كيف اخترق «المواطنون الصحافيون» الطوق الأمني في سورية؟

الصور الوحيدة لاغتيال عماد مغنية التقطها أناس عاديون بالهواتف الجوالة.. ونشرت عبر مواقع الإنترنت

موقع وكالة الأنباء السورية الرسمي يوم الحادث ركز على نشاط الرئيس الأسد ولم يذكر اغتيال المغنية إلا متأخرا
TT

كان الهاتف المحمول (الجوال) النجم الأبرز في الأسبوع الماضي خلال تغطية وقائع حدث اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله عماد مغنية. ففي حين غابت صور المحترفين عن شاشات التلفزة والصحف ومواقع وكالات الأنباء، كانت صور ملتقطة بهاتف محمول، نشرت في المواقع الالكترونية هي الصور الوحيدة للحادثة، مما ذكر بـ«نجاحات» من يسمون بـ«المواطنين الصحافيين» المشابهة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كان الفضل لمواطنين عاديين في التقاط الصور الوحيدة والأولى لكارثة تسونامي، واعتداءات الأنفاق في لندن يوم 7/7. ولعل المفارقة هنا هي انه فيما كان المراسلون غائبين عن موقع الحدث في مثالي تسونامي و7/7 فإن عددا كبيرا من مراسلي وسائل الإعلام العربية والدولية المعتمدين في دمشق ومراسلي وسائل الإعلام المحلية حضروا بكامل عدتهم وعتادهم في موقع الحدث بعد نصف ساعة من وقوعه، إلا أن «الطوق الأمني» حال دون بث صورة واحدة للسيارة المتفجرة، ما عدا الصور التي تم التقاطها بالهواتف النقالة، وأول صور نشرت بعد وقوع الحادث بساعات قليلة، تلك التي انفرد بها موقع (سيريا نيوز) الإخباري وتضمنت لقطة بعيدة للسيارة المحترقة وهي ترحل من المكان وصورة أخرى لتحطم زجاج نافذة منزل قريب من الحادث التقطت من الداخل.. وبعد يومين أظهرت قناة (العالم) الإيرانية مشاهد التقطت بالهاتف النقال بعد دقائق من وقوع الانفجار، دون ذكر المصور الذي التقطها أو مصدرها، وفي محاولة لمعرفة المصور نفى مصدر لـ «الشرق الأوسط» في مكتب قناة (العالم) بدمشق أن تكون الصور وصلت إلى القناة عن طريقه، مرجحا أن تكون قد وصلت عن طريق بيروت، إلا أن مصدرا آخر في مكتب بيروت نفى أيضاً لـ «الشرق الأوسط» علمه بمصدر الشريط الذي بثته القناة ونقلته عنه وسائل الإعلام الأخرى وقال «ربما وصلنا من طهران».

لا شك أن هذا التعامل المتكتم حيال مصدر الصور يعود للحساسية الأمنية العالية والدقيقة لهذا الحدث، إلا أن هذه الحساسية التي راحت تتكرس عالميا لمنع الإعلاميين من نقل الحدث بالصورة، كرست بالمقابل إعلاماً بديلا أبطاله من المواطنين العاديين والمواقع الالكترونية التي تفتح الباب على مصراعيه للمشاركة التفاعلية، ليصبح بإمكان كل حامل موبايل وكل مستخدم انترنت أن يكون مصدرا للمعلومة كشاهد عيان، وفي ظل تفشي سياسة الحذر التي تتبعها الأنظمة مع الإعلام قد يصبح شاهدا وحيدا.

إعلامي سوري، طلب عدم الكشف عن اسمه، برر لـ «الشرق الأوسط» الأسباب التي جعلت وكالة الأنباء الوطنية والتلفزيون الرسمي يتأخران في التعامل مع خبر اغتيال مغنية في دمشق، بالقول «إن مراسلي وسائل الإعلام الرسمي لم يغيبوا عن الحدث وكانوا أول الواصلين إلى الموقع، لكن حيال هكذا حدث خطير من عدة نواح وبالأخص الأمنية تجعل الاعتبارات المهنية في آخر سلم الأولويات، وهذا شأن سائر وسائل الإعلام الوطنية في العالم وليس فقط سورية، فالمسألة تتعلق بالأمن القومي وبأمن المواطن وكل معلومة تبث تراعي هذا الاعتبار قبل الاعتبار المهني».

ومع أن الإعلام السوري سجل في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا لجهة السرعة في التعاطي مع هذا النوع من الأحداث التي تجري على الساحة المحلية، إلا أن التعامل مع حدث اغتيال مغنية كان مختلفاً، فبعد أن بديء بالسماح للإعلام الرسمي بالاستئثار ببث الصور والأخبار أولاً ليكون مصدراً للمعلومات، تمت معاملته كغيره من الوسائل الإعلامية الخارجية، فحين جرى إحباط محاولة للهجوم على السفارة الأمريكية في دمشق في 13 سبتمبر 2006 سمح للتلفزيون السوري فقط بتصوير السيارة المفخخة وبثت بعد ساعات قليلة. وكذلك حصل قبلها لدى قيام قوات الامن بالتصدي لمجموعة ارهابية متطرفة في محيط مبنى التلفزيون في 2 يونيو 2006 التي قتل فيها أربعة من عناصر المجموعة وإصابة اثنين بجروح والقاء القبض على أربعة آخرين، حيث بثت سانا والتلفزيون السوري صورا للموقع وللأسلحة المصادرة، وغيرها العديد من الحوادث.. كان فيها السبق للوسائل الإعلامية الرسمية، ويمكن القول انها في هذا الحدث تنحت قليلا لتتقدم المواقع الالكترونية الإخبارية السورية، وكان أبرزها من حيث سرعة المتابعة موقع (سيريانيوز) الذي يعتمد في عمله على طاقم من المحررين والمراسلين والمتعاونين، واللافت أن المواقع الالكترونية الإخبارية المحترفة لا تستثني صور الموبايل من عناصر نقلها للحدث، وتعتبر هناء سلطان مديرة تحرير الموقع في حديث مع «الشرق الأوسط» أن لأجهزة المحمول دورا كبيرا خاصة فيما يخص متابعة الخبر العاجل لنجعل القارئ على تواصل دائم مع المستجدات، ففي مثل هذه الأحداث يكون القارئ مترقبا لكل جديد ومن واجبنا اطلاعه على ما نحصل عليه من معلومات أولا بأول. أما كيف تعامل الموقع مع حدث اغتيال مغنية تتابع سلطانة: «هناك إجراءات محددة للتعامل مع هكذا حدث، والصحافيون مدربون عليها تماما وهي ضمن السياسة التحريرية لـ (سيريانيوز) وتتلخص في التأكد من الأخبار من أكثر من مصدر منفصل أو من خلال نقل شهادة حية لأحد مراسلينا وقد بدأنا بنقل خبر الانفجار من خلال التأكد من مصدرين منفصلين ـ شهود عيان ـ وكنا في موقع الحدث حوالي أربعة مراسلين في اقل من نصف ساعة الأمر الذي مكننا من التقاط صورة للسيارة رغم الصعوبات التي واجهتنا في المكان، وكنا دائما على تواصل دائم مع غرفة التحرير وكان لدينا قصتنا الكاملة منشورة في الموقع في اقل من ساعة من تاريخ الانفجار»، وهذه ليست أول مرة يكون موقع (سيريانيوز) في المقدمة بتغطية الحدث، وسبق أن قام بنشر صور لحادث التفجير الانتحاري الذي وقع عند الحدود السورية ـ اللبنانية في (المصنع) العام الماضي، تتابع سلطانة «كنا أيضا هناك وصورنا أشلاء للانتحاري ومكان الانفجار وحققنا سبقاً مهماً».

لكن هل يمكن لهذا الإعلام البديل أن يحل مكان الإعلام الرسمي أو كبريات المؤسسات الإعلامية؟

الإعلامي السوري يقول: «يمكن أن يلعب هذا الإعلام دورا مهماً في ظل الانكشاف الفضائي وأنظمة الرصد المتطورة، لكنه لا يعوض عن الإعلامي الرسمي، الذي يعتبر في النهاية المعبر عن الموقف الرسمي والناقل للمعلومة الرسمية، ولا تزال المعلومات التي تبث في المواقع الإلكترونية بحاجة لتأكيد أو نفي المصادر الرسمية». هذا في إطار المعلومات أما في إطار الصورة فلا شك أنها لن تحتاج لشهادة مصداقية، وهو ما نبه السلطات إلى خطورة وجودها في الأماكن التي يمنع الإعلام من دخولها، وفي تقرير منظمة مراسلين بلا حدود الأخير لفت إلى أن أجهزة المحمول «هدف متنام بسبب قدرتها على التصوير، ولعل المثال الأبرز حول ذلك هو قيام الشركة في ميانمار بمصادرة الهواتف التي كانت تستخدم في نقل الصور للإعلام في الخريف الماضي».

السلطات السورية ليست بمنأى عن هذه الإجراءات، حيث أفاد زملاء إعلاميون في موقع الحدث بحي كفرسوسة أنه طلب منهم وقف التصوير بالكاميرات وفي البداية تم منع حتى أجهزة المحمول التي شوهد أصحابها يصورون بها. إلا أن منع استخدام المحمول وإن كان في الساعة الأولى فقط لم يتمكن من منع سكان المنازل من التقاط صور لما يجري فوراً، ومن المرجح أو ربما من المؤكد أن يكون أحدهم مصدر المشاهد التي بثتها قناة العالم للسيارة وهي تحترق قبل وصول السلطات ورجال الطوارئ.