إجماع دولي على أن حل قضية النازحين العراقيين هو عودتهم إلى وطنهم

لا بوادر على ضمان الهجرة العكسية.. وأعداد متزايدة من العراقيين يبحثون عن بديل

TT

«اكبر حركة سكانية في الشرق الاوسط منذ 1948». هكذا تصف الأمم المتحدة أزمة النازحين العراقيين الذين شردوا داخل بلادهم وخارجها اثر العنف الذي عصف بالعراق في السنوات الخمس الاخيرة. وبينما كانت المنظمات الانسانية تتوقع تدفق اللاجئين خلال حرب 2003، لم يشهد العراق ازمة نازحين حتى عام 2006، مع اشتعال ازمة الاقتتال الطائفي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت قضية النازحين العراقيين ظاهرة ذات بعدين، الاول سياسي يشغل الحكومات بسبب تداعيات الحركة السكانية التي تقدر بـ4.5 مليون عراقي، 2.5 داخل البلاد و2 مليون في دول الجوار. ولكن البعد الثاني هو البعد الانساني، فالملايين من النازحين يمثلون سلسلة متواصلة من القصص المأساوية الخاصة بكل فرد يضطر لترك داره للحفاظ على حياته وحياة عائلته. ويمكن اعتبار ما يجري حاليا رابع موجات النزوح من العراق، الأولى كانت هربا من بطش النظام السابق. فيما جاءت الثانية بعد غزو الكويت عام 1990. والثالثة بعد انتفاضة 1991، خاصة تدفق اللاجئين الأكراد الى ايران وتركيا. «الشرق الأوسط» وفي اطار تغطيتها للذكرى الخامسة لغزو العراق تسلط الأضواء اليوم وفي الايام القليلة المقبلة على هذا الملف الانساني الذي يؤرق العراق وجيرانه والعالم. على الرغم من ان الاختلافات كثيرة بين الاطراف المعنية في قضية النازحين العراقيين، من حيث اعدادهم وتنظيم اقامتهم، هناك اجماع من كل الاطراف على ان الحل الأمثل لقضية النازحين هو عودتهم الى وطنهم. وبعد خمس سنوات من الحرب في العراق، ونزوح اكثر من 4 ملايين عراقي داخل بلادهم وخارجه، اصبح وضع النازحين من ابرز مظاهر عراق ما بعد صدام حسين. وبينما شهد العراق بين عامي 2005 و2006 نزوح اكبر عدد من النازحين، لم تأخذ قضية النازحين حيزاً كبيراً من اهتمام الحكومة العراقية والدول المعنية حتى عام 2007، مع تصاعد اعداد النازحين وشكوى الدول المضيفة من تداعيات نزوحهم. وتعتبر المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة ان ابرز انجاز في عام 2007 كان نشر التوعية بوضع النازحين العراقيين ودفع المجتمع الدولي للانتباه الى معاناتهم. وقال ممثل المفوضية السامية في الاردن عمران رضا: «انجازنا كان نشر التوعية في عام 2007، وجعل الناحية الانسانية اولوية في النقاشات حول العراقيين». وبينما كان عام 2007 عام نشر التوعية حول النازحين العراقيين، يبدو ان عام 2008 سيكون عام تنظيم وجود العراقيين في دول الجوار وتعديل اوضاعهم من جهة، والعمل على اعادة بعضهم الى العراق في المناطق المستقرة نسبياً من جهة اخرى. وخرج اجتماع «مجموعة العمل الاساسية للدول المضيفة للعراقيين» بحضور ممثلين عن الدول المضيفة للعراقيين والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجموعة الثمانية الكبار وممثلي منظمات دولية وانسانية ببيان ختامي الثلاثاء الماضي، اعتبر عودة العراقيين الى بلادهم الحل الامثل لهذه القضية وان «أي حل خارج العراق يبقى حلاً مؤقتاً وجزئياً ما لم يرتبط بوفاق وطني يشمل كافة مكونات وأطياف الشعب العراقي ومكافحة الارهاب مما يكفل استتباب الأمن».

وقالت حمدية أحمد نجف وكيلة وزارة المهجرين والمهاجرين: «نعمل على العودة الطوعية للعراق، من خلال التنسيق بين الوزارات الرئيسية التي تعنى بالعائلات النازحة وشؤون العائلة العراقية، مثل وزارة المهجرين والمهاجرين ووزارة الداخلية وغيرها». وأضافت في لقاء مع «الشرق الاوسط» في عمان: «هناك تحسن أمني حقيقي على ارض الواقع، ومناطق كانت ملتهبة في السابق مثل الدورة والسيدية والاعظمية، اصبحت آمنة وعادت عائلات اليها». إلا انها لم تستطع اعطاء احصاءات محددة لعدد العراقيين العائدين، اذ لا توجد آليات محددة لتسجيلهم. واتهمت نجف «جهات تعمل ضد الحكومة بأنها تحاول عكس برنامج العودة وتحاول ان تبقي سمعة الحكومة العراقية على انها غير قادرة على احتضان ابنائها وهذا غير صحيح». واضافت ان الحكومة العراقية تقدم تسهيلات لمن يرغب بالعودة الى العراق، من خلال منح مليون دينار عراقي وتوفير الاوراق الثبوتية الضرورية. ولكنها اعتبرت ان التقارير حول فرض الحكومة العراقية على العائدين توقيع تعهد بعدم مغادرة البلاد من الاشاعات المغرضة ضد العراق. وما زالت الأوضاع الأمنية تشكل العائق الاول لعودة العراقيين الى بلادهم. ولكن بالاضافة الى المخاوف الامنية، هناك عقبات حقيقية تواجه العراقيين الذين يقررون العودة الى بلدهم، ومن ابرز هذه العقبات مشكلة منازلهم التي تكون إما مدمرة أو مستولى عليها. واكدت وكلية وزارة المهجرين والمهاجرين ان «العامل الامني هو العامل الرئيسي، ولكن برنامج العودة الطوعية ضخم جداً والحكومة العراقية تهتم به، وتعمل على عمليات اعادة البناء للمراكز الطبية والاسواق وغيرها». وأضافت انه بالنسبة للمنازل، تتولى وزارة الداخلية «تنظيف منطقة بعد منطقة من المستولين على البيوت». لكن ظاهرة عودة العراقيين، التي تعتبر جديدة خلال عام 2007 ولم تظهر منذ عودة بعض العراقيين المعارضين لنظام صدام حسين عام 2003، مازالت ضئيلة بالنسبة لواقع الحال في العراق. وبحسب المفوضية السامية للاجئين فان 300 الف عراقي عادوا الى العراق خلال السنتين بعد الحرب، ولكن بحلول عام 2007 كان 2.2 مليون عراقي قد غادروا. وقدرت «منظمة الهجرة الدولية» اعداد العائدين بنسبة 1 في المائة من اجمالي اعداد النازحين داخل البلاد وخارجه، التي تقدرهم المنظمة بحوالى 5.1 مليون نازح. وقال رفيق شاهين رئيس بعثة المنظمة الدولية في العراق، انه «من الضروري النظر الى هذه الاخبار الايجابية في اطارها الصحيح، فالكثير من العائدين لا يمكنهم العودة الى ديارهم لأنها مستولى عليها أو مدمرة، مما يدفعهم الى حالة ترحال ثانوية». وأضاف: «تقييم منظمة الهجرة الدولية لحوالي مليون نازح يظهر ان اكثر من ثلث منازلهم مسكونة من قبل آخرين، فلا يوجد لديهم منزل يعودون اليه». وبينما تبقى الاسباب التي قد تدفع الى هجرة عكسية حقيقية، يبقى العراقيون منتشرين في دول الجوار ويتطلعون الى الانتقال الى دول تضمن لهم حق اللجوء والاقامة الدائمية. وقال ممثلون عن المفوضية السامية للاجئين في بريطانيا والاردن وسورية ان اعداد اللاجئين المتدفقين خارج العراق قلت عن الاعداد في أوج الازمة، حيث وصلت الى 60 الفا شهرياً. ولكن اعداد العائدين قليلة جداً، ويبقى اكبر عدد من العراقيين النازحين هم في سورية، ويتراوح بين 1.2 و1.4 مليون وبعدها الاردن ومصر وايران ولبنان وتركيا. ومازالت المفوضية السامية للاجئين لا تنصح العراقيين بالعودة الى ديارهم، وموقفها الرسمي هو عدم تشجيع العراقيين على العودة، ولكنها تساعد العراقيين الذين يريدون ان يعودوا الى العراق من خلال التسهيلات. ولكن تبقى اولويتها لهذا العام هي تقديم المساعدات للعراقيين الذين بات الالاف منهم يحتاج الى مساعدات مالية بعد نفاد ما معهم. ويذكر ان المفوضية السامية للاجئين اطلقت نداءً للمجتمع الدولي بتزويدها بـ261 مليون دولار لمساعدة اللاجئين العراقيين، وقد اعلنت الحكومة العراقية دعمها بـ25 مليون دولار لمساعدة دول الجوار. وقال نائب مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لمكتب شؤون الشرق الادنى لورانس بتلر: «نحن نعترف بالعبء الذي تحمله الدول المضيفة للعراقيين، والكثير منهم بات فقيراً مع مرور الوقت»، مؤكداً تخصيص الولايات المتحدة مبلغ 208 ملايين دولار للمنظمة الدولية. وبينما تشجع المفوضية السامية العراقيين على التسجيل معها من اجل معرفة اعدادهم، فان لديها ايضاً برنامجا موسعا لإعادة توطين اللاجئين العراقيين الذين يريدون الانتقال الى الدول الصناعية التي تستقبل اللاجئين، وشكل العراقيون اكبر عدد من طالبي اللجوء في الدول الصناعية خلال عام 2006، في مؤشر اخر على توسع ازمة النازحين العراقيين. واظهرت احصاءات نشرتها المفوضية السامية للاجئين انه خلال الاشهر الستة الاولى من عام 2007، كان هناك 19800 طلب لجوء من العراقيين في دول صناعية، 9329 منها في السويد و3843 في اليونان. الا انه من الضروري الاشارة الى انه حتى في اوج تصاعد طلبات اللجوء العراقية في الدول الصناعية، التي وصلت الى 22 الفا، تعتبر فقط 50 المائة من معدل طلبات اللجوء من العراقيين في السنوات الست قبل حرب 2003. واشارت احصاءات المفوضية السامية للاجئين الى ان اعدادا متزايدة من العراقيين اخذوا يقدمون طلبات متزايدة للهجرة الى الدول الصناعية، من دول الجوار التي حتى الآن لم تنظم قوانين الاقامة للعراقيين غير المستثمرين. وبين شهري يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (ايلول) 2007، قدمت المفوضية السامية للاجئين طلبات 14934 عراقيا للتوطين في 14 دولة، وكان 10844 من تلك الطلبات للولايات المتحدة. الا انه حتى نهاية سبتمبر، صدرت موافقات لـ1800 فقط. واكدت مصادر من المفوضية السامية تصاعد عدد العراقيين طالبي اللجوء في دول غربية، بعد ان بقوا في دول الجوار منتظرين تحسن الاوضاع في بلادهم. وتتوقع المفوضية السامية للاجئين تقديم طلبات اعادة توطين 20 الف عراقي الى الدول الصناعية، في محاولة لتقليل الضغط على دول الجوار ودفع المزيد من الدول الصناعية الى تحمل مسؤولية النازحين. وبعد الاعتراف بالابعاد الانسانية والسياسية والاقتصادية للنازحين العراقيين، تقرر العمل على عقد اجتماع موسع مع المنظمات الدولية الانسانية لدراسة هذا الموضوع. وأكد وكيل وزارة الخارجية العراقية محمد الحاج حمود لـ«الشرق الاوسط» ان «مجلس الوزراء العراقي ينظر في هذه القضية وسينظمه بالتعاون مع الامم المتحدة». ولكنه اضاف: «نعمل من اجل تهيئة وسائل عودة النازحين الى ديارهم والموضوع واسع جداً ومرتبط بالأمن بالدرجة الاولى، ولكن سنبذل كل جهودنا من اجله، فمكان العراقيين في وطنهم».