الفلوجة تنبض بالحياة مجددا.. وسكانها عازمون على إبقائها كذلك

20 ألف زائر يدخلونها يوميا.. ونساؤها يشاركن رجالها الخدمة في الشرطة

TT

أصبح الجسر القائم فوق ضفتي نهر الفرات، حيث قام عدد من الغوغاء بحرق جثث أربعة أميركيين قبل أربع سنوات، بؤرة لإحياء هذه المدينة التي مزقتها الحرب. وتخطط الحكومة العراقية والولايات المتحدة لتوسيع أرصفة الطرق على كلا جانبي الجسر، بحيث يتمكن المتسوقون من القدوم من منطقة غرب الفلوجة لشراء الطعام والملابس والسلع الأخرى من المخازن التي راحت من جديد تصطف على جانبي شوارع المدينة، التي اعتبرت خلال فترة ما كيانا ميتا.

وتأتي عودة الحياة إلى الفلوجة، التي شهدت معارك كبرى بين قوات المارينز والمتمردين في عام 2004، مفاجأة حتى لأكثر المخططين الأميركيين تفاؤلا. وضمن هذا السياق قال الكابتن دال سانتو من فريق «إعادة الاعمار الإقليمي» المدعوم ماليا من وزارة الخارجية الأميركية: «الوضع يتحسن بسرعة فائقة تتجاوز كل التوقعات».

وقال الشيخ حامد أحمد رئيس مجلس البلدية، إنه مسرور جدا مع التقدم الذي يتحقق في المدينة، لكنه يحتاج إلى مولدات كهربائية لمنطقته. وسبق أحمد ثلاثة رؤساء بلدية اغتيلوا على يد المتمردين، لكنه رفض التراجع. وقال: «عادت الحياة مرة أخرى للفلوجة».

ويمكن مشاهدة مطاعم ومخابز ومحلات تصوير ومخازن إطارات ومقاهي انترنت واستوديو للكمال الجسماني ومحلات عمل أخرى تمتد على جانبي الشوارع الرئيسية والفرعية. وتتشارك سيارات بي أم دبليو الطرق المزدحمة مع عربات تجرها الحمير.

وظلت الحكومة المحلية للانبار والحكومة المركزية تضخان ملايين الدولارات لتصليح الشوارع، وإزالة الحطام وإعادة بناء المدارس. وعين المحافظ ما قد يسميه الأميركيون بمعالجي الأقسام المختلفة للعناية باحتياجات المناطق التسع التي تتكون منها الفلوجة.

وكانت الفلوجة في عام 2004 القاعدة الأساسية للمسلحين. وفي 31 مارس (آذار) من تلك السنة كانت مكانا لأكثر صور الموت البشعة منذ قيام الولايات المتحدة بغزوها للعراق عام 2003: شباب عراقيون يرقصون ببهجة مع احتراق بقايا جثث حراس خاصين أميركيين معلقين من الجسر العتيق.

وهرب معظم المدنيين من المدينة قبل الهجوم الثاني لقوات المارينز، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004. وما زالت هناك آثار لمعارك حادة تتضح من خلال المباني المنهارة وخطوط الكهرباء المتقطعة والبيوت المثقبة بالرصاص.

كذلك هناك مشاكل أخرى ما زالت قائمة مثل نقص الكهرباء والماء النظيف وعدم توفر الغازولين وارتفاع نسبة البطالة مع بقاء عدد صغير لكنه عنيد من المتمردين الذين ينتظرون فرصتهم لشن هجوم مضاد. مع ذلك فإن الفلوجة تنبض بالحياة مجددا، وبدأ عدد سكانها يعود إلى ما كان عليه قبل هجوم عام 2004، حيث أصبح حوالي 300 ألف نسمة. كذلك يمكن مشاهدة رجال الشرطة في الشوارع، ومن المقرر أن يفتتح مستشفى جديد هذا الربيع وجرى تمويله من قبل العراقيين والولايات المتحدة. وأزال جنود المارينز الكثير من الحواجز والأسلاك الشائكة التي كانت تعطي للمدينة شكل برلين عام 1945. وقال الليفتنانت كولونيل كريستوفر داولينغ: «مرت الفلوجة عبر تحول شامل ـ هؤلاء الناس يريدون إعادة حياتهم».

ويعيش مئات من رجال المارينز مع ضباط من الشرطة العراقية في مواقع عسكرية أمامية في المدينة. وخلال الخمسة اشهر نفذت وحدة مارينز يقودها داولينغ 7 آلاف دورية في المدينة وضواحيها من دون أن يلحقها أي أذى. وللتوثق من استمرار التقدم في مجال استتاب الأمن قام عدد من رجال المارينز بغارات ليلية لمدة أسبوع بعد حصولهم على معلومات استخباراتية تشير إلى احتمال وجود أنشطة للمتمردين. كذلك سعت هذه الوحدات إلى توفير العمل لأبناء الفلوجة الشباب لكسب ولائهم. وكانت من أكثر التجارب نجاحا منح هؤلاء الشباب 10 دولارات يوميا لجمع القمامة. وأصبح الكثير من الشوارع الآن الأكثر نظافة في أي مدينة من مدن محافظة الأنبار.

كذلك للفلوجة نظام قضائي وقضاة وعلى عكس أكثر مدن محافظة الأنبار التي هرب القضاة فيها إلى الخارج ولم يعودوا.

وقال ضابط الشرطة العراقي جاسم حميد خوسان: «قبل عامين وحتى بعد انتهاء الحرب كان الناس يسرقون ويختبئون. والآن الوضع أحسن. وإن شاء الله إذا عاد المتمردون فنحن سنحاربهم».

ويقول الحاج محمد حسين إنه يشعر بالأمان إلى درجة كبيرة تجعله يعيد فتح مطعم كبابه وتوسيعه، وكان في السابق تحت سيطرة المتمردين. وهو يمتلك أيضا مطعما في بغداد ظل مغلقا حتى الآن لأنه تعرض للمصادرة على يد الميليشيات الشيعية. وحينما توقف داولينغ في مطعمه لتناول الشاي طلب حسين منه أن يزيِّد عدد الساعات عند نقاط التفتيش الأساسية كي يتمكن عدد أكبر من الأفراد المقيمين في الضواحي من تناول عشائهم في وقت متأخر بمطعمه.

قال حسين: «نحن بحاجة إلى أناس أكثر». وكانت إجابة داولينغ بالموافقة: ستبقى نقطة التفتيش مفتوحة لساعة أخرى.

ويقدر عدد الأشخاص الذين يأتون كل يوم للمدينة عبر نقاط التفتيش الخمس بحوالي عشرين الفا. وتمتلئ نقاط التفتيش برجال المارينز والشرطة العراقية مع فريق من الشرطيات يسمون بأخوات الفلوجة. وهذه هي فترة العمل الثانية في الفلوجة لفوج المارينز الخامس التابع للكتيبة الثالثة المتمركزة في معسكر بندلتون. وكانت وحدة قيادية في الهجوم الذي وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 ولحقت هذا الفوج خسائر في الأرواح وصلت إلى 19. وأغلب العاملين فيه هم جنود جدد بالنسبة للكتيبة. لكن بعض المقاتلين القدامى من معارك عام 2004 مازالوا موجودين هنا مثل الرقيب تيرانس غانت الذي يتذكر القتال من أجل السيطرة على الجسر. وهاجم رجال المارينز معاقل المتمردين من الشمال والجنوب والشرق متقدمين صوب الجسر باعتباره آخر الأهداف.

وزار غانت الجسر والشوارع المتصلة به قبل أيام قليلة ووجد هناك عددا من الصبية يبيعون الآيس كريم كذلك كان هناك باعة سمك يعرضون سلعهم ومحلات طعام، حيث رأى ازدهارا هائلا للبيع والشراء. قال غانت: «إنها خطوة إلى الأمام. وهذه تؤكد لي أن المارينز لم يموتوا عبثا».

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»