جندي أميركي يستريح في خندق أفغاني.. أفضل صور 2007 الصحافية

«وورلد بريس فوتو» تخالف توقعات النقاد باختياراتها هذا العام

صورة العام: جندي مرهق في خندق في افغانستان
TT

كعادتها كل عام في شهر فبراير (شباط)، قدمت منظمة الـ«وورلد بريس فوتو» أو «الصورة الصحافية العالمية»، ومركزها امستردام، جوائزها لأفضل صور صحافية للعام المنصرم 2007، حيث كانت أحداث العام الكبيرة، من اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو الى اعمال العنف في كينيا، ومن الحرب في افغانستان إلى العراق ودارفور، ممثلة في الصور الفائزة.

ومنظمة الـ«وورلد بريس فوتو» هي منشأة هولندية ولدت في العام 1955 ويرعاها الآن الأمير قنسطنطين، أحد أولاد ملكة هولندا بياتريكس، وهذه المنشأة المستقلة تتلقى دعماً مالياً من شركات خاصة وأخرى من الحكومة الهولندية، التي تمولها عبر أرباح اليانصيب الهولندي، وتعنى بدعم وتطوير التصوير الصحافي في العالم، كما تهدف الى التعريف بالتصوير الصحافي في العالم، وتحسين اداء ومستوى المصورين الصحافيين في الدول النامية. وهي تنظم كل سنة جوائز العام التي تتلقى صور من كل انحاء العالم لتختار منها افضلها، وتنظم فيما بعد معارض تتجول في القارات الخمسة لتعرف عن المنشأة وعن التصوير الصحافي.

وفي هذا العام تلقت المنشأة 80536 صورة من 5019 مصور صحافي في 125 دولة، وهو رقم قياسي يشكل زيادة بنحو 12 في المائة لما أرسل للمنشأة العام 2006.

وقد اختارت لجنة التحكيم من هذه الصور ما تعتبره «افضل الصور الصحافية»، كما اختارت ضمن هذه الصور صورة واحدة تعتبر «صورة العام 2007» وكانت هذا العام من نصيب المصور البريطاني تيم هذرنغتون الذي التقطها في سبتمبر (ايلول) 2007 وهي تظهر جندى اميركي يستريح في خندق في «ريستريبو» التابع للكتيبه الثانية المجولقة التابعة للمشاة الاميركية في وادي كورنغال في شرق افغانستان. المصور البريطاني كان في افغانستان لحساب مجلة «فانيتي فاير» الشهرية الاميركية. والصورة التي طغى عليها لون الكاكي او الاخضر العسكري تجد فيها الى اليسار فقط بقعا من لون اللحم البشري فهي ذراع الجندي ووجهه وقد ظهرت على هذا الوجه معالم الرعب والتعب... وقد علق رئيس لجنة التحكيم غاري نايت قائلاً: «هذه الصورة تمثل استنفاد رجل.. واستنفاد أمة»، وأضاف «نحن جميعا لنا علاقة بهذا الوضع. انها صورة رجل في نهاية طريق».

وقد انتقد البعض اختيار هذه الصورة لأن الـ«وورلد بريس فوتو» غالباً ما تختار صورا لضحايا الحروب من مشردين ولاجئين وناس فقدوا ذويهم، لكن صورة هذا العام تبدو لجندي محتل على أرض أجنبية، اي انه اقرب الى الـ«جلاد» وليس تماماً بمعنى «الضحية»، ولكن على الاغلب فان لجنة التحكيم ارادت ابراز الانسان المتواجد دائماً تحت لباس وعتاد الجندي، فيبدو هنا منهاراً ومنهكاً وخائفاً، وحسب تعبير غاري نايت رئيس لجنة التحكيم فقد تكون كل الولايات المتحدة بل كل الدول الغربية ورأيها العام الذي بات منهكاً وخائفاً من الوضع في افغانستان والعراق ومن هذه الحرب التي تبدو لا نهاية لها... ومن هذه النظرة يبدو الجندي الاميركي المنهك كضحية هو ايضاً لنظام حرب يدوم الآن منذ ست سنوات بلا نتائج واضحة وبلا أهداف.

وبالنظر إلى بقية الصور الفائزة يظهر ان حصاد أو خيار صور هذا العام ليس مقنعا أبداً، فهنالك مثلاً صورة للمصور الاميركي جون موور للحظة اغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بي نظير بوتو، ولكن الصورة غير واضحة أبداً ولا تحمل اية معلومة عن المكان أو الزمان أو الحدث، بينما هذا هو تماما ما يُطلَب من المصور الصحافي: حمل ونقل المعلومة والخبر. ومن الواضح ان ما أرادت اللجنة تكريمه هنا هو جرأة المصور الذي لازال يلتقط الصور وهو على بعد امتار فقط من الانفجار العنيف، اي انه في قلب الصراخ والضجيج والفوضى والعنف وهذا هو المدهش واللافت للنظر وليس جودة الصورة بذاتها.

كما استغرب الكثير اختيار صورة للمصور الاميركي ستانلي غرين تمثل «مخطط هجوم رُسِمَ في الرمل على الحدود بين تشاد والسودان» والصورة غريبة جداً تبدو قريبة الى رسوم الانكا في امريكا الوسطى او الى اي شيء آخر، ولكن ليس لمخطط هجوم حربي، فهنا أيضاً لم يفهم الحضور تماماً اسباب اختيار لجنة التحكيم الذي يبدو قريبا الى «جمال الصورة» ولكن بشكل سوريالي بعيد كل البعد عن الواقع وعن آلام ضحايا الحرب في دارفور. وهنا أيضاً يفاجئ هذا الخيار فعلا الصورة الصحافية والتعبير عن حالة ما بشكل جميل وواقعي وليس فقط من باب الجمال التصويري الفاقع.

وقد استغرب الحضور أيضاً فوز صورة المصور الصحافي الاسرائيلي جوناثان فايتزمان التي تُظهِر «فستان فتاة أفريقية عالق على سور على الحدود الاسرائيلية المصرية»... طبعاً اعجب الحضور الاهتمام بالحدود وبالاسوار والجدران التي تسمم حياة البشر وتمنعهم من التواصل والتقارب، وان فستان الطفلة الصغيرة المعلق على هذا السور يعبّر عن الكثير: براءة الطفولة ضد ظلم السور والحدود، حرية الفستان الابيض ضد ظلام الاسلاك الشائكة. ولكن من هي الطفلة التي كانت تعبر هذه الحدود؟ ومن أين والى اين؟ ولماذا الاشارة في التعليق عن الصورة الى ان الفستان هو لـ«فتاة افريقية»؟ من هم الافارقة الذين يعبرون سراً الحدود الاسرائيلية-المصرية؟ وماذا لو كان هذا الفستان لبنت صغيرة فلسطينية؟ فالفلسطينيون هم المعنيون بالدرجة الاولى بالجدران وبالاسوار وبالاسلاك الشائكة الاسرائيلية وهم الذين يقضون عمرهم بين الحواجز والتحويلات على الطرقات فهل هذا الظلم اليومي هو ما أراد التعبير عنه المصور الصحافي؟ إذا كان كذلك، فنتساءل لماذا أضاف عبارة «أفريقية» لعنوان صورته بينما الانسانية كانت تفرض ان يعنونها «فستان فتاة عالق على سور على الحدود الاسرائيلية المصرية»... بدون اي اشارة الى اصل الفتاة الذي لا يغيّر شيئا بالنسبة لفهم الصورة والموضوع. أخيراً استوقفت الحضور صورة مدهشة في جمالها مع أنها أيضاً سوريالية وبعيدة عن الواقع الى حد ما، وهي صورة لمقاتل من حزب العمال الكردي التقطها المصور السويسري فيليب دودوي. والصورة رائعة في جمالها يظهر فيها المقاتل الكردي ضمن اشجار غابات شمال العراق فيبدو وكأنه جزء من الغابة وواحد من اشجارها. وقف في وسط الصورة في إضاءة مثالية ينظر بشكل حاد للمصور فأخذت الصورة تعبيرا ومعنى آخر: المقاتل والسلاح والعنف جزء لا يتجزاء من الطبيعة في الشرق الاوسط... وهذه بالفعل الرؤية التي نجدها لدى الرأي العام في عدد من الدول الصناعية والتي لا تعرف أو لا ترى من الشرق الاوسط إلا نزاعاته وعنفه ومقاتليه الذين يتأقلمون بهذا الشكل الجميل جداً في هذه الصورة الفائزة.

العديد من الصور تستحق ان ننظر إليها بشكل مطوّل مثل الصورة التي التقطها البريطاني بلاتون لمجلة «تايم ماغازين» الاسبوعية الاميركية وهي «بورتريه» او صورة شخصية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقد بدا فيها ذا ملامح وسيمة ولطيفة وذا بسمة غامضة وبساطة بعيدة عن سمعته العنيفة والبشعة... وكانت الصورة بمناسبة اختيار بوتين كـ«شخصية العام 2007» لتايم ماغازين وأيضاً نعود مجدداً للسؤال الاول الذي طرح عند مراجعة جوائز هذا العام: إذا كانت الصورة بعيدة جداً عن الحقيقة فهل لازالت صورة «صحافية»؟ أم انها اصبحت تعبيرا فنيا جميلا لموقف ما أو لشخصية ما، قررت المجلات والجرائد استعماله؟