«الحرب والقرار».. أول شهادة من البنتاغون حول قرار الحرب على العراق

مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق ألقى باللوم على وزارة الخارجية والاستخبارات في أخطاء ما بعد الغزو

ضابط أميركي يلعب كرة القدم مع صبية عراقيين في قرية جنوب بغداد أمس (أ.ب)
TT

في أول شهادة من داخل البنتاغون حول قرار الأخير بخوض الحرب ضد العراق، وجه مسؤول سابق نقدا حادا لوزير الخارجية السابق كولن باول ووكالة الاستخبارات المركزية والجنرال المتقاعد تومي فرانكس ورئيس الإدارة المدنية للاحتلال في العراق بول بريمر بسبب سوء إدارتهم للغزو وما ترتب عليه من احتلال للعراق. ويرسم دوغلاس فيث في كتاب لتصفية الحسابات صورة لأجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية ظلت باستمرار تقوض الخطط التي طورها باعتباره مساعدا لوزير الدفاع للسياسات، وظلت تلك المؤسسات تتآمر لتقليص سياسات الرئيس الاميركي جورج بوش. ومن بين الكشوف التي أوضحها فيث في كتابه «الحرب والقرار» والذي من المتوقع صدوره في الشهر المقبل، إعلان بوش في 18 ديسمبر 2002 ضمن اجتماع لمجلس الأمن القومي بأن «الحرب لا مفر منها». وجاء ذلك التصريح قبل أسابيع من قيام مفتشي الأسلحة الدوليين من تقديم ما اكتشفوه في العراق وقبل أشهر من إصدار بوش إنذارا للرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقال فيث الذي كتب ملاحظات حول ذلك الاجتماع بأنه «تعليق خطير».

وعلى الرغم من اعترافه «بالأخطاء الكبيرة» في المعلومات الاستخباراتية وفي السياسة والخطط الميدانية المتعلقة بالغزو، فإن فيث يلومهم على أمور أخرى خارج البنتاغون. وأشار إلى أنه «حتى أفضل تحقيق» لا يمكنه تجنب كل المشاكل في وقت الحرب. وبينما قال إن قرار غزو العراق كان صائبا، فإنه يجد التنفيذ في خلق حكومة مستقرة وقابلة للبقاء فقيرا جدا «وناقصا بشكل مروع».

يقول فيث في كتابه إن باول رسم صورة علنية لنفسه بأنه من الحمائم، لكنه بالقدر الذي قلل من شأن ودرجة التهديد العراقي وإن لم يعبر قط عن معارضته للغزو. في الوقت نفسه فإن بريمر تسبب في إلحاق أذى أكبر بالعراق من أي شيء نافع قام به هناك. واتهم فيث الجنرال المتقاعد فرانكس بأنه لم يكن مهتما بالخطط ما بعد الحرب، وذكر فيث أن كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي لبوش خلال فترة عمل فيث، قد فشلت في مهمتها الأولية في التنسيق بين أجزاء السياسة المعنية بالحرب.

وفيث الذي ترك الإدارة في منتصف عام 2005 يعمل حاليا في جامعة جورج تاون. وكان موضع تحقيق في أوائل السنة الماضية من قبل الجنرال العام في البنتاغون لتقييماته الاستخباراتية ما قبل الحرب والتي ربطت ما بين العراق و«القاعدة». واعتبرت تقاريره انها «لا تتماشى» مع تلك التي صدرت عن اجهزة الاستخبارات واعتبرت «غير مناسبة» لكنها لم تكن «غير شرعية». وفي كتابه دافع فيث عن النشاطات الاستخباراتية التي قام بها البنتاغون على أساس أن سي آي ايه كانت «مسيَّسة» عن طريق تجاهلها للأدلة في تقاريرها التي تشير إلى وجود أواصر ما بين صدام حسين والإرهابيين الدوليين.

وعلى الرغم من حجمه الكبير فان الكتاب لا يعالج بعض الحقائق الأساسية للحرب مثل الشك الواسع النطاق داخل قمة الجيش الأميركي حول غزو العراق، حيث جادل بعض الجنرالات من أن القيام بذلك يمكن أن يصرف الأنظار عن الحرب ضد الارهابيين العالميين. ولا يناقش فيث تأكيد زميله بول وولفويتز، مهندس الحرب الذي كان مساعدا لوزير الدفاع، من أن العراق سيكون قادرا على تسديد تكاليف اعادة الاعمار اعتمادا على ايرادات النفط.

ومما يثير الدهشة أن فيث لا يقول الكثير بشأن ادارة الحرب على الأرض، بل يركز بدلا من ذلك على المعارك السياسية في واشنطن ويؤكد على ان معظم التقارير بالتالي كتبت من وجهة نظر وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية. وهو يهاجم تلك الانتقادات باعتبارها «رهان خوف» يخدم مصالح مسؤولين وصحافيين معينين.

ويوصف باول ومساعده ريتشارد أرميتاج باعتبارهما يعملان بصورة متكررة خلف الكواليس من أجل التقليل من قيمة اقتراحات فيث ومسؤولين آخرين في البنتاغون وتقويض القرارات التي كان بوش قد اتخذها. وينتقد فيث اخفاق باول في اقناع فرنسا وألمانيا بدعم سياسة الولايات المتحدة الحربية في الأمم المتحدة، وكسب موافقة تركيا على تحركات القوات التركية على أراضيها. كما يتساءل فيث عما يمكن أن يحدث لو أن باول تجادل مع بوش ضد الاطاحة بصدام. ويكتب فيث قائلا انه ربما كان لباول أن يقنع الرئيس، أو يستقيل اذا لم يفلح في ذلك. وازدراء فيث لأرميتاج ازدراء ملموس. وهو يقول ان مساعد باول «كان يعارض اية فكرة آتية من البنتاغون». وفي مقدمة للمخطوطة يكتب فيث انه حاول تفادي القضايا الاشكالية، وانه يسعى فقط الى الاسهام في السجل التاريخي. وهو يجادل، كما فعل صقور آخرون مثل ريتشارد بيرل، من أن تعامل الادارة الدقيق تجاه العراق، بما في ذلك انتقال سريع للسلطة العراقية قد جرى منعه من التقدم من جانب سوء معلومات اتباع أو عدم ولائهم.

والفكرة التي يرتبط بها فيث اكثر من غيرها والتي يعود اليها مرارا وتكرارا في الكتاب، هي تشكيل سلطة عراقية مؤقتة؛ فقد رسم مكتب فيث خطة للهيئة، على أن تكون من عراقيين تعينهم الولايات المتحدة يشاركون في بعض من عملية صنع القرار مع قوات الاحتلال الأميركية، في الأشهر التي سبقت الغزو. ولكن بينما يقول ان بوش صادق على ذلك فانه يتهم بريمر برفضه تنفيذها.

ويؤكد فيث ان الخطأ الأساسي الذي ارتكبته الولايات المتحدة في العراق كان «سوء معالجة الانتقال السياسي»، ويستنتج أن الخير الذي فعله بريمر «قد تجاوزه الضرر الذي سببته حقيقة الاحتلال».

* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)