كوبا.. بلا كاسترو بعد نحو نصف قرن من القبضة الحديدية

الصين أشادت وروسيا اعتبرته «عبقرياً».. وأوروبا تدعو خليفته للتغيير.. وبوش يطالب بعدم تفضيل «الاستقرار» على الديمقراطية

فيدل كاسترو يلقي خطابا في يونيو عام 2002 وإلى يساره أخيه راؤول (أ.ف.ب)
TT

استيقظ الكوبيون أمس على وقع نبأٍ كالصاعقة.. فقد تقاعد زعيمهم فيدل كاسترو الذي لن يصبح بعد اليوم زعيماً للدولة الشيوعية بعد نصف قرن إلا عاما، في الحكم.

وقال كاسترو، 81 عاما، الذي لم يظهر في اي مناسبة عامة منذ نحو 19 شهرا في بيان للأمة، انه لن يسعى لفترة رئاسية جديدة حين يجتمع المجلس الوطني في 24 فبراير (شباط) الجاري. وقال كاسترو في بيان نشر على موقع صحيفة «غرانما»، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الكوبي «الى رفاقي الاعزاء الذين منحوني في الايام الاخيرة شرفا عظيما بانتخابي عضوا في البرلمان.. أنقل لكم انني لن اتطلع او أقبل.. منصبي رئيس مجلس الدولة وقائد الجيش».

واستقبل الكوبيون النبأ بمزيج من الحزن والتسليم بالأمر الواقع، فيما أثار موجة من الفرح في أوساط المعارضة الكوبية، ووجد وقعا حسنا في كثير من بلدان العالم، وخاصة الولايات المتحدة التي ناصبها العداءَ طيلة نحو نصف قرن هي عمر حكمه. وسيجتمع البرلمان الكوبي، الاحد المقبل، لتعيين اعضاء مجلس الدولة، أعلى سلطة تنفيذية في النظام الكوبي، وتعيين رئيس المجلس الذي سيكون رئيسا للدولة ونائبه الاول ونوابه الاخرين. ويتوقع على نحو كبير، ان يتولى راؤول كاسترو أخو الرئيس المستقيل رئاسة البلاد باعتباره النائب الاول في المجلس. وقد ظل الرئيس الفعلي طيلة الفترة الماضية عندما عهد اليه كاسترو مهمة مباشرة الحكم خلال مرضه. واشتهر كاسترو في العالم أجمع بخطاباته النارية الطويلة امام الحشود الجماهيرية وزيه العسكري الزيتي الذي لم يكن يفارقه ولحيته وسيجاره. كما انه جسد شخصية الثائر خلال الحرب الباردة قبل ان يفقد كثيرا من التعاطف الدولي، وخصوصا في اوروبا لرفضه تليين سياسة نظامه.

وخلال نحو نصف قرن، تحدى كاسترو ووقف في وجه الولايات المتحدة وأراد مع رفيقه ارنستو «تشي» غيفارا ان يكون بطل الثورة الشيوعية وتصديرها في اميركا اللاتينية وايضا في افريقيا وحتى آسيا. ولم يتمكن عشرة رؤساء في البيت الابيض من التخلص من نظامه على الرغم من الحصار الاقتصادي الصارم والمحاولة الفاشلة للقيام بعملية انزال عند خليج الخنازير عام 1961 وكم من المؤامرات التي حيكت لاغتياله.

وكاسترو الذي كان من الوجوه التي فرضت نفسها على الساحة الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين، هو الاخير المتبقي على قيد الحياة من جيله الذي عاصر جمال عبد ناصر ونهرو وتيتو. وقد انتخب رمزيا لرئاسة آخر قمة لدول عدم الانحياز في هافانا في سبتمبر (ايلول) 2006.

واعربت العديد من الدول الغربية مثل الولايات المتحدة واسبانيا وبريطانيا وفرنسا عن املها في حدوث تحول ديمقراطي في كوبا، في المقابل اشادت الصين بمسيرة كاسترو. واعتبر الرئيس الاميركي جورج بوش الذي يقوم بجولة في افريقيا ان تخلي كاسترو عن الرئاسة يجب ان يقود الى «بداية مرحلة انتقالية ديمقراطية» في كوبا أحد آخر الانظمة الشيوعية في العالم. وقال إن الخطوة الأولى يجب ان تكون إطلاق سراح المساجين السياسيين، مطالبا المجتمع الدولي بعدم تفضيل «الاستقرار» على الديمقراطية في كوبا. وقال بوش في مؤتمر صحافي عقده في كيغالي، عاصمة رواندا، إن المجتمع الدولي يجب أن يعمل مع الشعب الكوبي للبدء بإقامة مؤسسات في إطار نظام ديمقراطي في تلك الدولة الشيوعية. وأضاف ان مرحلة الانتقال في كوبا يجب أن تقود إلى انتخابات حرة ونزيهة.

واعلن المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الاميركية جون نيغروبونتي امس امام الصحافيين ان الولايات المتحدة لن ترفع الحظر الذي تفرضه على كوبا على الفور رغم تنحي كاسترو عن السلطة. وجدد الاتحاد الاوروبي عرضه بإقامة «حوار سياسي بناء» مع كوبا يهدف الى دعم «ديمقراطية تعددية» في هذه البلاد. واعربت اسبانيا عن املها في ان يقوم الخليفة المتوقع لفيديل شقيقه راؤول كاسترو بـ«اصلاحات». وقالت ترينيداد خيمينيز وزيرة الدولة الاسبانية لشؤون اميركا الجنوبية «اصبح الآن بامكان راؤول كاسترو ان يتولى بقدرة اكبر وبثقة وبقوة مشروع الاصلاحات هذا الذي اؤكد انه هو نفسه من اشار اليه واعتقد انه يمكنه البدء في تجسيد هذه الاصلاحات».

وفي لندن، اعتبر المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، ان قرار كاسترو التخلي عن الرئاسة في كوبا يوفر للبلاد فرصة اجراء «عملية انتقالية سلمية نحو الديمقراطية التعددية». اما في فرنسا، فقد قال سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الاوروبية، جان بيار جويي، ان فرنسا تأمل في ان يفتح قرار كاسترو التخلي عن رئاسة كوبا «طريقا جديدا» في البلاد يؤدي الى «مزيد من الديمقراطية». واعتبر جويي ان «الكاسترية كانت رمزا للشمولية». واضاف «نأمل ان يُفتحَ، بعد الانسحاب، طريق جديد وان يكون هناك المزيد من الديمقراطية في البلاد».

واضاف ان حكم كاسترو ستظل سمته انه «لم يكن هناك ما يكفي من الاصلاحات، وانه لم يفهم التطورات التي حدثت نهاية سبعينات القرن الماضي وبداية الثمانينات، وانه لم يدرك التحولات التي ظهرت اثر سقوط جدار برلين والاتحاد السوفياتي».

كما اعلنت الخارجية الفرنسية ان باريس ترغب في ان تمضي كوبا «على طريق الديمقراطية واحترام حقوق الانسان» بعد قرار كاسترو التنحي. كما اعرب وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فيرهاغن ايضا عن امله في حدوث تغيير. وقال بحسب متحدث باسمه «آمل ان يكون الرئيس الجديد راغبا وقادرا على اطلاق عملية انتقالية سلمية نحو مجتمع ديمقراطي». واضاف «ان كاسترو شخصية مثيرة للجدل وكان (نظامه) عنوانا للفقر ونقص الحرية لكافة الكوبيين في السنوات الخمسين الاخيرة»، داعيا الى اطلاق سراح المعارضين المعتقلين.

في المقابل، اشادت الصين بكاسترو «القائد الثوري» و«الصديق القديم» لبكين ثاني شريك اقتصادي لهافانا. واعلنت انها ستواصل «علاقات التعاون والصداقة» مع كوبا. وفي موسكو، اشاد زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف بـ«القرار الشجاع» الذي اتخذه كاسترو من اجل «مصلحة بلاده وشعبه». واضاف ان كاسترو «مسؤول سياسي عبقري رفع عاليا أعلام الحرية». وكان كاسترو قد اعلن عام 1961 الطابع الاشتراكي لثورته. وكان الاتحاد السوفياتي حينها أبرز مؤيديه. واعتبر شيمون بانيك، مدير المنظمة غير الحكومية، «بيبل إن نيد» التي تساعد المنشقين الكوبيين أن الرحيل القريب لكاسترو «سيكون شاهداً على تراجع النظام». غير انه رأى «انه من المحتمل ان يسعى راؤول الى تعزيز سلطته وإرساء قمع أشد».