مدير مكتب «نيويورك تايمز» بالقاهرة: هل هناك مراسل لا يود العمل في الشرق الأوسط؟

مايكل سلاكمان يروي برنامجه اليومي وسبل التعويض عن عدم إتقانه للغة العربية

سلاكمان (الثاني من اليسار) مع مساعدته منى النجار يوم الحكم على أيمن نور («الشرق الأوسط»)
TT

كتاباته مثيرة للإعجاب، ومن يقرأها يكاد يقسم أن من كتبها عربي و«ابن بلد» فعلا، لكنك تفاجأ عندما تبحث عن سيرة الكاتب لتجده أميركيا بحتا، تقول لنفسك: حسنا، ربما يتحدث العربية بطلاقة او عاش لفترة طويلة في العالم العربي، لكنك عندها تفاجأ بأنه لا يتقن لغة الضاد ولم يعش في العالم العربي سوى 5 سنوات. فما «سر» مدير مكتب القاهرة لصحيفة «نيويورك تايمز»، مايكل سلاكمان، إذاً؟ يجيبك الصحافي الأميركي الذي نشر قصة مؤخرا عن «الزبيبة» (العلامة التي تظهر على جباه كثيري السجود)، وعن أزمة الخبز في مصر، وعن دلالات تسميته بـ«عيش» في اللغة العامية هناك، بأن عدم تحدثه بالعربية يعد إعاقة بالتأكيد، ولكنه يضيف «فهم اللغة هو نصف الطريق وحسب، فالجزء الآخر متعلق بفهم الثقافة، لذلك أنا لم أدعِ أبدا أنني أفهم ما يجري حولي، فدائما اسأل أكثر، واحيانا تستغرق المسألة وقتا طويلا».

وسلاكمان لا يعمل فقط من مصر، بل يجوب المنطقة من شمال افريقيا الى إيران، بيد أن «الشرق الأوسط» تحدثت اليه هاتفيا وهو في مطار القاهرة مستعدا للانطلاق الى طهران في مهمة عمل جديدة، وهو بهذه المناسبة يرى ان «العمل في إيران ليس بتلك الصعوبة» ويضيف «إيران بها نظام، واذا اتبعت قوانين هذا النظام فإن الأمور تعمل. مثلا، في معظم الحالات تحتاج إذناً قبل اجراء المقابلة، ويطلبون منك ابلاغهم قبلها بـ 24 ساعة، ويعطونك قطعة ورق، وبعد ذلك اذهب في جولتي واذا ما اوقفتني الشرطة أريهم هذه الوثيقة واتابع عملي من دون مشاكل»، اضافة الى ذلك تحدث سلاكمان عن جدوله اليومي وطريقة اعداده لقصصه، وفيما يلي نص الحوار: > أنت كثير السفر، فكيف ترتب جدولك اليومي؟ ـ معظمه ينسق بحسب الحدث الحاصل، مثلا هناك انتخابات برلمانية في إيران في مارس المقبل فسأذهب إلى هناك، أيضا هناك مسألة تأشيرات الدخول، فلا بد لي أن أرتب الأمور مسبقا كي أحصل على تأشيرة دخول لبلدان مختلفة كإيران مثلا. ولكن عندما لا يكون هناك حدث، فالمسألة تتعلق بأن توجد في أكبر عدد من الأماكن. > حسنا، ماذا عن التداعيات الأمنية، فكونك مراسلا لصحيفة أميركية في كثير من بلدان المنطقة يعد خطرا بحد ذاته، أليس كذلك؟ ـ إلى حد ما كي أتمكن من اداء الوظيفة التي جئت هنا لإتمامها، فعلي أن أثق في الناس، سواء كنت في السعودية أو إيران أو سورية. وبشكل عام، وجدت أن الكراهية الموجودة هي ليست لأميركا أو شعبها وانما لمن يضعون السياسة الخارجية الأميركية. أيضا بشكل عام، الناس منفتحون ومرحبون للغاية... حتى اولئك الذين يصفون انفسهم بالمعادين للولايات المتحدة. من البديهي ان هناك بعض المناطق أكثر خطورة من غيرها، ولكن الـ«نيويورك تايمز» كما غيرها من المؤسسات الإعلامية الغربية تعطي مراسليها دورة تدريبية في «التعامل مع المناخ العدواني»، وهناك أيضا عدة نصائح يمكن العمل بها لتجنب المخاطر، لكن بصراحة أعتقد أن المسألة مرتبطة أكثر بالحظ. > لكنك لا تعمل وحدك، فهناك مراسلون آخرون للـ «نيويورك تايمز»، أليس كذلك؟ ـ أجل، لقد أعادت الـ «نيويورك تايمز» توزيع مراسليها، ففي أيام الحرب الباردة، كان كثير منهم متمركزا في الاتحاد السوفياتي السابق والصين، وكانت أغلبية العمل في الشرق الأوسط تغطى من قبل مراسل واحد مقره القاهرة، وآخر في مكتبنا بالقدس. أما الآن، فمثلا لدينا عمل ضخم في مكتبنا بالعراق، وانا موجود هنا، ولدينا مكتب القدس، اضافة الى مراسلين يتجولون في المنطقة، وآخرين يتخصصون في الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عالميا ويأتون إلى هنا بموجب عملهم. > ومن يحدد أي قصة تغطى خارج مصر؟ ـ لا توجد معادلة محددة لذلك، ان الأمر يرتبط بالحدث كما ذكرت. > وما الذي أتى بك إلى منطقة الشرق الأوسط بداية؟ ـ وهل هناك مراسل لا يريد العمل في الشرق الأوسط؟ انها منطقة مثيرة للاهتمام الى حد كبير، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا. > هل تتحدث العربية؟ ـ لا، للأسف. أستطيع أن «أمشي الحال»، لكن لا أستطيع العمل بالعربية. > حسنا، سبب سؤالي هو أنك تلجأ في كثير من قصصك إلى لقطات محلية لا يفهمها سوى العرب، واللافت احيانا ان عينك تلتقط ما لا تلتقطه عين مراسل محلي؟ ـ في الواقع لقد عشت هنا الآن لمدة تقارب 5 سنوات، بين عملي في الـ «نيويورك تايمز» والـ «لوس انجيليس تايمز» قبلها، اعتقد ان جزءا من الموضوع هو كما ذكرت أن الناس هم في غاية الكرم معي من ناحية الوقت والشرح. لدي بعض الأصدقاء وأعمل مع أشخاص جيدين للغاية يساعدونني في الترجمة وفهم الثقافة. بالتأكيد ان عدم تحدثي بالعربية يعد إعاقة، ولكن فهم اللغة هو نصف الطريق وحسب، فالجزء الآخر متعلق بفهم الثقافة، وعليك أن تدرك ان الطريقة التي نرى فيها الأمور في الولايات المتحدة أو أوروبا لا تنطبق بالضرورة على الأمور التي تجري هنا... وإذا ما بدأت تعامل الأمور بهذه الطريقة، ستتوقف عن رؤية الأمور كما هي وتبدأ بالنظر اليها بشكل مختلف. إضافة لذلك، أنا لم أدعِ أبدا أنني أفهم ما يجري حولي، فدائما اسأل أكثر، واحيانا تستغرق المسألة وقتا طويلا. وانا اعتمد كذلك على اناس رائعين مثل مساعدتي في مكتب القاهرة، منى النجار، فهي ممتازة وذكية وعاشت في القاهرة ودرست في جامعة «جورج تاون»، لذلك فهي تساعدني كثيرا. > لكن ألا تخشى من استغلالك من قبل البعض الذين تسألهم كي يوجهوك في اتجاه معين؟ ـ هذا امر متعلق بأساسيات الأمر الصحافي، ولا يختلف الامر سواء كنت في القاهرة أم نيويورك أم واشنطن أم موسكو، فعليك التعامل مع هذه الأمور في كل مكان وهو امر متعلق بمهارات الصحافي نفسه، وهي نفس المهارات التي تحتاجها في أي مكان تعمل فيه. > حسنا، من مثلك الأعلى في مجال الصحافة؟ ـ اعتقد ان أنتوني شديد من صحيفة «واشنطن بوست» هو من يضع المعايير بالنسبة للصحافة في الشرق الأوسط. > وهل تنوي البدء في كتابة عمود كما كان الحال مع كثير من الصحافيين الذين عملوا في الشرق الأوسط كجيم هوغلاند وتوماس فريدمان؟ ـ لم يعرض علي أحد عمودا بعد، وفي الوقت الحالي أحب ما أفعله ولم أنته بعد مما أريد عمله، ما زال لدي الكثير لأتعلمه، واعتقد انه امتياز بالنسبة لي أن أسافر بالكم الذي أفعله في مناطق مختلفة، ولست جاهزا للتوقف عن ذلك. > كيف هو جدولك اليومي؟ ـ هذا يعتمد ان كنت على الطريق ام في المكتب بالقاهرة، في الحالة الثانية اذهب الى المكتب صباحا، واقرأ كثيرا من الصحف عبر خدمات الترجمة واتابع المواقع والمدونات التي أهتم بها. أما إذا كنت أعمل على مشروع ما، فسيذهب جل الوقت للتحضير له. أما إذا كنت على الطريق كما هو الحال الآن وانت تحدثني قبل ساعات من توجهي الى إيران، فانا امضي غالبية وقتي في التحضير لرحلتي وقراءة أكبر كم ممكن عن إيران، وحين اصل الى هناك أكتب لأقصى حد ممكن في الوقت الذي لدي. > بما انك ذاهب لإيران وكنت قد زرتها سابقا، كيف تصف العمل الصحافي هناك سيما وانها تتسم بأنها ليست بذلك الود مع الصحافيين الأجانب؟ ـ انا أختلف مع هذا الرأي، العمل في إيران ليس بتلك الصعوبة، فهم منفتحون للغاية، وهم شعب مفكر ومدرك لما يحدث داخليا وعالميا. أحيانا يكون الوصول للمسؤولين صعبا، فهناك مرات تطلب اذنا للتحدث الى المسؤول فتراه، واحيانا تطلب اذنا فلا تراه. كما ان الأمر متعلق كذلك بكيف يتم التعامل مع الصحافيين الإيرانيين في الولايات المتحدة، فيعاملونك بالمثل. من جهة ثانية، بشكل غريب إيران بها نظام، واذا اتبعت قوانين هذا النظام فإن الأمور تعمل. مثلا، في معظم الحالات تحتاج إذنا قبل اجراء المقابلة، ويطلبون منك ابلاغهم قبل 24 ساعة مسبقا، ويعطونك قطعة ورق، وبعد ذلك اذهب في جولتي واذا ما اوقفتني الشرطة أريهم تلك الوثيقة واتابع عملي من دون مشاكل. > فإذاً المشكلة هي في الحصول على تأشيرة دخول وحسب؟ ـ التأشيرات قد تشكل تحديا، وهناك تحديات تختلف من دولة لأخرى، في السعودية مثلا التي أحب ان اكتب عنها تواجهني مشكلة ان مترجمتي ومساعدتي هي امرأة، في إيران علي انتظار العملية السياسية لتفرز جدول عملي. > هل واجهتك مشكلة الدخول الى بلد عربي بسبب ختم اسرائيلي على جوازك؟ ـ أنا لا أغطي اسرائيل. > مع من تسافر؟ ـ في أغلب الأحيان مع مصور النيويورك تايمز شون بولدمان، وبحسب الحاجة اسافر مع منى. > كيف تضع ميزانية رحلاتك؟ ـ ميزانيتي هي ميزانية سنوية لمكتب القاهرة، وعلي الالتزام بها لحد نهاية كل عام، لذلك فإذا أردت أن أذهب لإيران واصرف كل الميزانية استطيع فعل ذلك، ولكن المسألة مرتبطة بالتجارب السابقة، وفي الواقع ان إيران هي من الرحلات الأغلى كلفة بسبب السفر والاقامة، ولا توجد لدي بنية تحتية كما هو الحال هنا في مصر بالنسبة لي هناك. > عندما تكتب قصة، مع كم شخص تتحدث وكم تستغرق العملية معك؟ ـ ليس لدي معيار محدد، يعتمد الأمر على القصة التي أعمل عليها... لكنني دائما أقول ان 90% من عملي لا يظهر في القصة في معظم الأحيان، لأنني أعمل أولا على أن أفهم ما يجري قبل أن أستطيع ان أكتب، واحيانا يكون ذلك مزعجا بالنسبة للناس الذين أتحدث معهم، حين تظهر القصة من دون ذكر تصريح لهم، فممكن أن أتحدث مع 100 شخص ولا اقتبس سوى عن 3 في القصة الواحدة. > هل تأتيك انتقادات تجاه عملك؟ لقد قرأت احدى قصصك عن مصر اخيرا، التي بدأتها بنقل نكتة تتداول محلية عن الرئيس حسني مبارك، فهل تصلك شكاوى او ما شابه؟ ـ لم اسمع انتقادات حول هذا الموضوع. > ماذا عن قصص أخرى؟ ـ حسنا، بشكل عام لم اتلق انتقادات بخصوص مواضيعي. في مصر تحديدا، هم محترفون وذو صدر واسع. لكن من جهة ثانية، لم استطع الحصول على مقابلة مع الرئيس أو ابنه طوال سنوات عملي هنا رغم الوعود التي تلقيتها، وهو أمر أود فعله لأني أعتقد انها مقابلة تهم قراء النيويورك تايمز والـ«انترناشونال هيرالد تريبيون»... فهل ذلك بسبب عدم محبتهم لي أم بسبب العلاقات بين أميركا ومصر، لا أدري؟! > من الواضح ان أحدا لم يزعجك، فما شعورك حين ترى ما يحصل للصحافيين المحليين في كثير من دول المنطقة حين يكتبون ما لا يعجب أنظمتهم، هل تعتقد انك «معفي» لأنك أميركي، أو لأنك تكتب لصحيفة أميركية؟ ـ في الواقع لا أدري، فلا أعلم ان كان الأمر متعلقا بكوني أميركيا ام لأنهم لا يهتمون لأني اكتب بصحيفة ناطقة بالانجليزية تصدر خارج البلد المعني. ودعني أقول لك ان مصدر قلقي الأساسي هو انني لا أريد ان اقحم احدهم في مشكلة ما مع بلده. ففي نهاية الأمر أنا أميركي ولدي جوازي واستطيع العودة الى بلادي، اما لو كنت من بلد عربي وعليك التعامل مع الوضع، فحياتك هي المعنية، فأسوأ كابوس للمراسل هو ان ينقل اقتباسا عن شخص ومن ثم يتسبب له بمشاكل.

* سيرة ذاتية

* مايكل سلاكمان

* عين مديرا لمكتب القاهرة بجريدة النيويورك تايمز من اول يوليو 2005، وكأحد كبار مراسلي الصحيفة في منطقة الشرق الأوسط، تتضمن مسؤولياته تغطية الأحداث من شمال إفريقيا وصولا إلى إيران، مرورا ببلدان الخليج. وكان قد عمل مع النيويورك تايمز في المقر الرئيسي عام 2004. من العام 2000 إلى العام 2003 عمل كمدير مكتب القاهرة لصحيفة «لوس آنجيليس تايمز»، وقبل ذلك كان مديرا لمكتب موسكو من عام 1998 إلى العام 2000 مغطيا قضايا الاتحاد السوفياتي السابق، ومتنقلا بين روسيا وجورجيا وبلدان شيوعية سابقة عدة.