رئيس تحرير الـ«نيويوركر»: لا اتابع الإنترنت.. والصحافة الورقية لن تتحول لإلكترونية

تحدث عن إدارته الصحافية.. ومقالات سيمور هيرش الخاصة بالشرق الأوسط

رئيس تحرير النيويوركر خلال ندوته في روما (تصوير: ايفاندرو اينيتي)
TT

رئيس تحرير مجلة «نيويوركر» الاميركية المرموقة وصل الى العاصمة الايطالية مثل نجوم هوليوود وسيلقي محاضرة للجمهور في أكبر مجمع فني في اوروبا «حديقة الموسيقى» عن الصحافة الاميركية في عصر الانترنت. هذا ما ذكرته الدعوة من مجلة «الدولية» الايطالية، في الداخل كان ديفيد ريمنيك رئيس تحرير النيويوركر يعقد مؤتمرا صحافيا قبل بدء محاضرته في أحد مسارح الحديقة الذي ضاق بالمتفرجين الذين دفعوا ثمنا للتذكرة مثلما يدفعون لحضور الحفلات الموسيقية وقد بيعت كافة التذاكر. كان ريمنيك (49 عاما) حريصا على اختيار الكلمات المناسبة للإجابة عن اسئلة الصحافيين وبدا واثقا من نفسه وفخورا بما حققته مجلته من نجاح بعد أن تسلم رئاسة تحريرها قبل تسع سنوات حين كانت تعاني من مشاكل مالية أثناء رئاسة تينا براون لها ولم تسعفها صور الكاريكاتور المحبوبة في المجلة أو المقالات الرصينة عن الأدب والفن والسياسة وما يجري من نشاطات في مدينة نيويورك كل شهر. وريمنيك متخرج في جامعة برنستون العريقة وعمل مراسلا لجريدة «الواشنطن بوست» في موسكو وحاز على جائزة بوليتزر عام 1994.

بدأ ريمنيك حديثه قائلا «أحس وكأنني في مشهد فوق الواقع لأنني اجلس عادة في الطرف الآخر وأوجه الاسئلة لمن فاز بالانتخابات أو اتهم بارتكاب الجرائم لكنني أعترف لكم قبل أن تسألوني بأني لا اتابع الانترنت كثيرا لأن فيها الكثير من القذارات والحقارة، كذلك الروائع والمعلومات المفيدة، لذا اعتقد أنها مصابة بانفصام الشخصية». وأردف قائلا «الصحافة المكتوبة لن تتحول الى صحافة الكترونية في المستقبل القريب لأنها تعتمد على مورد الدعاية والاعلانات وهي ليست بمشكلة سهلة على الانترنت.. هذا الدخل هو الذي يسمح لنا بايفاد المراسلين الى بغداد وروما أو غيرهما لكتابة المواضيع على عين المكان لا اختلاق الاساطير والاوهام من مكتبهم في ادارة الجريدة.. أنا شخصيا افضل قراءة النسخة المطبوعة من «النيويوركر» لأنها مجلة جدية وساخرة بنفس الوقت وبامكانك وضعها في جيبك أما نسخة يوم الأحد من جريدة «النيويورك تايمز» ذات الملاحق المتعددة والمجلة الاسبوعية فتحتاج الى حمال لنقلها».

وأجاب ريمنيك عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول مقالات سيمور هيرش (الكاتب في المجلة الذي اشتهر بكشفه لفضيحة «أبو غريب») بالقول «انه كاتب فذ وقد قارب الخامسة والسبعين من العمر لكنه في وضع ممتاز من ناحية اللياقة البدنية وكان أول من فضح مخازي حرب فيتنام في الستينات وما جرى في سجن أبو غريب بالعراق. لقد قال الرئيس الحالي بوش في مقابلة مع الصحافي بوب وودوارد ان هيرش «كذاب» لكنني اراهن ان معلوماته صادقة وقد دققت الادارة الخاصة في المجلة مع مصادره وتأكدت أنه روى الأمور بأمانة، لذا فانني أراهن عليه واعتقد أنني سأربح الرهان». وأضاف «قراء سيمور هيرش هم من أعلى المستويات، فهو صحافي متمرس يتقن اجراء التحقيقات الصحافية وليس من نوع من نراهم على شاشات التلفزيون يوم الاحد ممن يدعون أنهم محللون سياسيون ضليعون وهم في الحقيقة عبارة عن أكياس من الهواء الفارغ».

إلى ذلك، شرح ريمنيك طريقته في الادارة الصحافية، وهو كان قرر بناء على خبرته السابقة زيادة المساحة الممنوحة للتحقيقات والمقالات المتصلة بالسياسة الخارجية فتجاوب معه القراء بدليل زيادة التوزيع والاشتراكات الجديدة. وأردف «لم تعد المجلة محصورة بمدينة نيويورك وبجزيرة مانهاتن على الخصوص، بل أصبحت مطبوعة قومية واسعة الانتشار وعلى مستوى عالمي». واشار ريمنيك في محاضرته كذلك إلى أنه مهتم بمتابعة نشاطات أحد كبار الهزليين في ايطاليا وهو «بيبه غريللو» (وترجمة اسمه: الشواء) المعروف بأنه «يشوي» السياسيين في بلده (من شدة سخريته منهم) باستمرار، لذا منعوه من تقديم البرامج الساخرة في التلفزيون الايطالي الرسمي فغدا يتابع حملاته الآن من موقعه على الانترنت. وأضاف «ظننت أنني لن أفهم ما يقوله لأنني لا أتقن اللغة الايطالية لكنني اكتشفت أن موقعه يعمل بعدة لغات منها الانجليزية وهذا من محاسن الانترنت». سألت ريمنيك: كيف تبدلت المجلة في العقود الاخيرة؟ فأجاب مازحا «الآن يقرأ موقعنا مئات الالوف أما في الماضي السحيق فكانت الكاتبة دوروثي باركر تقول: جئت الى مقر المجلة لكي اكتب لكنني اضطررت الى الانتظار طويلا لأن أحدهم كان يستعمل القلم الوحيد في المجلة!». وسألته «لو لم تصبح صحافيا فماذا كنت تتمنى أن تكون» أجاب بلمح البرق «أردت أن أكون مغنيا مثل بوب ديلان لكن الأمر لم يتحقق». ما تحقق فعلا أنه قدم محاضرته في مسرح حديقة الموسيقى في نفس اللحظة التي كانوا يغنون فيها آخر اوبرا لفاغنر.

انطلقت مجلة «النيويوركر» لأول مرة عام 1925 وبيعت نسخها بالكامل آنذاك حين نشرت مقالا أصابته الشهرة بعنوان «لماذا يذهب الكهول الى الحانات الليلية؟» كما أن الكاريكاتور الساخر رافق المجلة منذ نشأتها ومن طرائفها المشهورة صورة نادلين يخدمان الزبائن في مطعم فخم بنيويورك وأحدهما يقول للآخر: «هل ترى الزبون الذي يريد التحدث معنا.. انظر الى الطرف الآخر حتى يظن أننا لم نره!» عرفت ايضا بمقالاتها التحليلية العميقة عن حياة المشاهير أمثال ارنست همنغواي ومارلون براندو وكان من أبرز كتاب المجلة ترومان كابوت الذي نشر عام 1965 قصصا عن جرائم متعددة في ولاية كانساس وقد زاد عدد قراء المجلة منذ عام 2001 على مليون قارئ للنسخة المطبوعة والكثير منهم من ولاية كاليفورنيا وبامكان قراء الانترنت الآن رؤية الكاريكاتور المنشور فيها اسبوعيا وقد تحول الى فيلم كارتون قصير لبضع دقائق.