اللاجئون العراقيون في سورية: عودتنا إلى بلادنا انتحار

الشيعة يسكنون قرب مقام السيدة زينب.. والسنة في حي جرمانا.. والسوريون يشكون: عمقوا أزماتنا

عراقيات ينتظرن على الحدود موافقة السلطات السورية على دخولهن إلى سورية (أرشيف «الشرق
TT

تصر الطبيبة السورية نهلة على أن أعداد اللاجئين العراقيين المقيمين في حيها عادت إلى التزايد في الأشهر الأخيرة، بعد موجة انحسار شهدتها حركة تدفقهم خلال شهري اكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2007. الطبيبة نهلة تسكن مع أسرتها في منطقة جرمانا (15كم جنوب دمشق)، وتعتبر هذه المنطقة الثانية بعد منطقة السيدة زينب جنوب دمشق من حيث كثافة إقامة اللاجئين العراقيين.

وفيما يفضل العراقيون الشيعة السكن في منطقة السيدة زينب قريبا من مقام السيدة، يتجه السنة والمسيحيون إلى منطقة جرمانا وقدسيا ومساكن برزة. وجرمانا معروفة بنسيجها الديموغرافي شديد التنوع، الذي يضم سكانا من مختلف المذاهب والأديان، الأمر الذي يكسبها خصوصية من حيث الانفتاح الاجتماعي وحيوية الأسواق التجارية. ونهلة، أم لشابين جامعيين، وكسائر المواطنين السوريين ترى في وجود أكثر من مليون ونصف لاجئ عراقي معظمهم يعيش في دمشق أنهم لم يتسببوا في الأزمات المعيشية التي يعاني منها المواطن السوري من حيث توفر الخدمات والتعليم وارتفاع الأسعار وجنون سوق العقارات، لكنهم لا شك ساهموا في تعميقها. وتؤكد أن عودة 45 ألف لاجئ إلى العراق كان لها تأثير كبير في جمود سوق العقارات، كما قل نسبيا الازدحام، لكنها لم تؤثر على أسعار المواد الاستهلاكية التي استمرت بالارتفاع لأسباب أخرى، تضاف إلى الوجود الكثيف للاجئين العراقيين. وربما يكون هذا سبب تراجع الحديث في الشارع السوري عن اللاجئين، فبعد خمس سنوات يقول عامر جمعة، 45 عاما، صار العراقيون جزءا من المجتمع السوري واعتدنا وجودهم معنا يجري عليهم ما يجري علينا من ظروف معيشية. ويستدرك عامر «جيراني العراقيون فرحوا بالعودة إلى بلدهم بعدما أخبرتهم حكومتهم بأن الوضع قد تحسن، لكن أغلبهم عاد إلى دمشق خائبا، فالوضع هناك مازال سيئا ويشكل خطرا على حياتهم، أحدهم فقد ابنه، وهو شاب بعمر الورد على يد العصابات الطائفية».

أبو محمد البغدادي أحد الذين عادوا تحدث عن استمرار الإرهاب الطائفي في العراق، وأن من يملك المال الكافي للعيش في سورية لن يفكر بالعودة، مؤكدا أن الذين تنفذ أموالهم يضطرون للعودة، معتبرا عودتهم «انتحارا». ورغم تشجيع الحكومة العراقية مواطنيها على العودة من خلال تنظيمها لرحلات مجانية وتقديم حوافز مادية للعائدين، إلا أن هذه الحركة التي شهدت نشاطا ملحوظا في البداية، خلال خريف 2007 عادت لتسجل تراجعا كبيرا، على الضد من توقعات الحكومة العراقية آنذاك بأن «رحلة العودة إلى العراق بدأت ولن تتوقف»، فالوضع الأمني الذي شهد تحسنا نسبيا مازال يقلق العراقيين، هذا بالإضافة إلى أن الحكومة السورية وبعد الاتفاق مع المسؤولين العراقيين قامت الخريف الماضي بفرض نظام تأشيرة مسبقة على اللاجئين بهدف الحد من تدفقهم، وما ترتب عليه من أعباء اقتصادية وأمنية، إلا أنه وبعد أشهر قليلة شهدت عودة عدد من اللاجئين، عادت الحركة لتتكثف باتجاه سورية، وكثير من العراقيين الذين التقيناهم عبروا عن فقدان الأمل بتحسن الأوضاع. وصدر تقرير أخيرا عن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أعلن أنه بعد خمس سنوات على الغزو الأميركي في مارس (آذار) عام 2003، «ما زال العراقيون يفرون من بلدهم وما زالوا يتدفقون أيضاً لطلب حق اللجوء في الدول الصناعية».

وأن مليوني عراقي لجأوا إلى سورية والأردن غير المصنفتين في عداد الدول الصناعية، وحيث الخدمات الاجتماعية والصحية أصبحت عاجزة أمام هذا التدفق العراقي.. ووجهت المفوضية العليا للاجئين هذا العام نداء لجمع 261 مليون دولار لتمويل مساعداتها للاجئين العراقيين خلال 2008، ما يوازي تقريباً ضعف المبلغ الذي حصلت عليه لهذه الغاية العام الماضي.

الرقم الرسمي المتداول حول عدد اللاجئين في سورية هو مليون ونصف المليون لاجئ، قيل إن 45 ألفا منهم فقط عادوا إلى العراق، وتقول مصادر سورية مطلعة إن أغلبهم عاد إلى دمشق، وتفيد معلومات رسمية بأن اللاجئين العراقيين، يكلفون خزينة الدولة السورية سنوياً أكثر من مليار ونصف المليار دولار، عدا الضغط الذي يسببه عددهم الكبير على المرافق الاقتصادية والبنية التحتية للبلاد. كما أن أطفال اللاجئين لا يحظون بظروف ملائمة للحصول على التعليم، وأعدادهم المتزايدة تزيد الضغط على المدارس الحكومية المجانية التي تستضيف أكثر من مائة ألف تلميذ في دمشق فقط، وقد وقعت سورية أخيراًَ ضمن برنامج التعاون المشترك مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة على اتفاقيتين، تعنى الأولى بتقديم المساعدة للأطفال العراقيين الذين يتلقون تعليمهم في المدارس الرسمية السورية. أما الاتفاقية الثانية فتعنى بالارتقاء بصحة الأطفال والنساء العراقيين في سورية. وتندرج هاتان الاتفاقيتان تحت إطار قيام منظمات الأمم المتحدة بدعم جهود الحكومة السورية في تقديمها للخدمات التربوية والصحية لأطفال المهجرين العراقيين المقيمين في سورية، وتهدف الاتفاقية الموقعة مع وزارة التربية إلى إعادة تأهيل المدارس التي يدرس فيها الطلاب العراقيون إلى جانب الطلاب السوريين والعمل على تحسين البيئة المدرسية. وكانت وزارة التربية السورية قد وضعت بالتعاون مع منظمة اليونيسيف خطة للعام الحالي لمعالجة مشكلة التسرب ومعايير جودة التعليم للتلاميذ العراقيين. وتواجه الوزارة بحسب التقارير الرسمية، صعوبات مختلفة في تأمين متطلبات الطلبة العراقيين المهجرين والإجراءات التي تقوم بها لاستيعابهم في مدارسها.

وفي لقائه منتصف الشهر الماضي مع أنطونيو غوترز المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، حث الرئيس بشار الأسد قيام الجهات الدولية المعنية، على «ضرورة القيام بواجباتها وتحمل مسؤولياتها تجاه اللاجئين لتلبية متطلباتهم المختلفة إلى حين عودتهم إلى بلدهم». وقد عبرت مفوضية اللاجئين أكثر من مرة عن إدراكها لحجم الثمن الباهظ الذي اضطرت سورية لدفعه لاستقبال اللاجئين العراقيين، وأن التضامن الدولي لم يكن متناسباً مع حجم المشكلة.