السعودية: مشاريع طموحة للربط الحديدي قد تغير خارطة النقل في المملكة

الحكومة تدخلت لتمويل قطار مكة ـ المدينة ـ جدة.. وتلزيم مشروع الجسر البري قريبا

مشاريع الربط الحديدي تفتح بين المدن والمناطق آفاقا واسعة لقطاع النقل في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

تتوقع دراسات سعودية أولية أعدت حول المشاريع التوسعية التي تنفذها المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، أن يبلغ عدد المسافرين عند اكتمال اثنين من هذه المشاريع في العام 2012 ما يقارب الـ10 ملايين راكب.

كما تتوقع الدراسات أن ينقل الجسر البري الذي يربط شرق البلاد بغربها 2.5 مليون راكب عند اكتمال المشروع، في حين سيكون عدد الركاب على قطار مكة المدينة جدة 7 ملايين راكب جلهم من زوار المشاعر المقدسة في فترات الحج ومواسم العمرة. وتشير التوقعات إلى نمو في عدد زوار المشاعر المقدسة خلال العشرين سنة القادمة ليصل إلى 20 مليون زائر. يشار إلى أن المؤسسة نقلت عبر خطها الوحيد الذي يربط مدينتي الدمام والرياض 1.7 مليون راكب في العام المنصرم.

وفي جانب الشحن تشير الدراسات إلى أنه بحلول العام 2015 سيحقق مشروع الجسر البري في مجال الشحن نقل أكثر من 700 ألف حاوية نمطية أي ما مجموعه ثمانية ملايين طن من المشحونات ستتدفق إلى أسواق السعودية والدول المجاورة، يذكر أن المؤسسة حققت خلال عام 2007 نقل ما يقارب من 348 الف حاوية.

من جانب آخر ذكر اقتصاديون سعوديون أن المشاريع التوسعية التي تقوم بها الحكومة السعودية في مجال سكك الحديد، كان يجب أن تنجز في أوقات سابقة، مشددين أن هذه المشاريع تندرج تحت ما يسمى بالبنى التحتية التي من شأنها أن توفر فرص تنموية أكبر وأسرع لكثير من المناطق التي تمر بها.

وفي هذا السياق قال رجل الأعمال عبد الرحمن العطيشان (يدير شركة متخصصة في النقل الثقيل) أن هذه المشاريع ليست مجدية بالمعني الربحي المباشر. كما اشار الاقتصاديون الى انه يجب إلا ينظر لها بهذه النظرة وإلا ستفشل عندما تحسب بمفهوم الربح والخسارة، 90 في المائة من المشاريع الخدمية في العام غير مربحة اقتصادياً لأنها لا تدر دخلاً يوازي النفقات التي تصرف على هذه المشاريع.

وأضاف ان في السعودية 120 الف شاحنة نقل من النوع الثقيل، تصرف مليارات من الدولارات سنوياً على مسألة الصيانة، هذه المبالغ يمكن أن توفر في المملكة في حالة أقيمت مشاريع كبيرة كمشروع الجسر البري.

وطرح العطيشان تصورا آخر لأهمية هذين المشروعين قائلاً: لكن لنأخذ مشروع القطار الذي يربط المنطقة الشرقية بالرياض، حيث ينقل ما يقارب من 955 حاوية يومياً، هذا العدد من الحاويات يحتاج إلى 955 شاحنة لنقله إلى مدينة الرياض.

وتسائل في هذا الجانب: كم حادث سير سيقع عند تسيير هذا العدد، وكم سيكون عدد الوفيات في هذه الحوادث، وكم ستكون نسب التلوث البيئي، بالإضافة إلى كميات الوقود التي ستستهلك على هذا الطريق، وكم تبلغ صيانة الطرق، بمعنى آخر سيكون الفاقد الاقتصادي كبيرا جداً، لكن عند استخدام القطار تنخفض كل هذه التكاليف إلى الربع، عندما تحسب كسلة واحد، بهذا الحساب تصبح هذه المشاريع ملحة وضرورية ومهمة.

من جانبه ذكر الدكتور إحسان ابو حليقة الخبير الاقتصادي المعروف، أن هذه المشاريع كانت مطروحة في السابق، من أجل ربط المناطق المختلفة ببعضها، حيث كان يرى ضرورة ربط شرق السعودية بغربها بواسطة مشروع «سكة حديد»، إلا أن هذا المشروع لم يتحقق حينها لأسباب قد تكون اقتصادية، حيث توقف المشروع عندما تم ربط المنطقة الشرقية بالعاصمة الرياض. وأشار ابو حليقة إلى أن هذه المشاريع وسيلة للربط الأمني والاقتصادي بين هذه المناطق، لأن لهذه المشاريع سيكون لها محطات في كل منطقة التي ستمر بها، فهي ستنشط هذه المناطق بشكل أكبر.

وأضاف: يجب أن يؤخذ في الاعتبار أننا مجتمع نام، وتحت هذا العنوان يجب تبني مشاريع كبيرة، في مجال السكك الحديدية التي تخدم بشكل كبير مراحل التنمية المختلفة، مبينا ان المشاريع الحالية التي يتوقع تنفيذها، جرى حولها حديث طويل خلال السنوات الماضية، وبعد ذلك سادت وجهة النظر الصحيحة بتبني إنشائها ومساهمة الحكومة في ذلك، وهو توجه لتوظيف أموال الخزانة العامة لإنجاز مشاريع تأخر إنجازها لعدة عقود.

وشدد ابو حليقه أن العائد من هذه المشاريع الكبيرة تنموي وليست ماليا، لأن المهم عند بناء هذه المشاريع هو العائد التنموي، لأن الحكومات عندما تتبنى هذه المشاريع لا تنظر للعائد المادي مثلما هو الحال في القطاع الخاص. وبنهاية العام 2012 تقفز أطوال السكك الحديدية في السعودية بما يقارب الثلاثة أضعاف حيث سيبلغ 3500 كم، أحدهما قطار مخصص للشحن يعمل بالديزل والثاني قطار مكة المدينة جدة الكهربائي، الذي تم تخصيصه للركاب، بالإضافة إلى مشرع قطار الشمال الجنوبي الذي بدأ تنفيذه من قبل الهيئة العامة للاسثتمارات في ابريل الماضي بتكلفة تصل إلى 7.1 مليارات ريال بطول يصل إلى 1765 كم. وكان قد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قراراً يقضي بتمويل مشروع قطار مكة المدينة جدة والذي سيمر بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في مدينة رابغ، من صندوق الاستثمارات العامة ومشاركة عدد من الصناديق السعودية المتخصصة، لتبدأ الأعمال الإنشائية الأولية للمشروع قبل نهاية العام الحالي، حيث يتوقع أن ينتهي العمل من المشروع بنهاية العام 2012.

وأوضح المهندس عبد العزيز الحقيل الرئيس العام لمؤسسة الخطوط الحديدية، أنه لم تجر دراسات حقيقية وميدانية تضع بشكل تفصيلي النمو المتوقع في الأعداد سنوياً حول عدد الركاب المتوقع خدمتهم في هذا المشروع، وقال إن التوجه الجديد لتنفيذ المشروع سيحتم على المؤسسة إجراء دراسات مسحية، بالاعتماد على أرقام الأعداد التي تتوفر لدى شركة النقل البري واحصاءات المطوفين والدراسات التي أجراها معهد أبحاث الحج بهذا الخصوص. ويشمل المشروع إنشاء خطين حديديين كهربائيين، وذلك من خلال توفير قطارات سريعة بأحدث التقنيات العالمية إضافة إلى التجهيزات الأخرى التي تجمع بين الضرورة والترفيه والمتعة العالية، لربط منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة بطول يزيد عن 570 كلم مجهزة بأنظمة إشارات واتصالات حديثة.

ويتضمن المشروع إنشاء ست محطات ركاب منها محطتان في وسط مدينة جدة والثانية في مطار جدة الدولي، إلى جانب محطة في المدينة المنورة ومحطتين في مكة المكرمة، ومحطة سادسة في رابغ التي ستخصص لخدمة مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

من القريات إلى رأس الزور على شاطئ الخليج العربي، التي تشيدها شركة التعدين العربية السعودية «معادن» لتستقبل خامات المعادن من حقول التعدين في الشمال، كما سربط المشروع بـ مشروع الجسر البري عبر مدينة الرياض.

وبين الحقيل أن محطة المشروع في المدينة لن تكون محطة قطار الحجاز القديم، والتي تم ضمها إلى مشروعة مدينة المعرفة، مشيراً إلى أن المشروع سينشئ محطة حديثة داخل محيط المدينة المنورة لخدمة زوار المسجد النبوي الشريف.

وسيصمم المشروع كما أكد الحقيل لـ«الشرق الأوسط»، لتسيير قطار كل ساعتين بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتسيير قطار كل نصف ساعة بين مدينة جدة ومكة المكرمة، وسيرتفع عدد الرحلات بين مدينة جدة ومكة المكرمة خلال مواسم الحج والعمرة إلى رحلة كل خمس دقائق. وأكد المهندس عبد العزيز الحقيل لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة السعودية حسمت أمر نزع الملكيات التي ستقام عليها مشاريع السكك الحديدية التي تعمل المؤسسة على تنفيذها لربط مختلف المناطق السعودية، سواء الجسر البري، وكذلك مشروع قطار مكة المدينة جدة السريع، إضافة إلى المشاريع المستقبلية مثل مشروع قطار الجنوب.

وأضاف الحقيل أن الحكومة السعودية شكلت لجانا تتولى هذه القضية تتولى كافة إشكالات الملكية على طول مسارات المشاريع، وستدفع تعويضات الملكيات المنزوعة من خزينة الدولة، وشدد على أن مسألة الملكيات الخاصة التي تقع ضمن نطاق المشاريع، لن تكون معضلة أمام المستثمرين.

الجسر البري الذي تنوي المؤسسة ترسيته في شهر مايو (أيار) المقبل، لربط ميناءي الجبيل والدمام على الخليج العربي بميناء جدة الإسلامي على البحر الأحمر بطول يصل إلى 1165 كم، سيكون من الخطوط التقليدية، حيث ستكون القطارات التي تعمل عليه، تستهلك وقود الديزل، وسيكون المشروع عبارة عن خط حديدي واحد، به محطات تخزين تتوقف فيها القطارات أثناء الرحلات، لتنظيم الحركة على الخط.

وأضاف الحقيل انه سيكون للمشروع تأثير كبير على مسارات النقل في المنطقة نظراً للموقع الجغرافي والاستراتيجي المتميز للسعودية، وسوف يخدم الجسر البضائع الواردة من أسواق شرق آسيا عموماً عبر ميناء الملك عبد العزيز بالدمام وأسواق أوروبا وأميركا الشمالية عبر ميناء جدة الإسلامي، ويعني ذلك جذب المزيد من التجارة العابرة وتحقيق وفورات في اقتصادات النقل في المنطقة.

وتشير التوقعات إلى وصول أعداد الحاويات المتداولة على الجسر البري في عام، وأضاف الحقيل يمكن: أن يقام مشروع لربط مدينة الجبيل برأس الزور وربط مشروع الشمال بالسكك الحديدية في الأردن، وسيمكن عبر هذه المشاريع نقل منتجات سابك إلى أوروبا عبر القطارات.