خلافات داخل البنتاغون حول مستقبل القوات الأميركية في العراق

البعض يؤيد سحب ألوية عسكرية.. وآخرون يخشون على المكاسب الأمنية

عراقية تدفع عربة محملة بمساعدات انسانية قدمتها منظمة الصليب الاحمر للعوائل الفقيرة ببغداد أمس (رويترز)
TT

قال رئيس هيئة قيادة الأركان الأميركية، أول من أمس، إنه لم يتخَذ قرار بعد فيما يخص إيقاف سحب القوات الأميركية من العراق في هذا الصيف، وهو نوع من التوبيخ الخفي لقائد عسكري رفيع سبق أن اشار إلى أن الانسحاب سيتوقف حالما تنتهي عملية تقليص القوات الأميركية في العراق في يوليو (تموز) المقبل.

وتعكس التعليقات ما هو قائم من اختلافات في وجهات النظر داخل البنتاغون بما يخص الالتزام العسكري تجاه العراق على المدى البعيد. وأصبحت الاختلافات واضحة قبل ظهور توصيات جديدة ستقدم إلى البيت الأبيض مع ما يقوم به الكونغرس حاليا من تخطيط كي تتم إعادة التقييم كما اتفق عليه في الشهر المقبل.

ويشعر عدد كبير من القادة العسكريين بمن فيهم قادة هيئة قيادة الأركان بحماسة قوية كي يبدأ الانسحاب للتخفيف من آثار التوتر التي ترتبت جراء القيام بعمليات متكررة لإعادة نشر القوات، بينما يشعر عدد كبير من القادة العسكريين في العراق بالقلق إزاء تقليص عدد الوحدات الأميركية؛ فهم يرون أن ذلك قادر على تهديد المكاسب الأمنية التي تحققت في الفترة الأخيرة.

ففي مقابلة جرت مع الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في العراق، قال إنه بعد إعادة الوحدات، التي تم إرسالها قبل سنة إلى العراق، خلال الصيف المقبل فإنه ستكون هناك حاجة «لبعض الوقت لجعل الأمور تستقر قليلا» قبل اتخاذ قرار إجراء تخفيضات إضافية في عدد الجنود داخل العراق.

لكن ادميرال البحر مايكل مولن رئيس هيئة قيادة الأركان، شدد يوم الجمعة الماضية على أن بترايوس لم يقدم توصيات رسمية لإيقاف الانسحاب. وقال مولن أيضا إن القادة العسكريين بمن فيهم قادة هيئة قيادة الأركان سيكون لهم رأي مباشر في القرار. وأضاف مولن «نحن لا نعمل في اتجاهين متعارضين، بل هناك تعاون قائم بيننا. لكننا نعمل حاليا ضمن منظورين مختلفين، وهذا ما يجب أن يكون الحال عليه».

في الوقت نفسه اعترف مسؤولون كبار في البيت الأبيض بوجود توتر ما بين هيئة رئاسة الأركان والجنرالات العاملين في العراق، خصوصا ما بين قائد القوة البرية الجنرال جورج كيسي وضباط مثل الجنرالين بترايوس وريموند أوديرنو قائد العمليات الميدانية اليومية. وقال مسؤول رفيع في إدارة بوش وأحد المعنيين بوضع السياسة الخاصة بالعراق: «لديك مجموعتان مختلفتان من الشخصيات. بترايوس وأوديرنو سيمثلان ما يحتاجان إليه على الأرض من أجل التمكن من أداء مهمتهما. ثم لديك أشخاص مثل الجنرال كيسي الذي يقول: طيب، لكن القوات هناك تعاني من إجهاد شديد». وحسب ما قاله مسؤولون على علم بالمناقشات، فإن كيسي حث صانعي القرارات في البنتاغون كي يعودوا بسرعة إلى مبدأ نشر أي وحدة خارج الحدود لفترة 12 شهرا بالنسبة للقوة البرية، بينما بلغت فترة وجود الألوية القتالية حاليا إلى 15 شهرا. إضافة إلى ذلك قال الجنرال جيمس كونواي قائد فيلق المارينز، إن جنوده لن يستطيعوا الاستمرار في البقاء داخل العراق إلى ما وراء فترة أكتوبر (تشرين الاول) بينما هم ينفذون التزاما جديدا في أفغانستان. وأضاف: «نحن قلنا لوزير الدفاع إننا نأخذ نشرا جديدا واحدا للمارينز بإرسال 3200 جندي منهم إلى أفغانستان، وهذا سيبدأ في الربيع المقبل. والنقطة التي طرحناها في المناقشات هي أننا لا نستطيع الاستمرار في هذه المهمة من دون تحقق تخفيف علينا في مكان آخر».

من جهته، عبر وزير الدفاع روبرت غيتس عن أمله بأن تسمح الظروف في العراق باستمرار التخفيض في عدد القوات الأميركية قبل انتهاء فترة إدارة بوش لإنقاص القوات إلى 10 ألوية أي حوالي 100 ألف جندي، قبل انتهاء هذه السنة. لكن بعضا من الجنرالات العاملين في العراق قالوا علنا إن أي انسحاب يجري بعد يوليو (تموز) المقبل سيعرض المكاسب الأمنية التي تحققت إلى الخطر. وضمن هذا السياق، قال الجنرال جوزيف اندرسون رئيس أركان القوات الأميركية في العراق يوم الجمعة الماضي إن 15 لواء «تسمح لنا بالتأكيد للحفاظ» على الوضع الأمني الحالي خلال الاشهر المتبقية من هذه السنة. كذلك اعترف أن التحسن المتحقق في قوات الأمن العراق قد يسمح بإجراء تقليص أسرع في عدد القوات الأميركية.

كذلك عبر قادة آخرون في العراق عن شكوكهم تجاه قدرة القوات العراقية والجماعات المتطوعة من ملء الفراغ. وعلى ضوء ذلك قال الجنرال جفري هاموند قائد القوات الأميركية في منطقة بغداد، إنه يأمل بوضع قوات أميركية وعراقية أكثر في المنطقة من خلال فتح 19 مركزا عسكريا إضافيا وبذلك يصبح العدد 94. وأضاف هاموند «نحن لن نقع بنفس أخطاء الماضي وهذا سيحول بسرعة أي بقعة في بغداد إلى أرض خاسرة».

وتصاعد هذا التوتر بين القادة العسكريين في العراق مع أعضاء هيئة قيادة الأركان حتى قبل تقديم بترايوس لتقريره في سبتمبر(أيلول) الماضي. وجاء ذلك من خلال ما طرحه جنرال المارينز بيتر بيس العضو في هيئة قيادة الأركان حينما عبر عن مخاوفها، لكنه تعرض إلى نقد أشد في الجلسات الخاصة بسبب عدم طرح هذه المخاوف بقوة آنذاك. وردد مولن يوم الجمعة الماضي أنه سيقدم للرئيس بوش تقييمه لمخاطر الأمن العالمية، لكنه قال إن الإجهاد الذي تعاني منه القوة البرية وفيلق المارينز سيكون عاملا أساسيا في توصياته.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)