الحصان قبل العربة

سليمان محمد المنديل

TT

أتيح لي مؤخراً الاطلاع على دراسة أحد الاستشاريين، حول تقييم التعليم في دول الخليج. ولأن الدراسة غطّت جوانب عديدة، فإن جدولا واحدا منها معبّر بالقدر الكافي، لتلخيص وضع التعليم هنا في السعودية. وهو جدول نتائج اختبارات مادة الرياضيات لطلاب المستوى الدراسي الثامن، لعدد 45 دولة حول العالم، وقد جاءت سنغافورة في المرتبة الأولى، تليها كوريا الجنوبية، ثم هونغ كونغ، ثم الصين، ثم الدول الصناعية المختلفة، ثم دول الخليج، ومصر، والأردن، ولبنان، وتونس، والمغرب، وجاء ترتيب السعودية في المرتبة 43، تتقدم فقط على غانا، وجنوب أفريقيا، وفي حين أجاب الطالب السنغافوري إجابة صحيحة بنسبة 88%، فإن الطالب السعودي أجاب إجابة صحيحة بنسبة 19%.

ولذلك أود تقديم اقتراح لن يحل هذه المشكلة المؤسفة، والمحزنة، وحده، حيث يتطلب حلها الكثير من الجهد، ولكنه اقتراح به رمزية كبيرة، ومهمة، وسيرسل إشارات إيجابية، لأبنائنا وبناتنا، وللمجتمع بشكل عام:-

توجد في المملكة اليوم، على الأقل خمس مسابقات رئيسة، دولية، سنوية، لاختيار أفضل مجوّدي القرآن الكريم، وعدد من المواضيع المتعلقة بالقرآن الكريم، والسنّة المشرّفة، وتحظى برعاية كبار المسؤولين، وهذا أمرٌ يشكر عليه من وجّه بإيجاد تلك المسابقات، ومن قام على تنفيذها. ولكن الملاحظ أن ساحة المسابقات تخلو من أي مسابقات لمواد مهمة للمجتمع، والاقتصاد أيضاً، وأعني مسابقات مواد الرياضيات، والكيمياء، والفيزياء، والأحياء، والجيولوجيا، والكمبيوتر، واللغات... وهي مواد تؤسس لتخصصات الطب، والهندسة، وبقية العلوم التي نحن أحوج ما نكون لها، ومع الأسف، يشغل أغلب وظائفها اليوم غير السعوديين، لقلة اهتمام السعوديين بها، وربما أن عدم وجود مسابقات لتلك المواد، هي دلالة أخرى على سلبية نظرة المجتمع، تجاه تلك التخصصات المهمة.

ولأن المسابقات القائمة حالياً تكلف عشرات الملايين من الريالات سنوياً، وإذا عرفنا أن جوائز الفائزين ليست مبالغ فيها، ولكن تدويل تلك المسابقات يعني استضافة مشاركين، وحكام، وضيوف، من مختلف أصقاع العالم، وما يترتب على ذلك من مصاريف تنقّل، وضيافة، وعمرة، وهدايا.. إلخ. كل ذلك يدل على أنه من غير المنطقي أن تكلف كل مسابقة جديدة، كل تلك المبالغ، ولذلك قد يعتبر اقتراح إضافة مسابقات المواد العلمية، إضافة أعباء مالية إضافية، لا داعي لها، وقد يكون ذلك سبباً في قتل فكرة رائدة، تأخر تبنيها كثيراً. ولذلك إن كان بالإمكان تدبير التمويل لتبني المسابقات الجديدة، مع بقاء المسابقات الحالية دولية، فذلك خير وبركة، وإلا فسأقترح لمعالجة موضوع التمويل، أن تحوّل المسابقات القائمة حالياً، إلى مسابقات محلية (بدون مشاركة دولية مكلفة)، وأن تخصص الفوائض المالية، لغرض تمويل مسابقات المواد العلمية، وبذلك نحقق الهدفين، باستمرار المسابقات الحالية، لأبنائنا وبناتنا فقط، وإيجاد المسابقات الجديدة المهمة أيضاً، لأبنائنا وبناتنا فقط.

قد يقول قائل إن البعد الدولي مهم، ولكنني أعتقد أننا، تاريخياً، أكثرنا من الحضور الدولي، على حساب الشأن المحلي، وحان الوقت لتصحيح الوضع، أو كما يقول المثل الأجنبي، حان الوقت لتقديم الحصان قبل العربة.

من الطرائف التي قد تكون مضحكة، أو مبكية لنا، ونحن مازلنا نجادل في جدوى تطوير مناهج التعليم، من عدمه، هي أن حكومة سنغافورة، وبالرغم من أنها مازالت تحتفظ بالمركز الأول، ولعدة سنوات، إلا أنها شكّلت مؤخراً لجنة لدراسة سبب تقلص الفارق بينها، وبين كوريا الجنوبية، التي تحتل المركز الثاني!!

* اقتصادي سعودي [email protected]