سابقة في لبنان.. «فيس بوك» يتسبب بتوقيف 4 جامعيين

جدل حول اعتبار الموقع الإلكتروني الشهير وسيلة إعلامية كغيره.. واعتصامات تطالب بحرية التعبير

شباب في مقهى انترنت ببيروت («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت آثار «فيس بوك» الجانبية تتسرّب الى العلن، عربيا! والامر لا يتعلّق هذه المرة بمنع استخدام هذا الموقع من جانب جامعة او دائرة حكومية أو شركة خاصة. فهذا الموقع الذي انطلق في فبراير (شباط) 2004 للعموم وحمل شعار «وسيلة اجتماعية تصل الفرد بالناس من حوله»، الذي شغل بميزاته ملايين الشباب حول العالم حتى بات الحديث عنه صرعة الموسم، تحوّل في لبنان الى موقع يعرّض من اساء استخدامه الى المساءلة القانونية رغم عدم وجود نصوص قانونية صريحة في هذا المجال.

فمنذ نحو أسبوعين، تضج وسائل الاعلام اللبنانية بخبر اعتقال اربعة طلاب جامعيين لبنانيين لارتكابهم «جرم القدح والذم والتعرض للآداب العامة» في محادثات تمت في ما بينهم داخل احدى غرف الدردشة المخصصة لطلاب الجامعة على هذا الموقع الإلكتروني واستهدفت احدى زميلاتهم. ولم يخرجوا من السجن الا بعد دفع كفالة وتنظيم زملاء لهم عددا من الاعتصامات، المطالبة بضمان حرية الرأي والتعبير في لبنان. اما المجتمع اللبناني فانقسم بين مؤيدين لهذا التوقيف لكي «يتعلموا ان شرف الفتيات ليس تسلية للشبان» ومعارضين لأن «المسألة لا تستحق كل هذه الضجة الاعلامية والدعاوى».

ولكن في اي حال، ما فاقم المشكلة، ان فترة الاعتقال كادت تتسبب بخسارة هؤلاء الشبان عامهم الجامعي لانها تزامنت مع امتحاناتهم الفصلية.

حادث هو الاول من نوعه في لبنان، ولكن هل «يبشر» بعهد جديد من الجرائم الالكترونية خصوصا ان عدد مستخدمي «فيس بوك» فاق 60 مليونا عالميا؟ وهل يمكن التحدث عن جرم في «مجتمع افتراضي» أم ان الجرم هنا يكون «افتراضيا» ايضا ولا يسمح بالتالي للضحية بالمطالبة بأي تعويض؟

عن الجانب القانوني لهذا الموضوع، تحدث الى «الشرق الأوسط» رئيس لجنة المعلوماتية في نقابة المحامين في بيروت الدكتور طوني عيسى، فقال: «إن قضية الشبان الاربعة أعادت طرح موضوع الاعتداءات على الحقوق عبر استخدام الانترنت. وهذا يقودنا الى السؤال عن الطبيعة القانونية لهذه الشبكة وخدماتها. المؤكد انها وسيلة اتصال عمومية وفلسفتها مبنية على ان تكون شبكة حرة ومفتوحة لذلك ينطبق عليها تعريف وسائل الاتصال العمومية الاخرى مثل التلفزيون والراديو والمطبوعات، طبعا مع تمتعها بخصوصيتها. ونظرا الى انتشارها العالمي السريع، لم يتسن للبنان ولكثير من الدول الوقت لوضع تشريعات خاصة تنظم هذه الخدمة، كما حصل في عدد من الدول الغربية. لذلك هناك حاجة ماسة لايجاد تشريع خاص لا ينحصر بجرائم القدح والذم والتعرض للاخلاق العامة، انما يطاول العقود الالكترونية وحماية المستهلكين عبر الانترنت وغيرها من الامور». ولفت الى انه في لبنان عملت اللجنة التي يترأسها على وضع «سلة من التشريعات منذ العام 2003، ولكنها لم تجد سبيلا الى التشريع بسبب الاوضاع العامة في البلاد. وما حصل يجب ان يشكل حافزا للسلطات حتى تعمل على اقرار هذه التشريعات في قانون خاص، يساعد على الحد قدر الامكان من اساءة استخدام الانترنت لئلا تعتبر ارضا مفتوحة غير خاضعة لاي ضوابط. وعلى هذه التشريعات ان تراعي الطبيعة غير المادية والسريعة الزوال للبيانات المتداولة على الانترنت، فضلا عن وضع آليات تنظيمية محددة تتيح امكان تشكيل الدليل وعناصر الاثبات. كذلك يجب اطلاق حملات توعية حول اخطار الانترنت». وأوضح انه امام هذا الحادث، يجب السؤال عن طبيعة الفعل المرتكب. هل هو فعل جرمي كلاسيكي أو جديد؟ وقال: «قانون العقوبات اللبناني وضمن بابه السابع، يتضمن مواد (المادة 531 وما يليها) تعاقب على ارتكاب جرم القدح والذم بمعزل عن الوسيلة المستخدمة. وفي القانون الجزائي، لا عقوبة من دون نص، لذلك من الضروري وضع مادة واضحة وصريحة لتطبيق العقوبة لمن يتعرّض للآخرين عبر الانترنت. ولكن في كل الاحوال ان الفعل المرتكب اي القدح والذم، ليس جديدا. الجديد هو الوسيلة المستخدمة لذلك أمكن القاضي اللجوء الى المادة 209 التي تحدد وسائل النشر».

عن الناحية الاجتماعية ـ النفسية تحدثت الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية الدكتورة غرازييللا كلاب الى «الشرق الأوسط»، فقالت: ان الانترنت قد ألغت الحدود والحواجز. والى جانب نتائجها الايجابية، لا سيما على صعيد الابحاث والدراسات، يمكن السؤال عما اذا كانت بعض المواقع تشكل تعويضا عن خلل أو ضعف وهزل على صعيد العلاقات بين الشباب. هذه العلاقات أضحت هشة نظرا الى عوامل عدة منها، ديكتاتورية المجتمع الاستهلاكي وجبروت المجتمع المرئي بفعل تأثير وسائل الاعلام، وطبعا مسألة التواصل الانترنتي. وهذه ألغت النقاش المباشر الذي يتم وجها لوجه، وجعلته خاليا من اي تعابير انسانية. هذا تترتب عنه نتائج وخيمة، ذلك ان النقاش حين يتم بغياب الآخر من أمامنا بوجهه وجسمه وانفعالاته وتحوّله مجرد صورة جامدة ومؤطرة، يسهّل تحرير الغرائز والمشاعر الدونية. وما حصل مع الشبان الاربعة خير دليل على ذلك، لانهم وعبر ما تلفظوا به يعبرون عن احتقان جنسي. فلو كانت الفتاة امامهم لما تجرأوا على التفوّه بكل ما قالوه، ذلك ان وجودها امامهم كان حتما سيفرض احتراما ويفرمل غرائزهم. فصحيح ان الموقع اسمه «فيس بوك» ولكنه يفتقر الى الوجود الفعلي للوجه. فتحوّل الفرد الى صورة لوجه جامد وخال من اي حضور فعلي يلغي الخطوط الحمر التي كان سيفرضها». ورأت ان «لجوء الكثير من الشباب والمراهقين الى هذه المواقع فقط لانها موضة رائجة، ليس الا تعبيرعن سعيهم للتماهي مع سلوك المجموعة والانصهار معها تفاديا للتهميش وبغية الشعور بالطمأنينة. وفكرة استحداث المجموعات التي يقدمها «فيس بوك» خير تعبير عن هذا الامر. كما ان تمضية اوقات طويلة على هذه المواقع تشكل نوعا من السلوك الادماني. وهذا السلوك التبعي يعبّر بدوره عن فراغ في البنية النفسية. وحين تتغلل هذه المواقع في حياة الشباب تسبب ضررا على كل المستويات الفكرية، الروحية، الاخلاقية، الجسدية. وإذا اطلعنا على مضمون الاحاديث التي تتم بين مستخدمي هذه المواقع نلاحظ كم انها فارغة وسطحية وتفتقر الى التواصل الانساني الفعلي. لذلك يشعر البعض بفقدانهم قدرة الابتكار والتواصل مع الآخر حين يلتقونه وجها لوجه. فكل الرسائل والمعايدات باتت جاهزة لا تحتاج الا الى كبسة زر».

أضافت: «طبعا لا بد من الاشارة الى الجوانب الايجابية للـ «فيس بوك» نظرا الى تغلّبه على الحواجز الجغرافية، ولكن لا يمكن الانكار ان اللجوء الى المجتمعات الافتراضية يعبّر عن هروب من الواقع المرير أو القاسي. فتبدو هذه المجتمعات بآثارها مشابهة للمخدرات التي تنقل متعاطيها من عالم الى آخر». مواقع لمجتمعات افتراضية سرعان ما تُحوّل مستخدميها مدمنين. فهل ينمو نوع جديد من المجتمعات داخل مجتمعنا المطبوع بعنوان الاستهلاكية. وهل تنبئ السنوات المقبلة بجيل جديد «يقطن» مجتمعات غير واقعية؟