خبراء: جدل سياسي يلوح بالأفق بين «أوبك» والدول المستهلكة للنفط

النعيمي: مخزونات النفط هي التي ستحدد قرار المنظمة في مارس

منشآت نفطية في اميركا حيث ستلعب المخزونات النفطية دورا مهما بقرار اوبك المستقبلي («الشرق الاوسط»)
TT

العديد من المراقبين يعتقد ان التباطؤ الاقتصادي في الدول الغربية سيعزز معه الاتجاهات الحمائية، ويبدو ان الجدل السياسي بين الدول المستهلكة للنفط واوبك سيتصاعد في الاسابيع المقبل، خصوصا في حال بقيت أسعار النفط مرتفعة.

وقال الرئيس الاميركي جورج بوش أول من أمس ان هناك مؤشرات خطيرة على ضعف اقتصاد أكبر بلد مستهلك للنفط في العالم. لكنه أضاف أن تدابير حكومية قد تساعد على تحفيز النمو.

وجاءت تصريحات بوش بعد صدور تقرير لوزارة العمل يظهر استغناء أرباب العمل الاميركيين عن 17 ألف وظيفة في يناير (كانون الثاني) وهو أول تراجع في أربعة أعوام ونصف العام، الامر الذي أذكى مخاوف الركود.

وقال وزير البترول السعودي علي النعيمي لقناة (العربية) إن القرار الذي سوف تتخذه منظمة البلدان المصدرة للبترول اوبك بشأن سياستها الانتاجية سيتوقف على مقدار الانخفاض الذي طرأ على المخزونات النفطية في فصل الشتاء.

وقال النعيمي إن التنبؤات بالقرارات الخاصة بالانتاج التي سيتمخض عنها اجتماع منظمة اوبك في مارس (آذار) سابقة لأوانها، لكن المخزونات في الوقت الحالي عند الطرف الادنى لمتوسطها نطاقها في خمسة اعوام.

وقال النعيمي للقناة التلفزيونية على هامش الاجتماع الاخير لاوبك في فيينا، انه يعتقد انه بحلول الربع الثاني للعام ستكون المخزونات قريبا من منتصف نطاقها في خمس سنوات. وأذيعت تصريحات النعيمي أمس السبت.

وقال النعيمي إن الربع الثاني يجري فيه عادة اعادة تكوين المخزونات التي سحبت خلال الشتاء وان مستوى المخزونات النفطية الذي ستسمح منظمة اوبك بتكوينه في فصل الربيع سيعتمد على مقدار استهلاك الوقود في الشتاء.

وقال النعيمي إن اوبك تتعرض دوما لضغوط، لكن جزءا كبيرا منها هي ضغوط سياسية لا تقوم على حقائق اقتصادية.

وأضاف النعيمي قوله ان اسعار النفط العالمية ليست تحت سيطرة اوبك وحدها، مستشهدا بالمضاربات وعوامل الجغرافيا السياسية وكذلك الاحوال البيئية بوصفها عوامل مهمة تؤثر في الأسعار. وأكد الوزير السعودي أن أوبك تتخذ قراراتها على أساس العوامل الاساسية للعرض والطلب.

وقال نوذري في مؤتمر صحافي «اقتراحنا للاجتماع المقبل هو ان.. تخفض اوبك طاقتها الانتاجية». وأضاف ان منظمة اوبك فعلت هذا من قبل في نهاية فصل الشتاء في نصف الكرة الارضية الشمالي.

يأتي ذلك في وقت تراجع النفط ثلاثة في المائة مع ختام تعاملات الاسبوع وسط مؤشرات جديدة على ضعف نمو الاقتصاد الاميركي مما طغى على قرار منظمة أوبك ابقاء الانتاج دون تغيير.

وفقد الخام الاميركي 2.79 دولار ليتحدد سعر التسوية عند 88.96 دولار للبرميل متراجعا 3.04 في المائة. وهبط مزيج برنت في لندن 2.77 دولار الى 89.44 دولار.

ويخشى محللو أسواق الطاقة من أن تباطؤا اقتصاديا أو ركودا قد ينال من الطلب على النفط بعد سنوات من الاستهلاك القوي الذي ساعد على ارتفاع أسعار الخام الى مستويات قياسية فوق 100 دولار للبرميل الشهر الماضي.

وقال مايك فيتزباترك من ام.اف جلوبال «سيكون من الصعب على نحو استثنائي تبديد أفكار أن الاقتصاد يتجه نحو الركود... يبدو أن تباطؤا اقتصاديا عاما يحدث في الوقت نفسه الذي بدأت فيه اعادة البناء الموسمية لمخزونات النفط الخام».

وطغت المخاوف الاقتصادية على أي قلق بشأن استمرار قيود انتاج أوبك. ورفض وزراء أوبك خلال اجتماعهم في فيينا للمرة الثانية مناشدات الدول المستهلكة لضخ مزيد من النفط ودعا عضوان بالمنظمة هما ايران وفنزويلا الى خفض الانتاج عندما تعقد أوبك اجتماعها التالي في مارس (اذار).

وقال محللون ان أوبك تبدو حريصة على عدم تكرار تجربتها عام 1997 عندما رفعت الامدادات عشية تباطؤ اقتصادي وانهارت الاسعار الى عشرة دولارات للبرميل.

وقال مايك ويتنر محلل النفط لدى سوسيتيه جنرال «اتوقع بكل تأكيد أن يبحثوا خفض الانتاج في مارس. السؤال الوحيد بالنسبة لي هو هل يكون خفضا رسميا أم... يكتفون بخفض غير رسمي..

«الكثير يتوقف على السعر ذاته. اذا تراجعت الاسعار عشرة دولارات أخرى سيكون من الاسهل لهم أن يخفضوا رسميا».

وقال لرويترز سايمون واردل المحلل لدى جلوبال انسايت ان أوبك قد تقرر الشهر القادم خفض الانتاج بما يصل الى 750 ألف برميل يوميا من أول ابريل (نيسان).

وحد من خسائر النفط في الاونة الاخيرة سعي مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) الى تجنب ركود اقتصادي عبر سلسلة من تخفيضات الفائدة. وخفض البنك أسعار الفائدة 125 نقطة أساس على مرتين في الايام التسعة الاخيرة.

وقالت أوبك في بيان اول من أمس «بالنظر الى الوضع الحالي والتباطؤ الاقتصادي المتوقع، توافق المؤتمرون على ان مستوى الانتاج الحالي يكفي لتلبية الطلب المتوقع خلال الفصل الاول من العام».

لكن الوزراء الذين عقدوا مؤتمرهم في فيينا «لاحظوا ان الشكوك المرتبطة بالتباطؤ المتوقع للاقتصاد العالمي، تستدعي الانتباه الى تأثير هذا الامر على السوق حتى موعد الاجتماع المقبل في الخامس من مارس».

واعرب رئيس اوبك وزير النفط الجزائري شكيب خليل عن «قلقه حيال الاقتصاد والازمة في الولايات المتحدة ووطأتهما على الاقتصاد الدولي». واضاف ان ذلك «قد يؤثر في طلب النفط على المديين المتوسط والبعيد». وتابع «على مستوى الامدادات، فان الازمة الاقتصادية والانكماش المحتمل سيفضيان الى تراجع الطلب مستقبلا».

وبالنسبة الى الاحتياطات النفطية الحالية، اوضح «اننا حاليا في المعدل الوسطي للاعوام الخمسة الاخيرة»، لافتا الى ان هذا الاحتياط «سيزيد في الاشهر المقبلة».

وجاء قرار اوبك مع تصاعد المخاوف من دخول الاقتصاد الامريكي في حالة ركود بعد أن أشارت مجموعة من البيانات الاقتصادية الى تدهور الوضع الاقتصادي. وقال روبين باتشلور من بلاك روك ميريل لينش «اوبك لا ترى ان دورها هو حماية النمو الاقتصادي بل توفير امدادات مستقرة من النفط بأسعار عادلة».

واثار اجتماع أوبك تدخل الادارة الاميركية حيث قال البيت الابيض أول من أمس ان استقرار المعروض النفطي هو شيء جيد للنمو العالمي وذلك في أعقاب قرار أوبك ابقاء الامدادات دون تغيير.

وقال توني فراتو المتحدث باسم البيت الابيض لصحافيين يرافقون الرئيس الاميركي جورج بوش «الكل يدرك تماما أن الحصول على معروض نفطي يمكن الاعتماد عليه ومستقر وقابل للتوقع هو في مصلحة الاقتصاد العالمي». وقال فراتو «اعتقد أنهم يصغون الينا وأعتقد أنهم يصغون الى السوق أيضا».

ومن المنتظر مع تباطؤ النمو أن ترقب أسواق النفط عن كثب لمعرفة الى أي مدى ستذهب أوبك في تقييد المعروض لتعزيز الاسعار. ويرى كثيرون في المنظمة التي تضم 13 عضوا إن النفط لا دور له في تحول سلبي تقوده أزمة سوق الاسكان الاميركية وما ترتب عليها من أزمة ائتمان.

لكن واشنطن لا ترى الامر على هذا النحو. وقال فراتو «هذا ليس في صالح البلدان المنتجة للنفط. يحدونا الامل أن يتفهموا أن لقراراتهم بشأن انتاج النفط تأثيرا حقيقيا على الاقتصاد وعلى استهلاك هذه السلعة».

وأضاف «ان المهم لهم أن يفهموا أن كل قراراتهم لها تأثير على الاقتصاد وتنعكس على الاسعار. وعندما ترى هذا الانعكاس على الاسعار فان الاسواق تستجيب وهي لا تستجيب دوما بطريقة تدعم الاسعار على هذا النحو».

وانضمت اول من أمس للجدل السياسي الحاصل وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقرا لها. فقد اتهمت الوكالة الطاقة الدولية التي تمثل المصالح المتعلقة بالطاقة للدول المستهلكة، بشكل ضمني أول من أمس الجمعة، منظمة الدول المصدرة للنفط بالتسبب بمزيد من الضغط على الاقتصاد العالمي، برفضها زيادة الانتاج من اجل خفض اسعار النفط. واعتبرت الوكالة في بيان ان المستوى الحالي لانتاج دول المنظمة (اوبك) الذي يبلغ حوالى 29.76 مليون برميل يوميا، لن يكون كافيا للطلب عليه خلال فصل الصيف.

وقال البيان ردا على قرار المنظمة التي اجتمعت الجمعة الابقاء على انتاجها الحالي والبحث مجددا فيه خلال اجتماعها في مارس (آذار)، «في وقت قررت اوبك عدم تغيير مستوى انتاجها، فان الامدادات بالنفط تشهد توترا».

وتابعت الوكالة ان تأثير التباطؤ الاقتصادي الحالي على الطلب على النفط ليس واضحا بعد وليس اكيدا ان العرض الحالي لاوبك «حتى نهاية الفصل الثاني من السنة، سيكون كافيا لاعادة تكوين المخزون» النفطي ليعود الى المستوى الذي كان عليه السنة الماضية.

واضافت «من المهم ان يعاد تكوين المخزون بشكل كاف لتأمين تموين كاف لاشهر الصيف وللشتاء». وعبرت الوكالة عن «قلقها إزاء النمو العالمي» الذي يفترض الحفاظ عليه «لما فيه مصلحة المستهلكين كما المنتجين». وجاء في البيان ان «الاقتصاد لا يحتاج الى ضغوط اضافية على القدرة الشرائية للمستهلكين، وبالتالي على النمو، عن طريق اسعار نفطية قياسية».