السماوات المزدحمة وندرة العمالة تهددان نمو شركات الطيران الخليجية

في ظل خطط توسع ضخمة وشراء مئات الطائرات بعشرات المليارات

TT

بعد الطلبيات الجديدة التي اعلنت عنها عدة شركات جوية خليجية في معرض لوبورجيه الفرنسي في شهر يونيو (حزيران) الماضي، ارتفع حجم اسطول هذه الناقلات الى 555 طائرة. إلا أن هذا العدد تضاعف حرفياً بعد الصفقات «التاريخية» التي اعلن عنها في المنطقة اخيرا.

ويتوقع ان يصل هذا العام اسطول الخطوط الجوية السعودية الاكبر في المنطقة الى 136 طائرة، يتبعه، اسطول طيران الامارات الذي سيبلغ 113 طائرة في عام 2008، بينما ستمتلك الخطوط الجوية القطرية 60 طائرة.

الا انه مع هذه الخطط الطموحة بدأت شركات الطيران في الشرق الاوسط تكتشف ان توفر الاموال لا يمكن شراء حلول سريعة للمشاكل التي تهدد نموها السريع: السماوات المزدحمة وندرة العمالة.

وفي هذا المجال توقعت أكاديمية أفق للطيران، إحدى كليات التدريب الجوي الرائدة في الإمارات ومقرها العين، أن تحتاج شركات الطيران التجاري الشرق أوسطية إلى أكثر من 8 آلاف طيار على مدى السنوات العشرين المقبلة لمواكبة خطط توسعها وتطوير عملياتها، مما سيساهم في ايجاد المزيد من فرص العمل أمام الكوادر المواطنة.

وتؤسس دول الشرق الاوسط مع ارتفاع اسعار النفط وازدهار الاقتصاد شركات طيران عالمية بسرعة كبيرة، عبر شراء اعداد ضخمة من الطائرات وخطط توسع ضخمة. ولكن مع تزايد عدد الرحلات الجوية وندرة العثور علي موظفين اكفاء، بدأ عدد من التنفيذيين في التحذير من ان خطط النمو الطموحة ربما تتباطأ.

وبدأت طيران الامارات تشعر بان الطاقة الجوية في منطقة الخليج هي تحد حقيقي وربما تصبح عائقا امام النمو. وكانت طيران الامارات قد طلبت شراء 195 طائرة جديدة وتخطط لزيادة اسطولها ثلاث مرات من عددها الحالي الذي يصل الى 113 بحلول عام 2015.

وتجدر الاشارة الى ان عدد الرحلات الجوية في دبي وباقي امارات دولة الامارات الست الاخرى قد زاد بنسبة 60 في المائة بين عامي 2001 و2007، طبقا لمؤسسة «سركو غروب» وهي شركات خدمات في قطاع الطيران تدير حركة الطيران في الامارة طبقا لعقد. وقد ارتفعت الحركة الجوية بنسبة 37 في المائة خلال نفس الفترة، طبقا لمنظمة الطيران المدني الدولية التابعة للامم المتحدة.

وكان الاتحاد الدولي للنقل الجوي «اياتا» توقع أخيرا ان شركات الطيران في الشرق الأوسط قد تحقق أرباحا مجمعة تبلغ 300 مليون دولار في العام الحالي بزيادة50 في المائة عن أرباح العام الماضي بفضل نمو الطلب على السفر وإضافة مسارات جديدة.

وقال الاتحاد الذي يضم في عضويته 240 شركة طيران إن «الطلب مستمر في النمو بوتيرة قوية في المنطقة إذ أن النمو الاقتصادي المرتفع يعزز حركة نقل الركاب والبضائع». وأضاف دون ذكر الأسباب إن الأرباح المجمعة للعام الحالي قد لا تزيد على أرباح العام الماضي التي بلغت 200 مليون دولار.

ومع استعداد شركات الطيران المملوكة للدولة مثل الخطوط السعودية والامارات والاتحاد والقطرية لتنفيذ خطط توسع ضخمة، يتوقع ان تشهد المنطقة ازدحاما كبيرا. وتقدر جمعية النقل الجوي الدولية، انه بحلول عام 2011 فإن عدد المسافرين جوا في الشرق الاوسط سيزيد بنسبة 30 في المائة ليصل الى 105 ملايين شخص.

وقال مجدي صبري نائب رئيس منظمة اياتا لشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا لزاوية دو جونز ان البنية الاساسية الحالية واجراءات الحركة الجوية «ليست قادرة على مواجهة تلك الزيادة».

ويعقد المشكلة كثافة الحركة الجوية حول الخليج. ففي مسافة 500 كيلومتر توجد لدى كل من البحرين وقطر ودولة الامارات العربية 6 مطارات اساسية مفتوحة او قاربت على الانتهاء. وبالرغم من ان عدم الاستقرار السياسي في المنطقة لم يعرقل نمو الحركة الجوية، فإنه تسبب في ازدحام المسارات الجوية. فمساحة كبيرة من المجال الجوي في المنطقة ام هو منطقة غير مسموح فيها بالطيران او ان شركات الطيران تتجنبها لأسباب تتعلق بالسلام.

ويمكن ان يتسبب الازدحام واستغلال الطاقات الى ابعد حد في الاضرار بالسلامة الجوية. ففي الوقت الذي تدار فيه الحركة الجوية بمستويات يمكن السيطرة عليها، فإن عدد الطائرات المتوقع تسليمها للمنطقة في السنوات القليلة المقبلة، بالاضافة الى زيادة الحركة الجوية من جميع انحاء العالم، سيؤدي الى زيادة اعباء العمل على مراقبي الحركة الجوية في السنوات المقبلة والى اقتراب الطائرات من بعضها البعض. ومجموع هذه العناصر تسبب في وقوع حوادث وشبه حوادث عبر اوروبا والولايات المتحدة في السنوات الاخيرة.

وقال الن برنتشلي مستشار شؤون الملاحة الجوية في هيئة الطيران المدني العامة في الامارات ان «الامارات العربية عبارة عن بيئة حركة جوية معقدة للغاية، تتطلب ادارة حركة جوية ذات مهارات خاصة للتعامل بطريقة آمنة مع الطائرات في المجال الجوي للمنطقة.

تجدر الاشارة الى ان اخر حادثة جوية في المنطقة وقعت في شهر فبراير (شباط) عام 2004 عندما سقطت طائرة من طراز فوكر ـ 50، تابعة لشركة كيش الجوية الايرانية خلال هبوطها في مطار الشارقة الدولية مما ادى الى مقتل 43 شخصا تسعى الحكومات لاستيعاب الحركة الجوية. وأشارت شركة «بروليدز» للبحوث الى ان دول مجلس التعاون الخليجي الست تنظر في 59 مشروعا ذات صلة بالمطارات من ضمنها إضافة أماكن لتوقيف الطائرات وبناء صالات سفر جديدة بتكلفة مشتركة تصل الى 17.8 مليار دولار. ومن المنتظر ان تستثمر دبي لوحدها 82 مليار دولار في مجال الطيران المدني ومشاريع قطاع الطيران، بما في ذلك مشروع لأكبر مركز للسفر والبضائع في العالم. وسيستوعب مطار المكتوم الدولي 120 مليون مسافر سنويا، أي ضعف عدد المسافرين في أكبر المطارات العالمية مثل مطار اوهير في شيكاغو ومطار هيثرو في لندن. ويقول خبراء في قطاع الطيران انه حتى في حال سهولة قلة الحركة الجوية سيكون هناك نقص في القوة العاملة. إذ ان شركات النقل الجوي في العالم تستخدم عددا محدودا من العاملين المؤهلين في مجال الطيران ابتداء من عمال الحركة الجوية وصولا الى عمال الصيانة. وتحتاج منطقة آسيا ـ المحيط الهادي، ومنطقة الشرق الأوسط الى قوة عاملة تقدر بـ150000 شخص للعمل في تلبية الطلبات الجديدة على الطائرات على مدى السنوات المقبلة. وكان عدد أفراد الطاقم العامل في شركة الاتحاد للطيران بأبوظبي قد زاد خلال فترة عامين من 2200 الى 5500، وقال جيمس هوغان، المدير التفيذي لشركة الاتحاد للطيران، ان الحصول على طاقم للعاملين والموظفين هو أكبر تحد يواجه الشركة حاليا.

وللتغلب على هذه المشكلة تتبع شركات النقل الجوي الخليجية برامج توظيف مكثفة، كما ان كثيرا من هذه الشركات أعد خططا لبرامج تدريب الطيارين. المرتبات الخالية من الضرائب والتطور المهني والمرتبات السخية كانت من العوامل التي تجذب العمال الأجانب الى الإمارات، إلا ان الرغبة في العمل هناك تراجعت. كما ان تكلفة المعيشة تشهد ارتفاعا، فضلا عن ان ارتباط العملات المحلية بالدولار الاميركي، الذي يعاني من تراجع قيمته، أدى الى تراجع القوى الشرائية العالمية لهذه العملات. وقال بيتر هاربيسون، الذي يعمل مديرا لمركز للطيران في آسيا منطقة المحيط الهادي، ان القوة العاملة هي القضية الرئيسية، وأضاف قائلا ان شركات النقل الجوي التي تعمل في الأسواق الناشئة ذات النمو السريع باتت تشعر بهذه المشكلة وشرعت في تقليص مشاريع التوسع.