تورط متاحف أميركية في شراء أعمال فنية مسروقة

تباع بعد تزييف تقييمها بـ 400% من قيمتها

العشرات من موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال غارة تفتيشية على أحد المتاحف الأميركية (أ.ب)
TT

تشير الغارات المنسقة على متاحف كاليفورنيا الجنوبية في الساعات المبكرة من الخميس الماضي إلى تورط مؤسسات فنية في شراء الأعمال المسروقة بشكل أكثر مما كشفت عنه الفضائح أخيرا. بل وحتى المتاحف الأكثر شهرة تشعر بالحرج من كشف الأعمال الفنية ضمن مجاميعها.

وتستمر عدة متاحف محلية في التعامل مع قطع فنية يجد المنتقدون أنهم على حق حينما ظلوا يؤكدون على أنها أخذت بشكل غير شرعي من تايلاند وماينمار والصين ومواقع تعود إلى سكان أميركا الشمالية.

وقام عشرات من موظفي الاستخبارات الفيدرالية بغارات تفتيشية على متحف الفن الريفي في لوس أنجليس ومتحف باسادانس باسيفيك آسيا ومتحف باورز في سانتا آنا ومتحف مينغي الدولي في سان دييغو.

وأعطت مذكرات التفتيش القضائية الحق لهؤلاء المفتشين بالبحث في كل مكاتب المتاحف وأروقتها وفي كل ارشيفاتها على الكومبيوترات وكانوا يبحثون عن قطع فنية وسجلات لها علاقة بالأهداف الأولية للتحقيق. كذلك تم تفتيش بمكاني المشتبه في قيامهما بتهريب بعض من القطع الفنية وهما روبرت أولسون وصاحب غاليري لوس أنجليس للفن الآسيوي جوناثان ماركيل.

ولم يتم أي اعتقال لكن الخبراء القانونيين قالوا إن مذكرات التفتيش المفاجئة لجمع الأدلة الأخيرة تسعى إلى توجيه الاتهام ضد ماركيل وأوسلون.

ويأتي هذا الإجراء القانوني بعد عدة سنوات تعرض عالم الفن الى الكثير من المزاعم المقبلة من إيطاليا واليونان بأن متاحف أميركية بارزة تشتري أعمالا فنية مسروقة ثم تهريبها من تلك البلدان وأكثر هذه المتاحف الشهيرة هو متحف بول غيتي.

وكان هذا المتحف قد وافق في السنة الماضية على رد 40 قطعة فنية بعد الوصول إلى اتفاقيات مشابهة مع متاحف في بوسطن ونيويورك. وتجري حاليا محاكمة أمينة متحف غيتي السابقة في روما بسبب اتهامها بشراء اعمل فنية مسروقة لكنها انكرت هذه التهمة.

ويمكن لهذا الملف أن يتسع أكثر. إذ اظهرت المذكرات القضائية أن وكلاء النيابة قد وضعوا الأساس بشكل دقيق لتوجيه تهم لمسؤولين من المتاحف بتهمة التواطؤ في مخطط النهب وهذه ستكون الأولى من نوعها في تاريخ القانون الأميركي حسبما قال بعض الخبراء.

وتستند المذكرات الى تحقيق سري يجري منذ خمس سنوات على يد موظف استخبارات لم يكشف عن اسمه كان يعمل في مؤسسة دائرة الحدائق العامة القومية والذي طرح نفسه على أولسون وماركيل باعتباره جامع أعمال فنية.

وقال أولسون وماركيل لهذا الشخص إنهما يشتريان تحفا فنية تايلاندية من لصوص ومهربين وأحيانا يقومان بتهريبها بنفسيهما حسبما جاء في المذكرات القضائية، ثم يقومون ببيعها إلى زبائن في لوس أنجليس واعترفوا أنهم يديرون برنامجا بارعا لجمع التبرعات، حيث يبيعون لزبائنهم أعمالا فنية مسروقة مع تقييمات مزيفة من قيمتها تزيد عن قيمتها الحقيقية بـ 400 في المائة حسبما جاء في المذكرات ثم يقومان حسب المزاعم بمساعدة زبائنهما بالتبرع بالقطع الفنية إلى المتاحف المحلية التي تعرض أسعارا خالية من الضرائب لكنها عالية جدا.

ويبدو أن الخطة امتدت على العقد الماضي وكانت معنية عموما بتبرعات متكررة للأعمال التي تقل قيمتها عن خمسة آلاف دولار، وهي القيمة التي تطلب فيها هيئة الضرائب توثيقا اضافيا. وفي حالة متحف باورز تشير مذكرات قضائية بوضوح الى ان المسؤولين كانوا على دراية بأن الأعمال سرقت وجرت المبالغة بتقييمها ولكنهم قبلوها على اية حال.

وكان كبير الأمناء في متحف باورز، المتوفي الآن، يقبل تبرعات الأعمال القديمة التايلاندية والأميركية الأصلية من أولسون والتي كان يعرف انها نقلت بصورة غير قانونية وفقا لما تقوله المذكرة. وتصف الوثائق أمين المتحف لفترة طويلة أرماند لابي وهو يبتسم بينما يخبر الوكيل بأنه يمكن أن يقبل التبرعات بسبب «أنه لا يمكن أن يحدد» أية قواعد يفترض ان يتبعها المتحف.

وابلغ المدير الحالي لمتحف باورز بيتر كيلر الوكيل السري بأنه يعرف اولسون وكان قد زار مستودعه. وأبلغت مقيمة، وصفت بانها صديقة لابي، الوكيل انها كانت تقوم بصورة منتظمة بتقييم الأعمال لكيلر ليتبرع بها الى متحفه. ونفى كيلر ان يكون قد اقترف خطأ.

وفي حالة متحف باسفيك آسيا في باسادينا، التقى الوكيل مع اثنين من المسؤولين في المتحف في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2005 وعرض التبرع بقطعة تايلاندية كان قد اشتراها من ماركيل.

وقالت المذكرة ان مارسيا بيج، مساعدة مدير التشكيلات في المتحف، ابلغت الوكيل بأنه اذا ما أخذت بالحسبان موقعها، فانها «كان يتوقع أن تقوم بمعارضة رمزية لقبول الأعمال القديمة بدون وثائق مناسبة». واشارت الى ان ماركيل كان قد تبرع بقطعة تايلاندية وانها لم تعتقد انها غير قانونية. وقالت ان مزيدا من كبار المسؤولين في المتحف يمكن أن يوقعوا على الوثائق الورقية. وبعد اسبوعين ابلغت بيج الوكيل بأن الجزء الأكبر من تبرعه كان قد قبل.

وتقول المذكرة القضائية ان متاحف لاكما ومينغي ويو سي بيركلي تلقت كلها تبرعات مماثلة من ماركيل أو أولسون خلال سنوات عدة، ولكن الوثائق غير واضحة بشأن مدى معرفة مسؤولي المتحف بالسرقة المزعومة أو التملص من الضريبة. ووفقا لما ورد في المذكرات فان ماركيل ابلغ الوكيل في مرحلة معينة بأن لاكما كان «مفرط التمسك بشكليات» تدقيق خلفيات القطع الفنية. ولكن التاجر اشار أيضا الى ان المتحف كان قد تابع اعمالا يعرف انها نهبت في السابق.

ووفقا للمذكرة قال ماركيل عن عمل فني اراده متحف لاكما وقد أخذ من تايلاند بعد اقرار قانون هناك يحظر تصدير مثل هذه الأشياء «كانوا يعرفون. وان لاكما كانت قد وجدت مخرجا» ولكنه لم يكن واضحا بشأن ذلك المخرج. وترسم المذكرات القضائية التي اشتملت على 150 صفحة صورة احتيال وسرقة.

ويمكن أن تشمل الاتهامات التالية تلقي ملكية مسروقة وممارسة انتهاكات واحتيال ضريبي. وتظهر المذكرات على وجه الخصوص ان السلطات تعد قضية تشير الى أن الأعمال المسروقة يجب ان تعتبر ملكية مسروقة بموجب القانون الأميركي. وادعت تايلاند ملكية الدولة لكل الأعمال الفنية منذ عام 1961، وان القانون الأميركي يمكن أن يعترف بذلك الادعاء اذا ما جرت تلبية شروط معينة، وفقا لما قالته مارسيا ايساكسون، المدعية الفيدرالية السابقة في نيويورك التي فازت بقضية رئيسية في هذا المجال قبل سنوات عدة.

ويستهدف التحقيق الأعمال الفنية التي يزعم انها سرقت من تايلاند والصين وميانمار ومواقع اركيولوجية أميركية انتهت الى متاحف عبر منطقة الجنوب. والاعمال المتنازع عليه اقل قيمة بكثير من تلك التي اعادها متحف غيتي ولكنها اكثر عددا بكثير، وسلوكيات عدد من المسؤولين في المتحف التي كشفت عنها تسجيلات طويلة لاجتماعات، تبدو مثيرة للقلق.

والكثير من هذه الاعمال تعود الى بان تشيانغ حكم شمال شرقي تايلاند في الفترة ما بين عامي 1000 قبل الميلاد و200 بعد الميلاد. وذكرت المذكرة القضائية ان الموقع الاصلى الذي تم فيه اكتشاف حضارة بان تشيانغ يعتبر من مواقع التراث العالمي عام 1992 وهو اهم مستوطنة قبل التاريخ جرى اكتشافها في جنوب آسيا.

وقالت المذكرة انه من المحتمل ان الاعمال المنتمية لبان تشيانغ قد سرقت لانه تم اكتشافها عام 1967 أي قبل 6 سنوات من حظر تايلاند تصدير الاثار.

تجدر الاشارة الى ان الحكومة التايلاندية لم تصرح على الاطلاق بتصدير الاثار المتنازع عليها. والاكثر من ذلك، فإن استيراد مثل هذه الاعمال للولايات المتحدة بعد عام 1979 كان انتهاكا لقانون الممتلكات المسروقة الاميركي وقانون حماية الموارد الاثرية، كما اوضحت المذكرة.

ومن بين الاعمال التي اشارت اليها المذكرة تلك القادمة من بورما (المعروفة باسم ماينمار)، التي حظرت الولايات المتحدة الاستيراد منها منذ عام 2003، والصين، التي لديها قوانين تصدير متشددة. وتوجد ايضا بعض القطع التي يزعم انها مسروقة من مواقع للاميركيين الاصليين في الولايات المتحدة.

وقد بدأ التحقيق في عام 2003، تمكن عنصر سري في دائرة الحدائق العامة القومية من التنكر كبائع وبدأ في شراء قطع فنية مسروقة من اولسون، طبقا للمذكرة. وقالت المذكرة ان اولسون متخصص في فنون الاميركيين الاصليين والاثار التايلاندية.

وقال اولسون للعميل انه يستورد تلك القطع الخاصة ببان تشيانغ منذ الثمانينات من القرن الماضي. وانه لم يحصل ابدا على تصريح من الحكومة التايلاندية. وانه حصل على القطع خلال استكشافها ، كما انه يعرف ان شحنها خارج البلاد عملية غير قانونية، طبقا لما ذكرته المذكرة.

كما قال اوسلون ايضا ان لديه اكبر مجموعة من الاعمال الخاصة بسكان اميركا الاصليين في أي مكان في العالم، واعترف انه بحث عن اثار عامة في نيومكسيكو بدون الحصول على تصريح من السلطات.

وفي سبتمبر (ايلول) 2003 اكتشفت عناصر فيدرالية شحنة قادمة من تايلاند في طريقها الى اولسون وماركيل والى معرض سيلك روودز الذي تملكه زوجته والمتخصص في بيع الفنون الاسيوية والبوذية على وجه الخصوص. ويعرض موقعهم على الانترنت صورة لهم مع الدلاي لاما.

* شارك اري بلومكاتز وبالوما اسكوفيل وروبرت لوبيز ودافيد ريس وريتشار ماروسي في هذا التقرير.

خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الاوسط»