كأننا والماء من حولنا قوم قعود حولهم ماء

TT

سـأتـطرق اليوم إلى موضوع الإعلام الاقتصادي، وذلك من خلال تقييم وظيفة المحلل المالي لسوق الأسهم السعودية. عند الحديث عن سوق الأسهم السعودية، وما مرت به خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وحتى تاريخ اليوم، فإن دور الإعلام الاقتصادي، وأهمه القنوات الفضائية، التي خصصت برامج عديدة لجذب المشاهدين، واستقطبت من سمتهم محللين ماليين، أو محللين اقتصاديين، ساهمت بشكل سلبي، فيما حدث في سوق الأسهم السعودية، وهنا يقع اللوم على المحطات، قبل الأفراد، بسبب ضعف الإشراف الاقتصادي المهني، على ما سيعرضه المحلل، بل أنني أتسائل إن كان هناك أحدٌ في تلك المحطات، أو الصحف، من يراجع المادة الاقتصادية مقدماً، ويتحقق من أن ما سيقوله المحلل مفيدٌ، وذو إضافة هامة، قبل أن يسلم المايكروفون إلى ذلك المحلل. لذلك نجد اليوم كثيراً من المحللين الذين يظهرون، ومعهم رسم بياني لأداء سهم شركة ما، ويعتقد ذلك المحلل. أن مفهوم التحليل المالي، هو أن يصف لنا حركة السهم التاريخية، ثم يقول إن حركة هذا السهم تشابه نصف الجسم العلوي للإنسان (أي رأس وكتفين)، ولذلك يجب أن نتوقع في المستقبل أن يتكرر ذلك الشكل؟!! ولا تزعج المحطة نفسها، من خلال مقدمي البرنامج، أن يسألوا المحلل، لماذا يتوقع نفس تصرف سـعر السهم مستقبلا، ولمجرد أن السهم تصرف كذلك في الماضي؟ وألا توجد مستجدات في أداء الشركة نفسها، بدلا من التركيز على الرسم البياني؟ وماذا عن أرباح الشركة؟ وأسعار منتجاتها؟ أليس لدى الشركة توسعات، أو توقفات، قد تغير أدائها؟ أين أدوات التحليل المستخدمة عادة في تحليل أداء أي شركة؟ وأهمها المعلومات المالية عن إنتاج وأداء الشركة العام، وكيف تجاهلها المحلل كلية؟ وكيف تقبل المحطة ذلك التحليل الخاطئ من أساسه، والذي يتجاهل ما يسمى أساسيات كل شركة Fundamentals، ويركز على الماضي، لمحاولة رسم صورة المستقبل؟ وكيف يسمح المحلل لنفسه أن يبدى رأياً حول أكثر من مائة شركة، تعمل في قطاعات مختلفة، هل درسها جميعاً؟ وتعمق في تفاصيلها؟ وبالتأكيد أنه كان يمكن أن يكون أكثر مصداقية، لو انه تخصص في قطاع واحد، وأجاد دراسته.

وأحياناً يستخدم بعض المحللين اصطلاحي «مستوى الدعم»، و«مستوى المقاومة»، وهم بذلك يوحون بأن سعر السهم يتحرك ضمن نطاق معين، تحكمه سيكولوجية المتعاملين، متجاهلين مرة أخرى أي متغيرات على مستوى أداء الشركة، ومحولين العملية كلها إلى عملية ميكانيكية بحته.

وفي حالات أخرى عندما يبدي المحلل تحليلا عاماً للسوق، فملاحظاته، عادة لا تتعدى أن يعلق على السوق إذا كان مرتفعاً (أخضر)، بأن هناك ثقة من المساهمين، وإذا انخفض (أحمر) قال إنها مرحلة جني أرباح، وفي كلا التعليقين صفة مشتركة، وهي عدم إضافة جملة مفيدة للمشاهد!. كل ذلك حدا بي لتذكر بيت الشعر العربي، الذي استخدمته عنواناً لهذا المقال، لأنه يصف حالة التحليل الاقتصادي لدينا، وكان يمكن أيضاً أن أستشهد بـ«وفسّر الماء بعد الجهد بالماء»!! ولا يجوز للمحلل أن يكتفي بالمعلومات المنشورة من قبل الشركة، لإبداء الرأي، بدون أن يكلف نفسه عناء الاتصال بالشركة، مجال البحث، من وقت لآخر، لتحديث معلوماته، والتثبت من صحة الأرقام، والمعلومات، وهو الإجراء المهني الصحيح، الذي يتبعه الآخرون، وبصفة دورية. قضية أخرى تم إثارتها في السوق، وهي التساؤل حول مدى نزاهة، وحيادية أولئك المحللين؟ وهل لهم مصلحة مالية مباشرة، من تحرك أسعار أسهم هذه الشركة، أو تلك؟ وإن كانت لهم مصلحة، فمن يحاسبهم على الأضرار، التي قد يلحقونها بالمساهمين البسطاء؟ وهل تزكّي المحطة أولئك المحللين؟

وللإحاطة، فإن إفلاس شركة أنرون قد حدث، بسبب نباهة أحد المحللين لدى شركة ميرل لينش المالية، الذي ارتاب من بعض الأرقام، ولكنه كوفئ من قبل شركته بتسريحه، لأنه تجرأ وسأل أسئلة أغضبت عميلا مهماً، ولكن باحثاً في جريدة «وول ستريت جورنال»، الاقتصادية المتخصصة، التقط خيط البحث، وانكشف المغطى!! كل ذلك يدلل على أن أمامنا مشوارا طويلا، طويلا!! [email protected]