نراجيل الأوكسجين تتسلل إلى باريس بعد طرد الشيشة منها

دشنها «بياع الرؤساء» الذي قام بدور «الخاطبة» بين كارلا وساركوزي

أحد مقاهي الاوكسجين في العاصمة الفرنسية باريس (أ. ف. ب)
TT

بعد أن رأت النور في كندا، وصلت «مقاهي الأُوكسجين» الى العاصمة الفرنسية باريس. وكما يدل عليها الاسم، فإن هذه الأماكن لا تكتفي بتقديم الطعام والشراب فحسب بل تتيح للزبون المرهق من يوم عمل شاق ومن زحام المواصلات وتلوث البيئة، أن يملأ صدره بتنشق هواء نقي يحتوي على نسبة 95 في المائة من الأُوكسجين.

وهنا لا بد من القول إن معدل نسبة هذا الغاز في أجواء المطاعم والمقاهي في المدن الكبرى لا تزيد على 21 في المائة، وهي قد تنخفض عن هذا الحد في أوقات الحر الشديد وارتفاع معدلات التلوث. وحسب وكيل الشركة التي تسوق مضخات الأُوكسجين في فرنسا، فإن الزبون يشعر بالراحة عندما «ينظف صدره» من الدخان وجسمه من السموم بواسطة استنشاق الأُوكسجين الخالص من أنابيب خاصة تشبه تلك المستعملة في المستشفيات لعلاج ضيق التنفس. وتتصل المضخات بـ«خراطيم» من البلاستيك توضع في الأنف مباشرة، على غرار «خراطيم» الشيشة التي توضع في الفم. لكن هناك من الزبائن من يفضل أن يستنشق الأُوكسجين معبأ في كرات زجاجية صغيرة ومخلوطاً بسوائل ملونة وبزيوت طبيعية ذات روائح نباتية منعشة. وتستغرق عملية «الشم» عشر دقائق، على الأقل، لكي تؤتي مفعولها.

«إنها أول شمة قانونية». هذا ما صرح به خبير الدعاية جاك سيغيلا لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يدعو نخبة المجتمع الباريسي، الشهر الماضي، الى تدشين أول «مقهى للأُوكسجين» في العاصمة الفرنسية، يقع في معهد التجميل الذي تملكه زوجته قرب جادة «الشانزليزيه». وللتذكير، فإن سيغيلا هو «رجل الصرعات» بلا منازع. وهو الذي أضاف الى وظيفته الاعلامية مهنة «الخاطبة» عندما سعى لتعريف الرئيس نيكولا ساركوزي على عارضة الأزياء السابقة كارلا بروني، الأمر الذي أسفر عن جمع رأسين في الحلال.

وبنى سيغيلا شهرته كخبير إعلامي عندما نجح، في ثمانينات القرن الماضي، في إدارة الحملة الانتخابية للرئيس الأسبق فرانسوا ميتيران. وبفضل ذلك النجاح نقل من الولايات المتحدة الى فرنسا علم «التسويق السياسي». وتكاثرت على سيغيلا الطلبات من سياسيين في أفريقيا وأميركا اللاتينية لتنظيم حملاتهم الرئاسية بحيث صار لقبه «بائع الرؤساء». ويرى الرجل الموهوب في العلاقات العامة أن اسلوب بيع مرشح سياسي الى جمهور الناخبين لا يختلف عن بيع مسحوق غسيل الى ربات البيوت.

هذه المرة نقل سيغيلا الى باريس موضة نراجيل الأُوكسجين بعد أن شاهدها في مدن صناعية عديدة. فقبل أكثر من عشر سنوات، افتتحت بطلة سابقة للتزلج أول حانة للأُوكسجين في مدينة تورونتو في كندا. وسرعان ما انتقلت الفكرة الى كاليفورنيا، الولاية الأميركية التي يتركز فيها الأثرياء ونجوم هوليوود الباحثون عن كل ما من شأنه الحفاظ على الصحة وتحسين المظهر وتأخير الشيخوخة، حتى ولو كان وهماً. وانتشرت هذه المقاهي، بعد ذلك، في لاس فيغاس وطوكيو والعاصمة المكسيكية، باعتبارها من أكثر الأماكن تلوثاً. بل وصلت الفكرة، بشكل محدود، الى بريطانيا وإيطاليا.

اختار سيغيلا لسوائله المعبأة بالغاز النقي أسماء تغري للتجربة مثل «نعومة»، «نشوة»، و«أمير الشرق». ويفترض أن تنشقها يساعد على طرد التعب والتوتر العصبي. ودعا الى حفل التدشين عدداً من أصدقائه الوزراء الحاليين والسابقين. وشوهد وزير العمل إكزافييه برتران وهو يستنشق أحدها ويعرب عن إعجابه بالتجربة. أما وزير الثقافة السابق لوك فيري فكان شديد الحماسة وهو يشم خليطاً يحمل اسم «تخيلات». لكن القطب الاشتراكي جاك لانغ رأى أن ألوان السوائل جميلة لكن المسألة كلها تقوم على التأثير النفسي. بينما أصاب الكاتب والفيلسوف غونزاغ سان بري بقوله إن من اللطيف أن «يشمّ» المرء بالمعنى الايجابي لأن هناك الكثيرين ممن يدمرون أنفسهم بالشمّ. ما رأي النساء بهذه التجربة؟ إحداهن قالت إن الخليط يفتح الممرات التنفسية في الأنف. لكن الفكرة الشائعة لدى الغالبية هي ان النشوق النقي يفيد البشرة ويخفف التجاعيد ويقضي على التوتر. وهو أمر ما زالت السلطات الصحية تدرسه قبل أن تتخذ رأياً في الموضوع. وحسب المواصفات الطبية المعمول بها في فرنسا فإن الأُوكسجين النقي بنسبة 99.5 في المائة هو دواء من الأدوية، وبالتالي لا يجوز وصفه إلا تحت اشراف طبي للمرضى الذين يعانون من قصور في الجهاز التنفسي.

ورغم الطنة والرنة اللتين أحاطتا بتدشين المكان، فإنه ليس أول «مقهى للأُوكسجين» من نوعه في فرنسا، فهناك سوابق في منتجع «سان تروبيه» على الشاطئ الجنوبي، وفي ستراسبورغ على الحدود الشرقية، وفي كازينو «دوفيل»، البلدة السياحية الجميلة الواقعة على الشاطئ الشمالي. بل دخلت «نراجيل الأُوكسجين» الى بعض السهرات الخاصة. لكن السلطات الصحية ما زالت حذرة في التعامل مع هذه الظاهرة لأن استنشاق الغاز النقي بنسب عالية ولفترات طويلة تزيد على الست ساعات، يشكل خطراً على الرئتين وعلى الجهاز العصبي المركزي. فهل ينعدم الضرر في حالات الشمّ الوجيز؟ وماذا عن خلاصات الزيوت التي يخلط بها الأُوكسجين؟ ألا يضر تنشقها بالصحة؟ الجواب يتوقف على نوع الزيت ودرجة تركيزه ومكان تسربه الى الجسم. لذلك دعت الوكالة الفرنسية للأدوية الى الحذر إزاء بعض النكهات التي يزعمون أنها تزيل الصداع أو تعالج الرشح. وهو الحذر نفسه الذي تواجه به الوكالة الأميركية للأدوية انتشار مقاهي الأُوكسجين، وبالأخص ضررها على الأشخاص الذين يعانون من الحساسية.