متحف التمويل الأميركي بقلب مانهاتن

«ذاكرة مؤسساتية» في وول ستريت على بعد أمتار من بورصة نيويورك

متحف التمويل الأميركي في قلب مانهاتن
TT

قبل سنوات قليلة عندما كان الحماس غير المنطقي منتشرا، كان افتتاح متحف أنيق يخصص لتاريخ المال على بعد عدة عمارات من بورصة نيويورك يبدو أمرا سوقيا. ففي عصر الحماس والوفرة يعتبر الاحتفال بشئ ما امرا غير ضروري. لماذا نخصص مثل هذا الاهتمام لأمر ما عندما تكون سلطاته واضحة كل الوضوح.

والان بالطبع، اختلف الامر. ففي فترات الشكوك ـ مع التقلبات التي تشاهدها الاسواق، وانخفاض الدولار وازمة قروض الاسكان بلا رصيد، وتخفيض مصرف الاحتياط الفيدرالي لسعر الفائدة ـ اصبح المال امرا مثيرا ويصعب التكهن به، ويتطلب المزيد من الرقابة.

ولذا فإن افتتاح متحف التمويل الاميركي في وول ستريت في الشهر الماضي ربما يبدو فكرة سيئة ـ مثل شراء اسهم عندما يرتفع سعرها وبيعها عندما تنخفض ـ لا توجد في الواقع طريقة افضل لتقييم «القوى» التي جعلت مدينة نيويورك العاصمة المالية للعالم. وفي الواقع فقد تم تأسيس المتحف بعد انهيار السوق في عام 1987، لأن جون هرتسوغ رئيس الشركة التي اصبحت في ما بعد ميريل لينش، قال انه يشعر بعدم وجود «ذاكرة مؤسساتية» في وول ستريت. وقد اقيم المتحف في البداية على مساحة صغيرة في مبنى الجمارك، ثم اصبح المتحف مستقلا، حيث استؤجرت له مساحة 30 الف قدم مربع في المبنى السابق لمصرف نيويورك.

وبعد اجراء ترميمات بلغت تكلفتها 9 ملايين دولار وميزانية قيمتها ثلاثة ملايين دولار اصبح للمتحف المرتبط بمعهد سيمسونيان مكتبة وقاعة بالاضافة الى 10 الاف قدم مربع مخصصة للعروض. ولسوء الحظ، فقد تم استكمال المصرف قبل انهيار سوق الاوراق المالية في عام 1929، وهو الامر الذي جعل العديد من العملاء في وضع مالي صعب. ولكن هذا المتحف لا يخجل بخصوص مثل هذه المشاكل في الحظوظ المالية. ويبدو ان مهمته كمناسبة احتفائية – تكريم «السوق الاميركي الديمقراطي المفتوح ـ ومهمته التعليمية في متابعة النظام المتطور والطريقة التي يعمل بها او يفشل.

وتجدر الاشارة الى انه لا يجري تعليم ذلك في المدارس، ويحتاج الامر الى كثير من التعلم من جانب هؤلاء الذين لم يعرفوا حتى الان طبيعة المشتقات ولا الادوات المالية، ولذا فإن المتحف مقبول من حيث ما يقدمه ويثير الاحباط بسبب نواقصه. وفي بعض الحالات يبدو الامر في غاية الوضوح (لا يضيف الحائط المقام، وراد اسعار امعاء الحيوانات والاسعار المستقبلية للحبوب الغذائية الكثير) وفي حالات اخرى بعض المعلومات مضغوطة وغير واضحة.

وهناك مشاكل اخرى ايضا في المتحف. فنحن ننتظر كيف سيؤدي ذلك الى فهم واضح للطرق التي تختلف بها الاسواق الاميركية عن غيرها من الاسواق، او لماذا اصبحت الرأسمالية، بشكلها الحالي بهذا النجاح. وكان من المفروض وجود مزيد من الشرح والتوضيح لقواعد المعلومات التي تم جمعها طوال 150 سنة. وتبقى مقولة ونستون تشرشل بلا حاجة للشرح، «الجانب السلبي الموروث للرأسمالية هو المشاركة غير العادلة للنعم، والجانب الفضيل الموروث للاشتراكية هو التوزيع غير العادل للبؤس».

والامر الذي نحتاجه هو استراتيجية افضل لدراسة النظام الاقتصادي، وربما وجود بعض العروض التفاعلية تحدد الطريقة التي يعمل بها السوق. وبدلا من ذلك فقد تم تخصيص المزيد من المساحة لعدد من شاشات العرض تعرض مقابلات مع عدد من رجال الاعمال.

لذا، آمل في المزيد. يكمن الإحباط في ان هذه ليست مجرد قصة جيدة. انها قصة عظيمة وملحمة. ثمة أجزاء غير عادية في مجموعة المتحف المكونة من 10000 قطعة وتتراوح من آلات الجمع المبكرة الى أشرطة الكتابة، وتحتوي على تفاصيل تراجع الأسعار نتيجة انهيار عام 1929، فضلا عن شهادة من شركة South Sea موقعة من اسحق نيوتن، الذي فقد استثماراته في مضاربة في القرن الثامن عشر. كما تحتوي المواد على شيك مصرفي موقع بواسطة جون روكفيلر. بعض المواد المعروضة، من تصميم C&g Partners، تعكس تاريخها بشيء من روح الفكاهة باستخدام شاشات اللمس لتأريخ عمليات نهب المصارف او لإظهار لقطة من It is a Wonderful Life كي يستطيع جيمي ستيوارت توضيح ايجابيات «الادخار والقروض». هناك غرفة صغيرة مخصصة لتاريخ النقد الاميركي يمكن ان تصبح ضعف مساحتها الحالية، لكنها تعتبر الأكثر اتساقا في المتحف، وتحتوي على 6 ملايين دولار من العملات المعدنية النادرة والأوراق المالية وسبيكة تزن ستين رطلا تعود الى فترة الإقبال الواسع على كاليفورنيا للاستفادة من ثرواتها عثر عليها في حطام سفينة. في جزء من المتحف يوجد جزء خاص بـ«وارين بوفيه»، الطالب الوحيد لبنجامين غراهام، استاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، الذي حصل على درجة الامتياز في عمله الأكاديمي عند التخرج. كما توجد ايضا معلومات حول شخصيات اخرى مثل ويليام دورانت، مؤسس «جنرال موتورز»، الذي اصبح غاسلا للأطباق بعد ان كان مليونيرا غداة الانهيار الاقتصادي عام 1929. بعض الثروات تكونت من المخاطرة والعمل اليدوي، ولكن نفس هذه العوامل تسببت في فقر آخرين. الحرية جاءت من رأس المال وتجارة الرقيق ايضا من رأس المال. ويذكر ملصق زوار المتحف بأن ويلي ساتون كان ينهب المصارف «لأنها المكان الذي كان يحفظ فيه المال».

* خدمة «نيويورك تايمز»