصائية ايضا الى ان معظم أفراد أسر الضحايا الناجين من الكارثة يعانون الآن من أمراض نفسية وأوضاع معيشية بائسة وغير مستقرة ويعاني أغلبهم من البطالة والعوز وان نسبة 1.2 % منهم فقط يعملون في الزراعة مقابل 0.04 % في مجال تربية المواشي، الأمر الذي يهدد القطاع الزراعي في كردستان بالانقراض. وأوضحت ان نسبة الارامل في المنطقة جراء تلك الحملات بلغت 14.14 % فيما بلغت نسبة الأمية في صفوف اسر الضحايا 53.02 %.

ومن ثم ألقى الدكتور كنعان مكية عن مؤسسة الذاكرة العراقية كلمة أشار فيها الى ان النظام السابق ارتكب خلال عقود من حكمه سلسلة مطولة من الفظائع بحق الشعب الكردي تعتبر حملات الانفال ابرزها وأكثرها بشاعة، وقال ان مؤسسته تحتفظ بالمئات من الوثائق والمستمسكات ذات الصلة بهذه الحملة والتابعة للنظام السابق، وتوضح أبعاد ومراحل وشناعة تلك الجريمة. مؤكدا أن الغاية من جمع تلك الوثائق هي لاستذكار عمليات الأنفال كي لا تنسى واتخاذها حافزا لبناء حياة ومستقبل افضل للأجيال القادمة. مشددا في الوقت ذاته على ان الساسة العراقيين اخفقوا حتى الآن في خلق مجتمع مدني قائم على التسامح ونسيان الضغائن والأحقاد والرغبة في الثأر والانتقام في العراق. وأضاف ان اولئك الساسة لم يتحسسوا آلام العراقيين ومعاناتهم بل واتخذوا من قضية الارهاب اداة لتحقيق اغراضهم السياسية والطائفية والعرقية واستخدموا ارث النظام السابق في زرع الشقاق والتفرقة بين العراقيين. وقال ان الانفال واحدة من الجرائم النادرة في تاريخ البشرية قاطبة وهي جريمة لم تقترف بحق الكرد وحسب بل ضد البشرية كلها، مضيفا أن جميع العراقيين بلا استثناء ساهموا في تنفيذ تلك الجريمة البشعة وعليهم ان يقروا بذلك، منوها بأن صدام أعدم بعد إدانته بارتكاب جريمة تعتبر متواضعة قياسا بفاجعة الأنفال، وان جلاديه أهانوا قضيتهم بالدرجة الاولى عندما اعدموه في اول ايام عيد الاضحى. مضيفا أن اخفاق السياسيين العراقيين في بث روح التسامح والإخاء في نفوس العراقيين سيجعل الشعب العراقي الخاسر الاول والأخير في نهاية المطاف.

وبعد ذلك ادلى عدد من شهود العيان ومن الضحايا الناجين من حملات الانفال بشهاداتهم بخصوص ما شاهدوه اثناء تنفيذ تلك الحملات من بينهم شاهدان عربيان من اهالي صحارى محافظة السماوة جنوب العراق، كانت عائلتاهما قد احتضنتا صبيا كرديا نجا من الموت جريحا أثناء تنفيذ عمليات الاعدام الجماعية بحق اسرته وسائر الضحايا في صحراء السماوة ورويا للحضور كيفية انقاذ ذلك الصبي المدعو «تيمور» والتي شاءت له الاقدار ان يكون شاهدا حيا على المسؤولين عن جرائم الأنفال أثناء محاكمتهم والمقيم حاليا في الولايات المتحدة وكيفية تعليمه اللغة العربية وتغيير هويته واسمه خوفا من عقاب سلطات النظام السابق ورعايته لأكثر من ستة اعوام قبل إعادته الى اقاربه في منطقة كرميان باقليم كردستان.

ومن ثم تلا ممثل أسر الضحايا كلمة تضمن مطالبهم المتمثلة اولا بتدويل حملات الانفال وتعريفها للعالم على انها حملة ابادة عرقية ارتكبت بحق الشعب الكردي، وتقديم الشركات والمؤسسات الاجنبية التي ساعدت النظام السابق على امتلاك اسلحة الدمار الشامل الى القضاء وإنزال القصاص بالمدانين في قضية الانفال وضرب حلبجة بالسلاح الكيماوي ومطالبة الشرطة الدولية بالقبض على بقية المطلوبين من قبل القضاء العراقي من الضالعين في تنفيذ عمليات الانفال والموجودين حاليا خارج العراق، وتعويض أسر الضحايا ومطالبة الحكومة العراقية الحالية بتقديم الاعتذار للشعب الكردي ومعالجة المصابين بالأسلحة الكيماوية في المستشفيات المتخصصة وغيرها، وبعد ذلك شاهد الحضور معرضا للصور الفوتوغرافية ضم العشرات من الصور التي جسدت مشاهد من حملات الانفال وكارثة ضرب حلبجة ومناطق اخرى من كردستان بأسلحة الدمار الشامل.

من جانبه، قال سردار عبد الله مسؤول الشؤون الاعلامية للمؤتمر في تصريح خاص للشرق الاوسط، إن اكثر من 60 بحثا ودراسة اكاديمية وتقريرا يتعلق بحملات الانفال اعدها عدد من الضيوف والاكاديميين والباحثين والمهتمين بهذا الشأن ستتم مناقشتها من قبل اصحابها المدعوين خلال جلسات المؤتمر الثلاث اللاحقة.