جان مورو تحتفل بمرور 60 عاما لها في المهنة

تنيسي وليامز أحب طبخها.. وأورسون ويلز اعتبرها أفضل ممثلة في العالم

TT

كيف يمكن لصوت يوصف بأنه نحاسيّ ومتصدع أن يجلب الشهرة لصاحبته في ميداني الغناء والتمثيل وأن يديم حضورها تحت الأضواء؟ يكفي أن تنطق جان مورو حتى تلتقط آذان المستمعين الفرنسيين صوتها المميز وتستعيد تاريخا من الفن الجميل الذي يتوارى أصحابه واحدا بعد الآخر.

عملت جان مورو مع جيل الكبار من مخرجي السينما الأوروبية، من أمثال فرانسوا تروفو وأنطونيوني وبونويل ولوزي وفاسبندر. وكان أورسون ويلز يعتبرها أفضل ممثلة في العالم، وإنغمار برغمان يتراسل معها، أما تنيسي وليامز فكان يحب أن تطبخ له بيديها المرهفتين. لكن الوحيد الذي ترك في قلبها وخزة مؤلمة فهو المصمم بيير كاردان الذي أغرمت به وأرادت أن تنجب طفلا منه ولم تتحقق أمنيتها.

اليوم، يحتفل الوسط الفني الفرنسي بـ«المدموازيل» جان مورو. وهو لقب لم يمنح قبلها إلا لمصممة الأزياء الرائدة كوكو شانيل. وللاحتفال مناسبتان، الأُولى بلوغها الثمانين، الاسبوع الماضي، والثانية مرور ستين عاماً على وقوفها على خشبة المسرح. وهي ليست بالممثلة العابرة أو المتواضعة، بل يمكن القول إنها فنانة مثقفة، تشغل مقعداً في الأكاديمية الفرنسية للفنون الجميلة، وتحمل وسام الشرف من مرتبة رفيعة، وتترأس المهرجانات ولجان التحكيم السينمائي، ولا تتوانى عن وضع شهرتها في خدمة القضايا الكبرى.

يعود الفضل في انطلاقها للعالمية الى اتقانها اللغة الانجليزية التي ورثتها من والدتها البريطانية الأصل. ولأن الأم كانت راقصة وجربت متاعب المهنة، فقد رفضت أن تصبح البنت ممثلة، لكن جان انتسبت الى دروس التمثيل على يد دوني دنييس، عميد فرقة «الكوميدي فرانسيز» في أربعينيات القرن الماضي، وكان أول دور حقيقي لها على المسرح، عام 1950، في «كهوف الفاتيكان»، المسرحية التي كتبها أندريه جيد.

وبفضل ذلك الدور نشرت مجلة «باري ماتش» صورتها على الغلاف. وفي عام 1956 قامت ببطولة «قطة على سطح من الصفيح الساخن» للكاتب تنيسي وليامز وإخراج لوي مال. ولما لعبت دورا صغيرا في «عطيل»، لفتت انتباه أورسون ويلز الذي كان مهتماً بذلك النص ويستعد له.

تقول جان مورو إنها لا تشاهد أفلامها القديمة. والحقيقة أن من أدوات التعذيب لامرأة مثلها أن تعود الى تلك الأدوار التي كانت فيها ساحرة تخلب الألباب قبل أن تغدر بها علامات الزمن. ومازال الجمهور يذكر دورها في فيلم «فيفا ماريا» الذي أخرجه لوي مال عام 1965 وقاسمتها البطولة فيه بريجيت باردو، فقد كان ذلك الفيلم مباراة في استعراض العضلات الجمالية بين الممثلتين وهما في أوج شبابهما. وفي العام نفسه قامت بدور في فيلم «الرولزرويس الصفراء» أمام عمر الشريف وألان ديلون.

تعتبر مورو بمثابة عميدة لمن بقيت تعاند الزمن من ممثلات فرنسا. لقد اعتزلت ميشيل مورغان وتفرغت بريجيت باردو لحيواناتها وأصاب الخرف آني جيراردو ولم تعد كاترين دينوف حاضرة بوهجها الأشقر السابق.

أما المدموازيل التي سبق لها الزواج مرتين والعشق مرات لا تحصى فإنها تمارس سطوتها الطبيعية على الأجيال التالية من نجمات المسرح والشاشة الكبيرة. ولعل من أدوات هذه السطوة صوتها المتصدع الآمر وتلك الشخصية القوية التي تجعلها تواجه الجمهور بتجاعيدها الكثيرة وتدير ظهرها لعمليات الشد والشفط والحقن التي تلجأ اليها الاخريات.

في مقابلة حديثة لها، تتساءل جان مورو: «لماذا لا تملك الممثلات الحق في الشيخوخة؟»، وتضيف أن الخوف من التجاعيد هو الذي يسرّع بظهورها ويفسد الوجه أكثر من الزمن. لذلك فإنها لا تهتم لما يقال عن شكلها، خصوصاً وأنها أصيبت بسرطان الرحم وهي في الثلاثين من العمر وشفيت منه. وكل سنة إضافية تعيشها هي، بالنسبة إليها، هدية من السماء. بمناسبة تكريمها، عرضت القناة الفرنسية ـ الألمانية «آرتي» فيلما وثائقيا عنها، وبرمجت سلسلة من أفلامها التي أخرجها لوي مال. كما تستعد «السينماتيك» الفرنسية للاحتفال بالذكرى الستين لدخولها المهنة، على أمل أن يبقى صوتها المميز النحاسي يطرق آذان جمهورها العريض.