متى يعطي العالم للنفط قدره..؟!

سـعود الأحمد

TT

منذ أن اكتشف الإنسان النفط واستخرجه بكميات تجارية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1858 وإلى يومنا الحاضر والأحداث تبرهن على عدم اكتراث معظم دول العالم بمصلحة الأجيال القادمة. فمما تعقده وكالة الطاقة الدولية وبقية المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية المعنية من لقاءات ومؤتمرات، وحتى في ما تتناوله مؤلفات معظم الباحثين الأكاديميين وكتاب المقالات... نلاحظ أن التركيز هو على مستوى الأسعار وأدوات ميكانيكية العرض والطلب فقط في توجه منبعه فلسفة براغماتية آنية بحتة، منصبة نحو الضغط على الدول المنتجة لتزيد من إنتاجها لمواجهة الطلب المتزايد. مما يدعو هذه الدول للاستجابة لمطاردة رغبات عالمية لم يأت من يقيم ماهيتها وجدواها. لدرجة أنه في تصريح لوزير النفط والثروة المعدنية السعودي، ذكر فيه أن السعودية تنتج (9.2) مليون برميل من النفط يومياً، وهو ما يزيد على حصتها الرسمية في أوبك بنحو (300) ألف برميل يومياً. وبحسب ما أعلنه نائب رئيس شركة آرامكو، ينتظر أن يصل إنتاج السعودية بنهاية عام 2008 إلى (12) مليون برميل يومياً. في وقت يتذمر العالم من ارتفاع الأسعار بالأسواق العالمية، وهو ارتفاع تقوده وتتحكم فيه مصالح ملتيمليارديرات مضاربي الطاقة بفعل وتفعيل التوترات والأحداث الجيوسياسية... مما دفع بسعر النفط ليواصل قفزاته من (25) دولارا، إلى أن بدأ يبحر في محيط المائة دولار الثانية! كل ذلك مع غياب العقلانية في تقدير الحاجة الفعلية للاستهلاك العالمي المرشد من النفط.

والذي يدعو للاستغراب أننا لا نسمع عن أصوات تنادي، أو جهود تتضافر للمطالبة بوضع مبادئ ترشيد استهلاك النفط والالتزام بها.. بوازع مراعاة مصلحة الأجيال القادمة. سواءً من قبل مؤسسة دولية أو محلية حكومية أو خيرية، ممن يعول عليها رعاية مصير وفرة الطاقة للأجيال القادمة. وماذا ستكون مشاعرهم نحونا، إذا نضب مخزون العالم من النفط، وعرفوا كيف كنا نسرف في استخدامه.

فمعظم الدراسات تفيد أن النفط من سماته أنه ثروة ناضبة، وأن المخزون الحالي الذي نستهلك منه، إنما وجد بتراكم على مدى ملايين السنين. وأنه بالمقابل يوجد إسراف عالمي في العصر الحاضر في استهلاك الثروة النفطية.

ففي غالبية دول العالم تجد النفط يباع للمستهلك الأخير (أي بعد استخراجه وتكريره ونقله وتوزيعه) بسعر أرخص من سعر الكولا والماء! مع أننا ندرك جيداً فرق الماء عن النفط من حيث كمية توفره على ظهر البسيطة ومقادير منافعه. كذلك من حيث تكلفة استخراجه ونقله وتكلفة تخزينه وتوزيعه. ومع هذا كل الجهود مركزة على تكثيف الجهود للضغط على المنتجين لزيادة الإنتاج والتوجه نحو إغراق أسواق النفط العالمية. وفي الدول التي تتحمل فيها الحكومة جزءاً من تكلفة البنزين المستخدم كوقود للسيارات، فالذي يحصل أن البعض لم يعد يُفكر في ترشيد أستهلاكه. بل أن من المشاهد في الشوارع من يقتني سيارات ذات دفع رباعي ليستخدمها بمفرده للأستعمال العادي. وأكثر من ذلك أن البعض بدأ في استيراد السيارات الجديدة والمستخدمة من الدول ذات التكلفة الوقودية العالية لكونها تباع هناك رخيصة، ليستخدمها في الدول المخفضة فيها أسعار الوقود، كالسعودية وغيرها!. في الوقت الذي يعيش العالم فيه شحاً وفي بعض الدول مجاعةً نفطية، بسبب إرتفاع تكاليفه!.

ولعل ما فاقم المشكلة أن الدول النفطية ليست من بين الدول الراسمة للسياسة العالمية. كون نسبة (70%) من احتياطيات النفط ونسبة (38%) من الغاز الطبيعي متوفرة في المنطقة التي تضم دول الخليج العربية وجنوب تركيا وغرب إيران. وعلى الرغم من بعد هذه الحقول النفطية عن الاضطرابات الجيولوجية وبعدها عن الأعاصير. إلا أنها مبتلاة بالاضطرابات السياسية.

* كاتب ومحلل مالي