«الاتجاهات المعاكسة» معرض يقدم الفنون الإسلامية في القرنين 18 و19

المشروع أكبر حلقة دراسية متخصصة لمدة عام

فنون إسلامية من متحف المتربوليتان الأميركي
TT

في تاريخ الفن يبدو أن كل شيء قابل لأن يقع في كل مكان بشكل متزامن. كان القرن السادس عشر هكذا. إذ تميز باندلاع الأضواء فيه على صعيد عالمي. إذ كانت هناك سلالة مينغ في الصين؛ وعصر التنوير في أوروبا؛ والامبراطوريات الإسلامية في الهند وإيران وتركيا، حيث أشرقت كل هذه الحضارات في وقت واحد. والمسافرون الذين كانوا يتنقلون من حضارة إلى أخرى، يبادرون إلى الشراء والبيع ووضع خطط وأخذ ملاحظات وهم مندهشون لتلك الظاهرة.

ومثلما يحدث في كل مكان هناك تعتيم هنا وهناك. وتحولات في الطاقة من هذا النوع تشكل أرضية للمعرض الصغير والأخاذ الذي يحمل عنوان: الاتجاهات المعاكسة: الفن الإسلامي والغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، في غاليري كارل ليبوسدورف للفنون بكلية هنتر.

يمكن القول إن المعرض شديد التميز لعدة أسباب. الأول كونه يعالج موضوعا لم يدرس من قبل بما فيه الكفاية. نحن شاهدنا معارض كبيرة عن تأثير الحضارة الإسلامية على أوروبا. لكن هناك القليل من المعارض التي تتناول التأثير باتجاه معاكس. ومن الحالات الاستثنائية في هذا الاتجاه كان معرض «الرسم الفارسي الملكي: مرحلة كاجار، 1785 ـ 1925» في متحف بروكلين قبل عقد واحد وهو. ولعل ذلك يعود إلى أن «ما هو غربي» ينظر إليه بأنه خال من السحر والغرابة، وهذا ما أدى إلى إهمال الفن الإسلامي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بسبب تأثيره بالفن الغربي. فهناك أقل من 30 قطعة تزيين صغيرة في كلية هنتر. وهذا ما يقودنا إلى عنصر جذب آخر في المعرض، وهذا يتمثل في أن المؤسسة المالكة لهذه الأعمال الفنية هي متحف المتروبوليتان حيث الأروقة الإسلامية مغلقة حاليا بسبب إعمال الصيانة والتجديد. لذلك فإن معرض كلية هنتر على بساطته، هو أكبر عرض لمجموعة من الأعمال الفنية الإسلامية من متحف المتروبوليتان.

ويعتبر هذا المعرض انطلاقة لمشروع أكبر: حلقة دراسية لمدة عام يترأسها اولكو بيتز استاذ الفن الإسلامي في كلية هنتر، حيث يستخدم فيها مواد من تعود لمتحف المتروبوليتان لتفحص مدى التأثيرات الغربية المبكرة للحداثة الغربية على الثقافات الإسلامية، ومدى دفعها لها في أوقات مختلفة وفي أمكنة مختلفة.

كانت أساليب الفن الغربية واضحة في البلاط الملكي المغولي في الهند في القرن السادس عشر، من خلال انتشار الرسوم الأوروبية المطبوعة على يد المبشرين المسيحيين. كذلك توجد جذور تأثيرات غربية متشابهة في إيران. فعلى علبة أقلام مصقولة بالوارنيش يعود لأواخر القرن السابع عشر، هناك رسوم أزهار فارسية على السطح الخارجي للعلبة مع مشهد طبيعي وفق الأسلوب الغربي تحت غطائها. وفي هذا الوقت نفسه أصبحت تركيا أيضا تحت تأثير الثقافة الغربية. كانت الامبراطورية العثمانية قوة عظمى تسيطر على تجارة العالم وتعتبر بعض الأراضي الأوروبية جزءا منها وفي فترة متأخرة مثل عام 1683 بعثت جيشا إلى بوابات فيينا. وفي الوقت نفسه لم تكن أوروبا على الرغم من حالة الانفعال التي رافقتها، سلبية. ففي مجالات العلوم والاقتصاد والصناعية، كانت تتقدم بسرعة، لتصبح أكثر حداثة بينما كانت القوى الإسلامية تتراجع إلى الوراء.

ومن بين الأمور الأخرى أصبح آلة الدولة الإسلامية ثقيلة. حيث كانت النبضات العلمانية والدينية في حالة جمود. بينما كانت أوروبا خفيفة وهي تقف على قدميها، وتتكيف بسرعة للتغيرات. وتدريجيا ومن خلال خليط من القوة والإبهار تمكنت من أن تكون لها اليد الطولى، ثم تبدأ بالدفع بقوة مع قوة امبريالية ظلت مريرة في ذاكرة العالم المسلم.

هذا الأمر واضح جدا في تبني الرسم بالزيت، من قبل الفنانين المسلمين وهو ابتكار أوروبي. وفي بلاط سلالة كاجار استخدم الفنانون المسلمون، وبشكل واسع، صور العائلة المالكة بنفس حجوم أفرادها الطبيعية. مثل تلك الصورة للشاب صاحب العيني اللوزيتين، وهو يحمل كأس شراب. وهذا العمل نموذج عن الفن الإسلامي في عصر قاجاك.

استعار الفنانون الإسلاميون موضوعات وأساليب من الوسائط الفنية الغربية أيضا. فالطيور والزهور في الرسوم خلال القرن التاسع عشر رسمت على أغطية الألبومات في الهند إسلامية في أنماطها وأوروبية في أسلوبها الطبيعي. فقد يكون القدح بلونه الكوبالتي الأزرق مستوردا من أوربوا إلى إيران، ثم تم تكييفه عند وصوله كي يتضمن خطوطا إضافية من ذهب.

تعكس معظم أعمال المعرض الفنية هذا المزيج بين الحضارتين. وحينما تكون القطع الفنية أقل إبهارا، فإن متحف كلية هنتر يستعير أزمنة متواضعة، ولا شيء هناك يتطلب مناخا خاصا أو تأمينات عالية فهي غنية بمعلوماتها. وهي معلومات وثيقة الصلة بالموضوع. التوترات التي أدخلتها الحداثة للعالم الإسلامي ما بين التقليد والابتكار ما بين المقدس والعادي دفعت نقطة الانفجار من خلال سوق قوية للسلع الغربية في الحاضر. وعند رؤيتها ضمن هذا المنظور تبدو كل قطعة فنية تهتز مع تاريخ متقلب كهذا.

يمكن القول إن سمات ذلك التاريخ قد تم عرضها في معرض كلية هنتر بطريقة رائعة، وهذا بفضل أميني المتحف بيتس وستيفانو كاربوني. والأخير متخصص بالفن الإسلامي من متحف المتروبوليتان وضمن الدليل الذي يقدم ملاحظات حول الدراسات الإسلامية التي تتناول هذه العلاقة المعاكسة، وتعززت على يد 15 طالبا من كلية هنتر ومركز الخريج من جامعة نيويورك الذين عملوا على هذا المشروع.

* خدمة «نيويورك تايمز»