يرجع تاريخ الكنيسة المسيحية في مدينة الاسكندرية إلى حوالي عام 42 ميلادي، حسب ما جاء في أول كتاب عن تاريخ المسيحية الذي كتبه يوسيبيوس أسقف قيصرية (قيسارية) على الساحل الفلسطيني في منتصف القرن الرابع، وكذلك روايات الأقباط المصريين أنفسهم. وتجمع هذه الروايات على أن القديس مرقص ـ الذي كتب أقدم أناجيل العهد الجديد ـ أصبح أول أساقفة كنيسة الاسكندرية، في وقت لم تكن فيه كنيسة روما قد أنشئت بعد. ومنذ بداية نشأتها تعرضت الكنيسة المصرية لموجات متتالية من اضطهاد الرومان لها، سواء عندما كانت روما وثنية أو بعدما تحولت الى المسيحية. ومن يتابع تاريخ العلاقة بين الرومان والمصريين لا بد أن يلاحظ وجود مشروع روماني مستمر، يهدف الى تحطيم البنية الحضارية للشعب المصري، اذ لم تنس روما أن المصريين خرجوا يهددون عتباتهم في أوروبا، وهم القوة الوحيدة التي تجرأت على تحدي سلطتهم ومحاولة وقف زحفهم الى الشرق. وبالرغم من هزيمة مصر وانتصار روما، ظلت الاسكندرية عاصمة الثقافة والعلم والدين في جميع أنحاء الامبراطورية، بينما كانت روما هي العاصمة السياسية.
دكتافيوس أوجستس قيصر وقعت مصر تحت الحكم الروماني إثر تدمير الأسطول المصري في ميناء أكتيوم على الساحل الغربي لبلاد اليونان، عام 31 قبل الميلاد. اذ خرج القائد مارك أنتوني (مرقص انطونيوس أو انطونيو) وملكته كليوباترا على رأس الأسطول المصري لمباغتة الجيش الروماني بقيادة دكتافيوس اوجستس قيصر بالقرب من الساحل الايطالي، بهدف اخضاع روما الى سلطة الاسكندرية. ولكن اوكتافيوس كشف الخطة المصرية وعرف موقع الخليج الذي اختبأ فيه الأسطول المصري، وبدلاً من مباغتة المصريين له فاجأهم هو في مخبئهم ودمر أسطولهم. وغيرت هذه المعركة مجرى التاريخ وتركت الطريق مفتوحاً أمام جيوش روما لتفرض سيطرتها على الاسكندرية. ودخل اوكتافيوس العاصمة المصرية ليجد أن أنتوني أنهى حياته منتحراً، وتبعته الى المصير نفسه كليوباترا آخر ملوك العائلة البطلمية (البطلسية).
وبموت كليوباترا انتهت حقبة الحكم البطلمي التي استمرت حوالي ثلاثة قرون، منذ موت الاسكندر الأكبر قبل نهاية القرن الرابع ق.م. ويعتقد البعض خطأ أن فترة الحكم البطلمي تعتبر فترة للحكم اليوناني في مصر، وهذا ما يتعلمه طلابناً في مدارسهم حتى الآن. فلم يكن البطالمة أنفسهم ـ ولا كان الاسكندر الأكبر ـ من اليونان، وانما كانوا من المقدونيين الذين أخضعوا اليونان لحكمهم. وبعد موت الاسكندر في بابل عام 323 ق.م. قسّم اربعة من قادته الامبراطورية التي كان قد اسسها، بينهم، فأصبحت مصر من نصيب بطليموس. وقد أسس بطليموس حكم عائلته في مصر مثلما أقام محمد علي باشا في العصر الحديث حكم أسرته فيها، فلم يكن يحكم البلاد لصالح سلطة أجنبية. بل ان تتويج الملوك البطالمة كان يجري في المعابد المصرية على طريقة تتويج الفراعنة نفسها من قبل، وأصبح الملوك البطالمة يتزوجون اخواتهم على الطريقة المصرية. وظلت العبادة مصرية وغالبية عناصر الادارة والحكم ـ وحتى تنظيم الجيش بعد المرحلة الأولى ـ ظلت كلها مصرية، تماماً كما كانت في الأزمنة القديمة. كل ما في الأمر أن الكتابات ـ سواء في ذلك المتعلقة بشؤون الحكم أو المتعلقة بالمسائل الدينية أو الثقافية ـ تكتب باللغة اليونانية الى جانب اللغة المصرية.
في المقابل اعتبر اوكتافيوس (اوجستس قيصر) أن أرض مصر صارت ملكاً له شخصياً وليست ولاية تابعة للامبراطورية الرومانية، وتبعه في هذا باقي الأباطرة، وعين الامبراطور حاكماً يدير أمور مصر يكون مقره الاسكندرية وكان همه الوحيد هو جمع الضرائب التي كانت تتمثل في كمية هائلة من الحبوب ترسل الى روما كل عام. ووضع الرومان ثلاث حاميات عسكرية في مصر في البداية ثم خفضوها الى اثنتين بعد ذلك، تتكون كل منها من 6 آلاف رجل. ومنذ البداية أساء الرومان معاملة المصريين، وكان المصريون يسمون أقباطاً (قبطاً) ـ اجيبتوس ايجيبت ـ في تلك الفترة.
وتقول الروايات القبطية ان القديس مرقص اسس أول مدرسة لاهوتية بالاسكندرية، في النصف الأول من القرن الأول للميلاد. وهناك عدة مصادر تؤكد وجود مدرسة لاهوتية مزدهرة في الاسكندرية منذ 190، أصبحت مركز الفكر المسيحي في العالم كله ومجالاً للفكر الديني المتحرر. اذ كان الفكر المسيحي المصري عندئذ مفتوحاً على دراسة الفلسفة ـ خاصة الأفلاطونية الجديدة ـ التي على أساسها فسرت كتب العهد القديم.
عيد الشهداء أول عملية اضطهاد رسمية قامت بها السلطات الرومانية ضد الأقباط المصريين وقعت أيام حكم الامبراطور ديسيوس الذي حكم روما 249 ـ 251 واستمرت عمليات اضطهاد الأقباط حتى بلغت أوجها في فترة حكم الامبراطور ديوقليسيانوس الذي أصبحت بداية حكمه عام 284 بداية للتقويم القبطي، لكثرة عدد الشهداء الذين قتلوا في أيام هذا الامبراطور. وأصدر الأقباط في هذه السنة تقويمهم المعروف باسم تقويم الشهداء ـ الذي يحتفل به حتى الآن في عيد النيروز وهو رأس السنة القبطية ـ وكان البابا ثاؤنا السادس عشر أحد أساقفة الاسكندرية في ذلك الوقت.
ثم تحولت الدولة الرومانية الى المسيحية عام 313، عندما أصدر الامبراطور قسطنطين «اعلان ميلانو» الذي ينص فيه على أن المسيحية صارت الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية. ومنذ ذلك التاريخ تأجج الصراع بين الرومان والمصريين، اذ أراد أساقفة روما انتزاع قيادة العالم المسيحي من أساقفة الاسكندرية، لكي تصبح روما هي العاصمة السياسية والدينية كذلك. ومنح الامبراطور سلطات واسعة للأساقفة الرومان، فأصبح لهم الحق في استخدام سلطة الشرطة والجيش في فرض تعاليمهم على من يخالفهم، في أي مكان من الامبراطورية. وعام 325 انشأ الامبراطور قسطنطين جماعة كنسية مسكونية (عالمية) هدفها محاربة ما تعتقد كنيسة روما أنه يمثل عقائد هرطوقية، أي لا تتفق مع تعاليمها. وانتهى بهم الأمر الى ارسال الأسقف ثيوفيلوس الى الاسكندرية، وهو الذي أحرق عام 391 معبد السرابيوم ومكتبة الاسكندرية الشهيرة التي كانت بداخله، لكي يصبح «فاتيكان» روما قبلة المسيحية الوحيدة. وتبعت ذلك عمليات تفتيش واسعة بجميع أنحاء الدولة المصرية، بحثا عن أية كتابات لدى الأقباط المصريين تعارض تعاليم كنيسة روما. تلك هي الفترة التي اخفى فيها بعض الرهبان البخوميين في صعيد مصر، مخطوطات نجع حمادي داخل زلعة وضعوها في أحد الكهوف المخصصة لدفن الموتى.
وانتهى حكم روما على مصر عند موت الامبراطور ثيودوسيوس الأول عام 395 بعد اربع سنوات من حرق معبد السرابيوم ومكتبة الاسكندرية. وانتقلت مصر بعد ذلك الى سلطة الدولة البيزنطية الجديدة وعاصمتها القسطنطينية واستمر الوضع كذلك حتى الفتح الاسلامي عام 641، عندما وصل اليها عمرو بن العاص.
فمنذ بناء مدينة القسطنطينية عام 330 لتكون عاصمة القسم الشرقي من الامبراطورية الرومانية، انفردت العاصمة الجديدة بأخذ الضرائب المفروضة على المصريين ـ والتي بلغت 300 مليون لتر من القمح ـ لنفسها، وحرمت روما منها.
وايضاً كانت العلاقة سيئة بين أقباط مصر وحكام بيزنطة (القسطنطينية) منذ البداية، الا أنها ازدادت سوءاً بعد انعقاد «مجمع نيقيا» الثاني لممثلي الكنائس عام 449. اذ اختلف في هذا المؤتمر حول ما اذا كان للمسيح طبيعتان أو طبيعة واحدة وبعدها قرر المجمع ان له طبيعتين لاهوتية وناسوتية، واعتبر من يخالف القرار من الهراطقة. ولما كانت الكنيسة القبطية المصرية لا توافق على الطبيعتين اتهمتها روما والقسطنطينية بالهرطقة، ولهذا قرر المصريون الانسحاب كلياً من مجامع الكنائس العالمية منذ ذلك التاريخ. وفي محاولة منها لفرض عقيدة الرومان على المصريين، فرضت القسطنطينية سيطرتها على كنيسة القديس مرقص بالاسكندرية، وعينت أسقفاً من عندها للاشراف عليها. الا أن هذا لم يفلح في اخضاع الأقباط الذين اسسوا كنيستهم للقديس مرقص خارج الاسكندرية واختاروا لها أسقفاً مصرياً، فأصبح هناك فرعان للكنيسة المرقصية. وبدأت السلطات البيزنطية سلسلة من عمليات الاضطهاد ضد أقباط مصر بهدف اجبارهم على قبول العقيدة الرومانية التي طالت حوالي قرنين من الزمان حتى مجيء عمرو بن العاص الى مصر. كذلك عين الامبراطور البيزنطي رجلاً واحداً هو بوليناريوس، حاكماً على مصر وقائداً للجيش وأسقفاً للاسكندرية، حتى يمنحه سلطات كاملة لفرض عقيدة روما على شعب مصر. ورفض أقباط مصر الحكم العسكري للكنيسة واختاروا أسقفاً لهم من بينهم، الا أنه اضطر للتنقل سراً بين اديرة الصحراء هرباً من البيزنطيين، وزاد الحاكم الجديد الضرائب على المصريين الذين أساء ممثلو السلطة معاملتهم في جميع المناسبات ما بين 451 و641.
الفتح الاسلامي لم تنته مشاكل الأقباط المصريين مع الرومان والبيزنطيين الا بوصول جيوش الفتح الاسلامي الى مصر. فبعد اشتباكات متفرقة شرق الدلتا، سار جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص الى الفيوم ووصل بعد ذلك الى عين شمس. الا أن أهم معركة واجهها عمرو قبل مسيرته الى الاسكندرية، كانت موقعة الاستيلاء على حصن بابليون بمصر القديمة، حيث انتصر على الحامية الرومانية في 6 أبريل (نيسان) 641. وبعد محاصرة الاسكندرية لعدة أشهر تم الاتفاق مع السلطات البيزنطية على تسليم المدينة بدون قتال في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، ورحيل الرعايا البيزنطيين عنها. وعلى الفور أعلن العرب المسلمون ضمانهم حرية العقيدة لأهل الكتاب من المسيحيين واليهود، وبعد ذهاب البيزنطيين جاءوا بالأسقف القبطي بنيامين الأول من مخبئه، وسلّموه كنائس الاسكندرية.
=