جاذبية سري تحتفي بالبشر وتبحث في ملامحهم عن لحظة فرح بالحياة

في معرضها التاسع والستين

وجوه وألوان ومراكب («الشرق الأوسط»)
TT

تحتضن الفنانة القديرة جاذبية سري الحياة بكل تنوعها وتناقضاتها، مفتشة في البشر والعناصر والأشياء عن لحظة نور وفرح، تجدّد في الشكل الفني حيويته وتدفعه إلى مغامرة جديدة يعيد فيها إدراك ملامحه وهويته، وفي الوقت نفسه إدراك تحولات الواقع المحيط من حوله، وعلاقته به على شتى المستويات.

هذا الهم يتبدى على نحو لافت في معرضها الجديد التاسع والستين «فانتازيا من الحياة» الذي استضافته أخيرا قاعة الزمالك بالقاهرة. فالأشكال والصيغ والأساليب تتضافر بقوة درامية في اللوحات، مشكلة بتوتراتها ورموزها وانفعالاتها العاطفية الجياشة حوارية مترامية الأبعاد مع الواقع المعيش، يتوحّد فيها الشخصي الذاتي مع الهم العام سياسيا وثقافيا واجتماعيا وتاريخيا، حتى لتبدو اللوحة أو الشكل محاولة لتلمس الحقيقة الهاربة فيما وراء الواقع نفسه، والإنسان والحياة. تحتفي جاذبية سري بالبشر، سواء في حراكهم الجماعي أو في لحظات عزلتهم وتأملهم لطاقة التمرد الذابلة في أغوار النفس والروح.. ففي المستوى الأول تحتشد اللوحات بنماذج عديدة من البشر، حيث تتناثر الوجوه والملامح والأشكال، وتحتل بعفوية فضاء اللوحة من أسفل، ومن أعلى، فيما تتسم حركتها بالتمرد ومحاولة الانفلات حتى من غلالة ألوان الزيت وخطوط الفرشاة العريضة والحادة. وهي أشكال خفيفة، تطفو على السطح القماش برشاقة وحبور، ووقار ورصانة، لا تستمدها فحسب من تدفق وقوة اللون بتدرجاته المختلفة الرمادية والبنية والحمراء والزرقاء .. وغيرها، بل تستمدها أساسا من حضورها الخاص كقيمة مهمشة في زوايا الوجود، وأيضا من مقدرتها على إثارة الدهشة والتساؤل. وفي المستوى الثاني تنكفئ الشخوص على ذاتها، وتبدو حركتها بطيئة وثقيلة، فيما تبدو العجينة اللونية صلبة أحيانا، وهشة أحيانا أخرى، لتكثيف دلالة الوحشة والفقد، وأجواء الانكسار، وفقدان الصلة بالواقع. لذلك تغيم ملامح هذه الوجوه الكابية تحت شبكة الألوان، وتنعس من شدة التعب، ولا يهمها أن تستيقظ ، أو تحاول أن تغير من حقيقتها في الواقع والحياة. يبقى من جماليات التشكيل في المعرض اللعب بالخطوط، وتحويلها دائما إلى أشكال مسطحة، فهي تارة تنثني وتنكسر، وتارة أخرى تنساب وتتصلب، لكنها في كل ذلك تخلق للألوان والأشكال مسام للتنفس بحرية، وتمنحها القدرة على أن تنتظم بحيوية في تشعباتها وإيقاعاتها، وهو ما يحيل إلى نوع من الاندماج الحي بين حدود الرسم أو الشكل، وبين حدود الخط نفسه، فكلاهما يكوِّن الآخر ويفيض عنه بتلقائية شديدة، وهو سمة مميزة لجاذبية سري، وأحد مكونات خصوصيتها الفنية الرائدة.