انطلاق كرنفال ريودي جانيرو على أنغام السامبا البرازيلية

شخصيات تاريخية وخرافية وهتلر أيضا

عرض راقص تقدمه مدرسة بورتو دو برادا و تحتفي فيه بمرور 100 عام على بداية الهجرة اليابانية الى البرازيل (رويترز)
TT

بدأت مساء الاحد أحداث أكبر عرض راقص في العالم إذ انطلق مهرجان ريو دي جانيرو راقصا على وقع موسيقى السامبا وارتدى المشاركون تشكيلة ضخمة من الملابس المزركشة والملونة والتنكرية. وفي خضم الامواج المتتالية من الراقصين، تتبارى مدارس السامبا للحصول على لقب البطولة في هذا الحدث السنوي.

وفي مهرجان ضخم كهذا لا بد من وجود الاشكال غير المألوفة وحتى المنفرة. وفي هذا العام يبدو ان هذا التقليد ما زال ساريا اذ اختارت احدى الفرق ان تصور ضحايا المحرقة النازية (الهولوكوست) مستعينة بعدد من الدمى العارية في إشارة الى مئات الجثث من اليهود الذي قتلهم هتلر الذي يظهر راقصا على المنصة المتحركة. ولكن هذا العرض بالذات اوقف بعد أن حصلت جماعة يهودية على قرار من المحكمة بإيقافه. وما كان من الفرقة إلا ان احتجت على القرار بان وضعت كمامات على افواه راقصيها في اشارة الى منعهم من حق التعبير. واختارت فرقة أخرى ان تستخدم مجسما لطفل رضيع مغطى بالدماء.

وحسب تقرير لوكالة «أ.ف.ب» اعتبرت القاضية جوليانا كاليخزستيم ان الكرنفال «يجب ألا يشكل اداة لثقافة الحقد او اي شكل من اشكال العنصرية او امتهان الاحداث الوحشية».

ولكن العرض ايضا تضمن لقطات طريفة مثل الفرقة التي اختارت ان تبني ممر تزلج ثلجيا قام راقصوها بالتزلج عليه.

ولجأت مدارس أخرى للاسلوب التقليدي المتبع في المهرجان دائما وهو التفنن في الازياء التنكرية، فظهرت شخصيات خرافية وخيالية ترتدي ملابس ملونة باذخة ما أضفى على المهرجان طابعا جماليا متميزا.

وفي عروض أخرى ظهرت شخصيات المخلوقات الفضائية والحيوانات والحشرات مثل الجرذان والعناكب. وظهرت تماثيل ضخمة تمثل فيلا ضخما ونمرا بالاضافة الى الببغاوات والفراشات.

العرض الصاخب جمع جمهورا غفيرا قارب الـ 50 الف متفرج، وفيما انبهر السياح والزوار بالعرض الباذخ صفق الجمهور المحلي لأحد عمال النظافة الذي قرر الانضمام الى العرض الراقص ورفع مكنسته عاليا في حالة من الحبور. وتتبارى مدارس السامبا المشاركة في الاستعراض للحصول على لقب البطولة، ويقوم مجموعة من المحكمين باختيار الفائزين على اساس الموسيقى وكلمات الاغاني والمواضيع التي يمثلونها.

ومع بداية الليلة الثانية من الاستعراض يتناقص عدد الفرق المشاركة بعد أن يصوت الحكام لغير صالحها وتتبقى 6 فرق تتنافس على لقب البطولة.

وذكرت وكالة الانباء الفرنسية ان اكثر من 700 الف سائح بينهم 30% اتوا من الخارج الى ريودي جانيرو التي تلقب بـ«المدينة المذهلة» للمشاركة في الاحتفالات، في حين ان آلافا اخرين سيتابعون الكرنفال في سلفادور وريسيفي وهما معقلا الكرنفال في شمال شرقي البرازيل.

وتعتبر مسألة الامن من الاهتمامات الرئيسية خلال الكرنفال. فقد اختار عناصر الشرطة العسكرية في ريودي جانيرو هذه الفترة لطرح مطالبهم برفع الاجور.

وقد اشعلت تظاهرة على شاطئ ايبانيما (ريو) ضمت 500 عنصر من هذه الشرطة الشرارة واثارت ازمة بين ولاية ريو وهذه القوة المكلفة خصوصا أمن الكرنفال.

وقال وزير الامن في ولاية ريودي جانيرو، جوزيه ماريانو بلترامي، ان القائد العام لهذه القوة وتسعة مسؤولي وحدات متهمون بعصيان الاوامر بسماحهم بهذه التظاهرة. وقدم 47 ضابطا من الشرطة العسكرية استقالاتهم تضامنا مع المسؤولين الذين تمت اقالتهم.

لكن الجانبين اكدا ان امن الكرنفال لن يتأثر. واكد بلترامي «هناك قيادة ستتخذ القرارات المناسبة. يمكن للناس ان يطمئنوا. يمر الكرنفال على ريو عادة بهدوء».

 وقد تم نشر اكثر من 9700 من عناصر هذه الشرطة لهذه المناسبة.

 وكما في كل سنة سيتمركز عدد كبير من هؤلاء على شارع سامبودروم الذي يمتد على 900 متر وتقام فيه المنصات في وسط المدينة حيث تقوم 12 مدرسة رئيسية في رقص السامبا بعروض مع اكثر من 50 الف متفرج في كل ليلة.

ويعتبر هذا الكرنفال، الذي نشأ عن طقس ديني وثني وأقيم في ريودي جانيرو للمرة الأولى عام 1723، أكبر عرض فني في العالم على الإطلاق ويسميه أهل ريو «أكبر حفلة راقصة على وجه البسيطة» ويحضره في العادة أكثر من نصف مليون شخص إضافة الى ملايين أخرى تتابعه على شاشات التلفزيون. ويذكر ان مدينة ريو كانت عاصمة البرازيل من 1822 حتى 1960 عندما صارت برازيليا هي العاصمة الرسمية، وظلت هي العاصمة الثقافية.

أما الكرنفال بشكله الحالي فيعود تاريخه الى ثلاثينات القرن الماضي. وهو يبدأ عادة أمسية الأحد ويستمر حتى قرابة صباح الاثنين. ويشارك فيه أناس ومنصات «عائمة» في استعراض متحرك من مختلف مدارس تعليم رقصة السامبا البرازيلية الشهيرة.

وأشهر هذه المدارس «موسيداد بادري ميغويل» التي أسست عام 1955 وتعلم طلابها الفنون الاستعراضية بشكل عام، لكنها تتخصص في تعليم السامبا رقصاً وغناء. وشاركت في الكرنفال لأول مرة عام 1957 ونالت جائزته الأولى عام 1979.

وثمة ترتيب معين يجب ان تتبعه كل مدرسة. فعلى كل منها أن يبدأ استعراضه بما يسمى «ابري ألاس» أو«الجناح الأول». ويتألف هذا من عشرة أشخاص الى خمسة عشر شخصا مهمتهم هي التقديم لمدرستهم وتهيئة الجو لاستعراضها الرئيسي بأدائهم رقصات مدروسة الخطى تتبعها أول منصة عائمة للمدرسة.

وبعض الأدوار المهمة توكل الى الـ«بانديرل» والـ«ميستري سالا». والأولى فتاة «ملكة» مسؤولة عن علم مدرسة السامبا التي تنتمي اليها ومهمتها ان تحتفظ به مفرودا. أما الـ«ميستري سالا» فهو شاب مهمته أن يلفت نظر المتفرجين الى مليكته وعلمها الذي يميز مدرستها عن بقية المدارس.

وهناك «العائمون» وهم ركاب المنصات العائمة. ويتميز هؤلاء بأزيائهم المزركشة وغير المألوفة، التي تعطي الكرنفال نكهته الفريدة. ويتعين ان تصاحب هؤلاء كتيبة مؤلفة من مائة فتاة (بأزيائهن المزركشة ايضا) إضافة الى مجموعة أخرى من الشبان. ولا يمتطي هؤلاء المنصات العائمة بل يؤدون رقصاتهم على وقع الموسيقى حول هذه المنصات. وينتهي الكرنفال بحفلة صاخبة في «السامبادروم» وهو مجمع مستدير من مبان تتسع لقرابة 90 ألف شخص وتستخدم في بقية العام مدارس للصبيان. وتسمى رقصة السامبا التي تؤدى في كرنفال ريو الـ«باتوكادا»، أي السامبا التي تؤدى بشكل رئيسي على وقع الطبول وليس بمصاحبة الآلات الموسيقية، باعتبار أن الإيقاعات ـ وليس الأصوات الموسيقية ـ هي التي تطرب القلب وتحرك أعضاء الجسم بأنماط منتظمة تترجمها عين الناظر الى رقصة السامبا.

وبرغم كل أجواء الفرح التي تصاحب كرنفال ريو، هناك العديد من سكان المدينة الذين يصفونه بـ «هذا الجنون الجماهيري» ويهجرون المدينة تفاديا له ولزحامه. وقد لاحظ المراقبون ان عمدة المدينة، سيزار مايا، افتتح كرنفال العام الحالي رسميا يوم الثلاثاء الماضي (قبل خمسة أيام من بدئه) حتى يتمكن من السفر الى باريس في عطلته الخاصة.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»