رسامة ومؤلفة سعودية: التأليف للطفل «معادلة تحدٍ» تنحصر بها فرص النجاح

منى العصيمي لـ «الشرق الأوسط»: الإنترنت ولدت حقبة جديدة تحصر استمرارية «الكتاب» ثم «القراءة»

الطفل يواجه صعوبة أكثر في قبول ما يطرح له في المكتبة («الشرق الأوسط»)
TT

أكدت رسامة ومؤلفة سعودية أن الكتابة والتأليف لـ«الطفل» يمثلان معادلة تحدٍ صعبة جداً تقل فيها فرص النجاح، نتيجة تعقيد الهدف النهائي الذي من أجله تتم مخاطبة عقل «الطفل» وبأي آلية يجب أن تتم، لافتةً إلى أن المعادلة الصعبة في الخطاب الموجه للطفل عبر الكتاب تشمل الجانبين الرسوماتي والتأليفي في ظل المتغيرات الاتصالية التي تعصف بالطفل في الوقت الحاضر.

ومالت منى العصيمي المؤلفة والقاصة والرسامة السعودية والتي أقامت مؤخراً حفل توقيعٍ لـ «الأفضل» وهي قصة أطفال حديثة من نوعها ومليئة برسومات معبرة من الواقع، مالت إلى ترجيح كفة الخسارة أمام معادلة مخاطبة الطفل كأحد إشكالات التأليف والرسم لهذه الفئة من المجتمع، موضحة أن معظم ما يطرح ربما يمثل محاولة يائسة من قبل المجتهدين ولكنها عادت للتأكيد إلى أنها لم تدرك صعوبة الاستهانة بقوة الخصم المستهدف (الطفل).

وعن قصتها الجديدة تساءلت العصيمي: «هل سبق أن وجدت نفسك محرجاً وتتصبب عرقا أمام جدل تخسره لصالح طفل!»، تقول: «حدث لي ذلك أكثر من مرة ومع أكثر من طفل، رغم امتلاكي للمعرفة، الخبرة، الحجة، وامتياز السيطرة الذي مُنح لي لمجرد أني ولدت أولا.. الأمر الذي يبدو أنه لم يعد كافيا هذه الأيام وحين أفكر قليلا اعتقد بأني كتبت قصة «الأفضل» في محاولة يائسة لمعادلة نتيجة إحدى هذه المعارك التي خسرتها لمجرد استهانتي بقوة خصمي الصغير». وترى العصيمي وهي شابة في العقد الثاني من العمر، أن التطورات الجديدة الداخلة على الساحة الثقافية المشكلة لجزء من المدخلات إلى عقل الطفل هو التقدم التكنولوجي المهول، وأضافت في حديث أجرته معها «الشرق الأوسط»: «لم تعد بين تلفزيون وإذاعة وإنما امتدت إلى فضاءات الإنترنت وابتكارات خدمات الاتصالات الأخرى مما يعقد من حسبة الفنان الذي يريد مخاطبة الطفل ويحصر خيارات استمرارية الكتاب ثم القراءة، فإما أن يكون كتاباً ساحراً بكل المقاييس، أو لا يكون».

وأمام ذلك أبانت العصيمي بأن «اللوحة» باتت هي الأهم في عالم التأليف للطفل،مؤكدة ضرورة الذكاء الذي يجب أن يكون حاضراً في تقديم أي منتج ثقافي يتعلق بالطفل، واضافت: «في عالم الطفل المليء بالمغريات من إلكترونيات، وشبكات اتصال وأشياء أخرى تسحرنا كبالغين قبل أن تسحرهم، عليك ان تقدم ما هو أكثر إغراءً لشد انتباههم.. هل شاهدت الإخراج الفاخر واللوحات المعبرة التي تمتلئ بها اغلب الرائج من الكتب المستوردة في مكتباتنا! هل لاحظت التفصيلات الصغيرة المتقنة في خلفية اللوحة! الألوان والأشجار والأشخاص غير المهمين الذين ينزهون حيواناتهم خلف الشخصيات الرئيسية للقصة! في كل مرة أقرأ فيها شيئاً من تلك الكتب أجد نفسي وأنا الشخص البالغ اقلب صفحات القصة مرتين، مرة لقراءتها ومرة للوقوف أمام كل لوحة على حدة والتدقيق في تفصيلاتها». وتقول العصيمي: «تزعجني القصص ذات الطرح الساذج والتي تذكرنا مع كل سطر نقرأه بكتب القراءة المدرسية المملة التي قد نتجاوز عن فشلها في تحقيق الهدف المرجو منها كونها مقيدة بدواعي التربية والتعليم المباشر الذي يدعمه النظام المدرسي التقليدي، ولكننا لا يمكن أن نتعامل بنفس التسامح مع القصص خارج المؤسسة التعليمية الحكومية كونها تملك حيزا أوسع من الأولى»، مشيرةً إلى أنه لايمكن تحميل «القراءة» المسؤولية الكاملة عن إشباع الطفل ثقافياً، إذ أنها تعتقد أن هذه الفكرة فقدت وهجها منذ سنين بدخول مصادر أخرى للثقافة.

وحول ما تعانيه المكتبة العربية من فقرٍ للمضمون الحديث الذي يتطلبه النتاج الثقافي للأطفال، تساءلت العصيمي «هل حقاً تعاني من فقر!»، متسائلة: «لماذا اعتقد بأنها ـ المكتبة العربية بشكل عام ـ متخمة بكتب لا يقرؤها احد! ربما إذا قارناها ببيئات أخرى يتسرب فعل القراءة إليها بهدوء وسلاسة لتصبح جزءا من تفصيلات الحياة اليومية لأفراده وليست امتيازا نخبوياً، وربما إذا كففنا عن الصراخ في كل مكان حول وجوب فرض القراءة لخدمة هدف ما، «الثقافة» مثلاً أو «التعليم» او «التطور الوظيفي» أو أي هدف آخر يجعل منها عبئاً إضافياً من أعباء حياتنا التي ينتهي العمر معها ولا تنتهي».

وأوضحت المؤلفة السعودية بأن إشكالية القراءة ما زالت ترتبط بكيفية الترويج لها، وتضيف عن ذلك: «لطالما تساءلت.. كيف يمكن ان يكون الوضع العام لو بدأنا بالترويج للقراءة كوسيلة من وسائل الترفيه والاستمتاع اولاً ثم الفائدة او أي شي آخر ثانيا!» مؤكدةً بأن ذلك سيصبح مصدر سعادة في حال رؤية جيلٍ تعج مطاراته ومقاهيه بأشخاصٍ عاديين يحملون كتباً لن يمتحنوا فيها من الغد، ويستمتعون بقراءتها أكثر من استمتاعهم بمراقبة المارين بفضول!.

وأكدت العصيمي بأن كل ما يلزم لإنعاش تجارة الكتب وبالتالي امتلاء المكتبات بالمضمون العصري المواكب والملائم، هو الترويج للقراءة بطريقة صحيحة، مضيفةً بأن: «لا احد يريد أن يستثمر أمواله في تجارة كاسدة كنشر الكتب لمجرد إرضاء غرور كاتب، علينا أن نرضي غرور القارئ أولاً».