باريس تلوح بتدويل الأزمة اللبنانية إذا «دفنت» مبادرة الجامعة العربية

اعتبرت قمة دمشق تاريخا فاصلا في مصير التسوية

TT

تتدارس الدوائر الفرنسية الرسمية المعنية بالملف اللبناني، في قصر الإليزيه ووزارة الخارجية، سبل التحرك مع اقتراب موعد القمة العربية في دمشق أواخر الشهر الحالي وسط أجواء متشائمة حيال ما قد يصدر عنها وما من شأنه أن يسهل الخروج من الطريق المسدود والتوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. وتعتقد باريس أن حصول «تقدم ما» على هذا الصعيد في الفترة الفاصلة عن القمة «مستبعد» إن لم يكن «مستحيلا» علما بأن هناك محاولات تبذل، بعضها معروف وبعضها بعيد عن الأضواء، لإحداث اختراق ما. لكن باريس «تشكك» فيها باعتبار أن مصدرها سوري وأن غرضها «تنفيس الضغط» عن دمشق و«تسهيل انعقاد القمة» ما يشكل أمنية سورية.

وتدرج باريس في هذا الإطار المحاولات القطرية والعمانية وبعض المقترحات التي راجت في الأسبوعين الأخيرين.

وأفادت مصادر فرنسية، واسعة الإطلاع على الملف اللبناني، إن باريس «ستعتبر أن المبادرة العربية قد دفنت إن لم يخرج عن القمة العربية شيء جدي وجديد لجهة توفير وسائل العمل الفعلية» التي افتقدها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى منذ انطلاقة هذه المبادرة في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تبحث عن بدائل» مع الدول العربية، وغير العربية في حال ظهر عجز العرب عن تحقيق تقدم. ومن أولى الأفكار المطروحة في الوقت الراهن، والتي لاتزال موضع بحث مع الجهات العربية والدولية المعنية بالملف اللبناني، الدعوة الى مؤتمر دولي بشأن لبنان خارج إطار مجلس الأمن الدولي. وترى المصادر الفرنسية أن مؤتمرا كهذا، على غرار مؤتمر مساعدة لبنان بداية العام الفائت، يمكن أن يحقق عدة أهداف في وقت واحد، وأولى هذه الأهداف «إبقاء لبنان على الأجندة الدولية» في وقت يلحظ فيه «ملل» من الملف اللبناني حتى لدى بعض الجهات الفرنسية. وتعتبر فرنسا أن المؤتمر الدولي «مهم جدا» فيما الولايات المتحدة الأميركية مشغولة بانتخاباتها الرئاسية، والملفان الفلسطيني والنووي الإيراني يحتلان واجهة الاهتمامات الدولية.

ولم يقرر بعد لا مكان المؤتمر ولا تاريخه. إلا أن البحث فيه جار على قدم وساق. وترى باريس أن المؤتمر «سيكون بمثابة رسالة دولية تؤكد على أهمية المحافظة على استقرار لبنان ودعم حكومته الشرعية والمحافظة على القوة الدولية في الجنوب (يونيفيل) ودعم الجيش والحث على الحوار بين الأطراف اللبنانية».

غير أن المصادر الفرنسية تعترف بأن هذا المؤتمر «لن يكون كافيا للتغلب على الأزمة السياسية في لبنان». غير أنه، على الأقل، سيفيد لجهة «تفادي وقوع حرب أهلية» بفضل الاهتمام الدولي بلبنان وسيساهم في «تقطيع الوقت» حتى العام 2009 أي موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في لبنان. وقد بدأت باريس تربط بين الانتخابات الرئاسية في لبنان والانتخابات الرئاسية الأميركية وبعدها الانتخابات النيابية اللبنانية، كون المعارضة اللبنانية، ومعها دمشق وطهران، تراهن على استبدال الإدارة الأميركية من جهة وعلى تغيّر الأكثرية النيابية في لبنان ما يسهل الإتيان برئيس للجمهورية قريب من المعارضة أو من صفوفها.

وفي ظل غياب أفق واضح للحل، ترى باريس أن المهم اليوم وضع «استراتيجية احتواء» للضغوط والمناورات الرامية الى تغييب الملف اللبناني وإبقاء الوضع فيه عرضة للأهواء والمصالح الإقليمية. ومن هذه الزاوية، يتعين «التحسب لثلاثة مخاطر: وقوع اعتداء أو عملية اغتيال تودي بالوضع الذي يراوح مكانه، واشتعال جبهة الجنوب لسبب أو لآخر، وأخيرا تلافي تكرار ما حصل في منطقة مار مخايل، حيث تحولت مظاهرة احتجاجية الى مواجهة بين الجيش وبعض انصار المعارضة.

وتحرص الجهات الفرنسية على التنبيه الى جملة أمور، أولها أن مهمة العماد ميشال سليمان كقائد للجيش تنتهي في نوفمبر (تشرين الثاني) وتتساءل ما الذي سيحصل عندها؟ هل سيمكن التمديد له وهل سيقبل التمديد؟ وما الذي سيحل بالجيش إذا رفض التمديد ـ علما بأن الجيش هو آخر المؤسسات اللبنانية الفاعلة بعد الفراغ الرئاسي والتشكيك بشرعية الحكومة وتعطيل المجلس النيابي .

أما الاختبار الثاني فيتمثل في إمكانية إجراء انتخابات تشريعية في غياب رئيس للجمهورية واستحالة التوافق بين الأطراف على قانون انتخابي جديد.

إزاء هذا الوضع المعقد، تعود المصادر الفرنسية للتأكيد على الدور الأول الذي يجب أن يلعبه اللبنانيون أنفسهم لإخراج بلدهم من المأزق. والواضح أن باريس التي راهنت في الخريف الماضي على إمكانية الوصول الى حل عبر البوابة السورية، ترى اليوم أن دمشق «تصم آذانها» وترفض «الاستماع لصوت العقل لأنها تراهن على تحالفها مع إيران وتعتبر أن الوقت يعمل لصالحها». وترى مصادر سياسية في باريس أن «الخط» الذي تلتزم به فرنسا «يذهب أحيانا الى اليمين وأحيانا الى اليسار» وأن «ثمة من لايزال يعتقد بوجود إمكانية للتفاهم مع دمشق»، فيما فقد الطرف المقابل أي أمل بتعاون سوري.