الكويت: الوزراء يقدمون استقالاتهم احتجاجا على أداء البرلمان

3 سيناريوهات تنتظر.. قبولها أو رفضها أو حل البرلمان وإعادة تشكيله

صحافي كويتي ينقل خبر استقالة الحكومة من مدينة الكويز أمس (أ.ب)
TT

وضع وزراء الحكومة الكويتية أمس استقالاتهم بيد رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد في خطوة تصعيدية لمواجهة ما اعتبروه خللا يعتري العلاقة التي تربطهم بالبرلمان، إلى جانب «تنامي ظواهر المساس بالوحدة الوطنية، والتجاذب والتأزيم، وتجاوز الأصول البرلمانية».

ويأتي خطاب الاستقالة الذي رفعه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك باسمه ونيابة عن بقية الوزراء، إلى رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد، في وقت تتعرض فيه الحكومة لضغوطات سياسية ونيابية تجاه أكثر من ملف، أبرزها زيادة رواتب الكويتيين التي لم ترض النواب، وإزالة التعديات على أملاك الدولة التي يعارضها فريق منهم.

من جانبه رفع رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد استقالة الوزراء إلى الشيخ نواف الأحمد، نائب الأمير ولي العهد الكويتي، كون أمير البلاد لا يزال يتمتع بإجازته الخاصة خارج البلاد، ليقضي بها حسبما يراه مناسبا.

وتعتبر الحكومة الحالية التي تشكلت في مارس من العام الماضي، وأُجري عليها تعديل موسع في أكتوبر الماضي، الثالثة للشيخ ناصر المحمد منذ عامين، بعد أن اختاره أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد رئيسا للوزراء، في فبراير 2006.

وشهدت حكومات الشيخ ناصر الثلاث عدم استقرار، إذ استمرت الأولى المشكلة قبل عامين 143 يوما ودفعت إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات صيف 2006، واستقال منها وزيرا الإعلام والتجارة، أما الحكومة الثانية فاستمرت 238 يوما بعد استقالة وزيرا الإعلام والصحة، وأجريت تعديلات موسعة على الحكومة الثالثة الحالية التي شهدت تقديم أربعة وزراء استقالاتهم، وإعفاء وزير من منصبه.

وبموجب الصيغة التي كتبت بها الاستقالة، كونها اعتمدت على مبدأ عدم التعاون مع البرلمان، سيتحتم على أمير البلاد أو نائبه، إما رفض الاستقالة، أو قبولها والتكليف بتشكيل حكومة جديدة، أو حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة خلال ستين يوما.

وفيما يتوقع أن تغيب الحكومة عن حضور جلسة البرلمان المقرر عقدها اليوم، رحب أكثر من نائب باستقالة الحكومة، التي تسببت حسبما يرون «بإدخال البلاد منذ مدة في أزمات سياسية متلاحقة، كونها فاقدة زمام المبادرة، وللأغلبية التي تمكنها من العمل داخل البرلمان» بحسب تعبير رئيس اللجنة المالية بالبرلمان النائب السلفي أحمد باقر.

ورأى مقرر اللجنة التشريعية البرلمانية حسين الحريتي أن «استقالة الحكومة خطوة في الاتجاه الصحيح، لإنهاء حالة الاحتقان والتشنج بين المجلس والحكومة، فعدم وضوح الرؤية في عمل الحكومة وضعف أدائها وفقدان الأولويات وابتعادها عن العمل المنهجي، جعلها في مرمى الانتقادات النيابية المتكررة».

وعُلم بحسب مصادر مقربة أن الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء أمس شهد نقاشا حول الوضع العام بالبلاد، وعبر عدد من الوزراء عن استيائهم من أداء نواب البرلمان، ما حدا بهم إلى تقديم استقالاتهم لرئيس الحكومة، ليرفع الأمر إلى نائب الأمير ولي العهد الشيخ نواف الأحمد.

وتضيف المصادر أن رئيس الحكومة ما أن أنهى اجتماع مجلس الوزراء بعد عرض الاستقالة، توجه للقاء نائب الأمير الشيخ نواف الأحمد في قصر السيف، ونقل له الاستقالة، مبينا أن الوزراء وضعوها تحت تصرفه لاتخاذ ما يراه محققا للمصلحة الوطنية العليا، وفق ما جاء في البيان الرسمي الذي بثته وكالة الأنباء الكويتية.

ونقل نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء فيصل الحجي أن رئيس الحكومة حينما عرضت عليه استقالة الوزراء «عبر عن شكره وتقديره للجهود المخلصة التي يقوم بها أخوانه الوزراء في تحمل مهام عملهم الوزاري، وتحمل تبعات المسؤولية الوطنية، معربا عن تفهمه لما جاء في الرسالة من اعتبارات جديرة بالاهتمام، مبديا أسفه إزاء ما آلت إليه الأوضاع، حيث أكد عزمه على رفع هذا الأمر لنائب الأمير ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، لاتخاذ ما يراه محققا للمصلحة الوطنية العليا، وملبيا لآمال وتطلعات المواطنين».

وقال الحجي في تصريح خاص نقلته وكالة الأنباء الكويتية إن «المجلس ناقش العلاقة المتأزمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وما يسود هذه العلاقة من شد وجذب آخذا بعين الاعتبار مصلحة الوطن والمواطنين، والتي هي هدف الحكومة أولا وأخيرا».

وأضاف «أمام ما تشهده الساحة من تأزم في هذه العلاقة، ووجود نقاط اختناق كبيرة، وضع النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ جابر المبارك والوزراء جميعا استقالاتهم تحت تصرف رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، كي يتعامل معها وفق القنوات والإجراءات الدستورية، ووفقا لما يراه مناسبا».

وشدد الحجي على أن «الوزراء أقدموا على هذه الخطوة، واضعين نصب أعينهم مصلحة الكويت وشعبها أولا وأخيرا، وقبل أي شيء».

وجاء في خطاب الاستقالة ما نصه «من المؤسف أن نواجه بمواقف وممارسات معوقة، يتقدمها خلل في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وانحراف في مفهوم التمثيل البرلماني، وهو ما نستقرئ شواهده، مما ساد الحياة السياسية في الآونة الأخيرة من مساس بالوحدة الوطنية، إضافة إلى مظاهر التجاذب والتأزيم وتجاوز الأصول البرلمانية».

ورأى الوزراء في خطاب استقالاتهم أن هناك خروجا «عن الحدود التي رسمها الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة (البرلمان)، عوضا عن الصدود النيابي المستمر في الاستجابة ليد الحكومة الممدودة، ودعواتها المتواصلة لترسيخ تعاون بناء بين السلطتين، فيما يجسد طموحات المواطنين ويحقق المزيد من الانجازات المستهدفة، إضافة إلى ما برز مؤخرا من ممارسات باتت تهدد وحدتنا وأمننا الوطني، وما تشهده الساحة الإعلامية من صخب وشحن وخروج عن ثوابتنا المعهودة».

وبين الوزراء أنه «انسجاما مع العهد الذي قطعناه على أنفسنا بشأن ما تقتضيه مصلحة الوطن والمواطنين من جهود وتضحيات، ولو كانت باستقالة الحكومة أو تدوير بعض الوزراء واستقالة آخرين، إلا أن استغراق بعض الأعضاء (نواب البرلمان) في تغليب الأجواء الصدامية مع الحكومة، تدخلا في اختصاصات وزرائها وإمعانا في تجاوز الحدود الدستورية والتقاليد والأعراف البرلمانية، فيما يحكم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أدى إلى توسيع هوة الخلاف والاختلاف بينهما».

واعتبروا أن ما تقدم ساهم في «تعثر فرص التعاون الايجابي المثمر بين هاتين السلطتين، بما قوض إمكانيات قيام الحكومة بمسؤولياتها ومهامها ودفع عجلة التنمية على النحو المأمول، مما أدى إلى تفشي مشاعر الإحباط والاستياء لدى المواطنين».

وقال الشيخ جابر المبارك مخاطبا رئيس مجلس الوزراء باسمه ونيابة عن الوزراء المستقيلين إنه «تقديرا للظروف والأجواء التي تعيشها المنطقة، وما يترتب عليها من تداعيات ومحاذير تستوجب تضافر كل الجهود والإمكانات للتعامل معها، وحرصا على المصلحة العليا للبلاد، فقد وجدت مع زملائي وأخواني الوزراء أن نضع استقالتنا جميعا تحت تصرف سموكم، لتتخذوا بحكمتكم المعهودة ما ترونه مناسبا، ضارعين إلى المولى عز وجل التوفيق والسداد لكل ما فيه خير وطننا العزيز، في ظل قيادة أمير البلاد وولي عهده الأمين».