ثمن المثالية في مسرحية تدور حول العراق

«المخدوعة»

جورج باكر
TT

احدى اللحظات الآسرة في «المخدوعة» Betrayed، مسرحية جورج باكر التي تدور احداثها حول مجموعة من المترجمين العراقيين والتي تفتتح الأربعاء في «مشروع الثقافة» بحي سوهو في نيويورك سيتي، تجسدها انتصار، الشابة المثالية التي توظفها السفارة الأميركية ببغداد.

وشأن المئات من العراقيين في الحياة الواقعية عرضت انتصار بحماس خدماتها على الأميركيين بعد أن أطاحوا بصدام حسين في ابريل 2003. وقضت شبابها وهي تحلم بأميركا، متأثرة بكتابات إميلي برونتي، ورأت في الغزو وعدا بتجديد بلدها ونفسها.

وفي الوقت الحالي، في مسرحية «المخدوعة» كما في بغداد، انهارت تلك الأحلام وسط الفوضى. فقد سقط الحي الذي تسكن فيه انتصار بأيدي متمردين يمكن أن ينهوا حياتها اذا ما اكتشفوا مكان عملها.

غير انها تواصل، متحدية توسلات والديها بترك عملها وتبلغ رئيسها في العمل، وهو دبلوماسي اميركي اسمه بيل، قائلة «لا أريد ان اقوم بشيء يرغمني أحد على القيام به. أمقت ذلك، ولن افعله. لقد ارغمت على القيام بأشياء كثيرة في ظل نظام صدام. لا أريد ان اعمل ذلك مرة أخرى».

ويقول بيل «ذلك موقف شجاع منك يا انتصار».

وتجيب «الأمر ليس لأنني شجاعة، وانما لأنني متعبة».

ويكمن اعياء الحياة المزدوجة في جوهر «المخدوعة»، وهي دراما الهمتها الصراعات الحقيقية لآلاف العراقيين الذين يعملون لدى الأميركيين هناك. وكان العراقيون، مثل انتصار وصديقيها في المسرحية عدنان وليث، يثقون بالمشروع الأميركي في العراق، اذ يعتقدون انه يمكن يتحقق، كما يثقون بأن الأميركيين يمكن أن يوفروا لهم الحماية اذا ما لم يتحقق. وتدفع انتصار وليث وعدنان ثمنا باهظا لمثاليتهم، ليس فقط لأن أميركا التي يحبونها كثيرا لا يمكن أن تهتم الا بالكاد بانقاذهم. ولن تكون مسرحية «المخدوعة» مأساوية لو انه لم يكن لها أن تكون حقيقية.

وقد اعدت المسرحية من جانب باكر من مقالة حجمها 16 الف كلمة كتبها العام الماضي لمجلة «النيويوركر» عندما كان احد العاملين فيها (كمراسل لصحيفة «نيويورك تايمز» في العراق كنت احيانا أسافر واعمل مع باكر وان لم يكن من اجل تلك المقالة). وفي المقالة طرح المحن التي تواجه المترجمين العراقيين الذين كانوا يتعرضون الى الملاحقة والتعذيب والقتل على ايدي المتمردين. وأظهر كيف ان مناشداتهم من أجل العمل كانت تلقى اللامبالاة من جانب المسؤولين الأميركيين انفسهم الذين كان العراقيون يضحون بحياتهم من اجلهم. فقد حرم المترجمون حتى من وسائل الحماية الأساسية وهم يصارعون من اجل البقاء على قيد الحياة، بما يعنيه ذلك من المطلب الحاسم وهو الحصول على تأشيرات الدخول الى الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من كشف مقالة باكر ومقالات آخرين، فان آلام المترجمين ظلت مخفية الى حد كبير. . ففي عام 2007 سمحت الولايات المتحدة لحوالي 1600 من اللاجئين العراقيين بدخولها وهم جزء يسير ممن كانوا يعملون لدى الأميركيين. وهذا من عراق حيث فر اربعة ملايين شخص من بيوتهم منذ عام 2003، وحيث قتل مئات عدة من العاملين والمتعاقدين العراقيين لدى الأميركيين وفق اكثر التقديرات تحفظا. وعلى العكس من ذلك بادرت السويد التي لا يتجاوز عدد سكانها سوى جزء صغير من عدد سكان الولايات المتحدة، بقبول 20 ألف لاجئ عراقي، حتى مع أنها لم تكن طرفا في الحرب. وأعطى انخفاض العنف في العراق في الفترة الأخيرة قدرا من الإمهال لكن من الصعب القول إن التهديد الذي يلاحق المترجمين قد اختفى.

وقال باكر: «أردت أن أعمل شيئا ما مع المادة التي في حوزتي إذ أنني لم أعتقد أن الصحافة قادرة على القيام به، والذي يذهب عميقا في تجربة العراقيين. ولاستكشافهم كبشر في هذا الوضع شديد التعقيد والمؤلم جدا يصبح الولاء ما بين الأصدقاء، ما بين الأمل والخيانة أفكارا عالمية».

وتبدأ المسرحية في فندق فلسطين بوسط بغداد، حيث وافق صديقان هما عدنان وليث، أحدهما شيعي والآخر سني على اللقاء. إنها بغداد في أرعب أوقاتها بعد أعوام على الغزو الأميركي. والفندق ذو الأقواس الجميلة شبه مهجور والعاصمة العنيفة أصبحت تحت رحمة الميليشيات وعصابات المتمردين. ومن منطقته في غرب بغداد احتاج عدنان إلى ثلاثة أيام كي يصل إلى الفندق على الرغم من أنه لا يبعد عن سكنه سوى عدة كيلومترات. فهناك نقاط تفتيش يجب عبورها ومعارك بالبنادق يجب تجنبها أما ليث الشيعي فيبدو أنه قلق تجاه شيء ما نحن لا نعرفه لكن حياة الشخصين أصبحت معرضة للخطر.

فعدنان خريج الجامعة والمحب للأفلام والموسيقى الأميركية كان يبيع السجائر خلال فترة صدام وحلم ذات يوم: «كان هناك دائما هذا الصوت في خلفية رأسي: سيأتي الوقت حيث يحدث التغيير. وسيأتي وقتي. إنه ليس قدري أن أعيش وأموت في العراق بهذه الطريقة. وحينما جاءت حرب 2003 لم أصدق كم كنت على حق».

ولم يمض وقت طويل قبل أن يشغّل الأميركيون عدنان وليث وانتصار ضمن المنطقة الخضراء للعمل كمترجمين للانجليزية. وهنا بدأت حياتهم تتغير بدون رجعة إذ وجدوا شعورا بالحرية داخل الشرنقة الأميركية بل هم تعلموا حتى العامية الأميركية. وشهدوا كيف أن المحتلين الأميركيين لم يكونوا متهيئين لمهمتهم في العراق وكيف أن غرورهم أعماهم كثيرا عن المشاكل التي كانت تجري وراء الأسوار.

يقول احد المترجمين العراقيين: «أنا وقعت ما بين الجنة والجحيم. لم يكن الأميركيون يريدونني ولم يكن العراقيون يريدونني أيضا. أين أذهب؟ ساعد نفسك، هذه هي أفضل طريقة. اعثر على حل لنفسك. لكنني لا أرى أي حل. أنا هنا معلق كي أجف».

* خدمة «نيويورك تايمز»