أعمال الرواد تنافس الأعمال المعاصرة في مزاد كريستيز للفن العربي والإيراني

في ظل إقبال من الجمهور العربي على اقتناء الأعمال الفنية

«الجدار» للفنان الإيراني برويز تنافولي (كريستيز للمزادات)
TT

شهد العام الماضي انتعاشا في سوق الاعمال الفنية في منطقة الخليج وخاصة بعد انشاء أفرع لدور مزادات عالمية هناك مثل كريستيز و بونهامز. وفي ظل إقبال غير مسبوق من الجمهور العربي والخليجي على اقتناء الأعمال الفنية وعلى حضور المزادات الفنية تتبادر الى الذهن مجموعة من التساؤلات حول استعداد المنطقة لمثل هذه النشاطات وحول الحركة الفنية هناك خاصة، ان النشاط من هذا النوع ظل مقصورا على فئات محدودة من المهتمين بالأعمال الفنية والذين كانوا يتوجهون الى السوق العالمية طلبا لبغيتهم.

ويجيب استطلاع اصدرته كريستيز في منتصف الشهر الحالي عن عديد من الاسئلة ويحضر المتلقي لتفاعلات مزاد كريستيز القادم في دبي الخاص بالأعمال الفنية العربية والايرانية والذي سيعقد في 30 ابريل القادم.

ويقول مايكل جيها، مدير عام كريستيز في الشرق الاوسط ان الاستطلاع يستكشف العادات الشرائية للاعمال الفنية في المنطقة ويعكس تغيرا واضحا في الساحة الثقافية لمنطقة الشرق الاوسط خلال الاعوام الاخيرة خاصة في الدعم الحكومي المتمثل في إقامة المؤسسات والمتاحف الفنية. ويضرب جيها المثل بازدياد عدد المعارض الفنية في دبي والمنطقة في خلال السنوات الخمس الاخيرة بحيث وصل عددها في دبي الى 23 معرضا مقارنة بـ5 معارض.

ويشير جيها الى المزاد القادم الذي يضم 198 قطعة فنية نادرة لفنانين عرب وايرانيين، ويقول إن العائد المتوقع للمزاد يتراوح ما بين 9 الى 13 مليون دولار، ولكنه يضيف ان المزادات السابقة تخطت التوقعات وبالتالي فمن الممكن ان يكون هناك العديد من المفاجآت في الطريق.

ويشير الاستطلاع الى ان حركة امتلاك الاعمال الفنية في منطقة الشرق الاوسط تحكمها عدة عوامل، اولها القيمة الجمالية للعمل ويأتي بعدها سمعة الفنان ومكانته، ثم القيمة الاستثمارية للعمل، وهو ما يشير الى تطور الوعي الفني بشكل واضح. ولا يمنع ذلك من ان ينجذب الجمهور الى أعمال فنان بعينه نتيجة لسمعته العريضة ويضرب جيها المثل بالفنان المصري أحمد مصطفى الذي يتنافس المزايدون على اعماله بسبب سمعته الرائدة في مجال الخط العربي.

أما بالنسبة لجنسيات المشترين فيشير الاستطلاع الى أن 50% من المشترين من منطقة الشرق الاوسط والخليج خاصة. ولكن جيها يشير الى أن المشتري العالمي يتابع القطع الفنية اينما وجدت. ويشير الاستطلاع الى مشاركة مقتنين ومشترين من نحو 30 دولة في كل مزادات دار كريستيز المقامة في دبي.

وكان لا بد من طرح السؤال حول اكثر الاعمال المعروضة جذبا للمشترين خاصة انه من الطبيعي افتراض ان يُقبل الجمهور العربي على الاعمال التي تعكس المنطقة وثقافتها. وفي هذا الصدد يقول جيها، إن الاعمال العربية والايرانية تتفوق على غيرها في جذب المشترين، ولكنه يشير ايضا الى ان هناك سوقا متنامية للأعمال الغربية.

ويشير جيها الى ان المزاد القادم يضم مجموعة من الاعمال لفنانين معروفين حققت اعمالهم ارقاما قياسية في المزادات السابقة، امثال الفنان السوري فاتح مدرس والذي يقدم المزاد القادم له لوحة بعنوان «زفاف في جبال القلمون» التي تعدُّ إحدى أهمِّ أعماله النادرة، وتتراوح قيمتها بين 200-300 الف دولار ورسمها عام 1977 وتشمل وريقات ذهبية ورمل وألوانا زيتية على القماش. ويقول خبراء مزادات الأعمال الفنية إنَّ هذه اللوحة ستشهد منافسة لافتة من قبل المقتنين من المؤسسات والأفراد لندرتها أولاً ولأنها تمثل «ثلاث لوحات في واحدة». وينتمي فاتح المدرس مع عدد من معاصريه إلى مدرسة تهتم برصد حياتنا اليومية بتفاصيلها الدقيقة ومشكلاتها العابرة. وتبرز اللوحة المشاركة حياة الفلاحين البسطاء عبر حفل زفاف تقليدي.

ومن الاعمال المطروحة في المزاد القادم تحفة برونزية تعود إلى ما قبل الثورة الإيرانية تحمل اسم «الجدار» للفنان الإيراني برويز تنافولي والتي نحتها في عام 1975. ويقول خبراء مزادات الأعمال الفنية العالمية إن المنحوتة النادرة ستحقق ما بين 400 الى 600 الف دولار على أقلِّ تقدير. وتعدُّ هذه المنحوتة جزءاً من مجموعة برونزية شهيرة للفنان تنافولي والمسمَّاة «جدران إيران» والتي تمثل معاً أهمَّ وأعظمَ أعماله وإبداعاته على الإطلاق. يُشار هنا إلى أن بقية الأعمال المنضوية تحت سلسلة «جدران إيران» معروضة في نخبة من المتاحف ودور الأعمال الفنية العريقة من أمثال متحف الفن المعاصر في فيينا، ومتحف لودفيج في آخن بألمانيا، و«جيري آرت جاليري» بجامعة نيويورك، فضلاً عن متاحف في أصفهان وطهران. ويضم المزاد أعمالا لفنانين عمالقة من العالم العربي أمثال الفنان المصري محمود سعيد الذي يعدُّ أحد أهم الفنانين العرب المعاصرين الذين حظيت أعمالهم بدراسات أكاديمية معمقة، والذي يعدُّ أيضاً أحد رواد الحركة الفنية التشكيلية في العالم العربي، حيث يضمُّ المزاد المقبل لوحة بعنوان «مشهد سيروس» انجزت عام 1949 والتي تبلغ قيمتها التقديرية ما بين 200-250 الف دولار، كما يضمُّ المزاد واحدة من أوائل أعماله الإبداعية وهي اللوحة المسمَّاة «فنار الملك»، وهي لوحة زيتية قماشية رسمها في عام 1918، كما أنها خامس أقدم لوحة له حيث أبدعها في مطلع الحركة الفنية العربية وتقدر قيمتها بنحو 120,000-150,000 دولار. والى جانب سعيد يقدمُ المزاد بعض أهمّ أعمال الفنانَيْن المصرييَّن «الأخوين وانلي» التي تمَّ جمعها من مقتنيات مصرية خاصة. ومن المعروف أن الفنانَيْن المصرييَّن سيف وأدهم وانلي أبدعا أعمالهما في مَرْسم واحد. وإذا كانت أعمالها تبدو للرائي عن بُعْد وكأنها متشابهة في جوانب عديدة، غير أن نظرة فاحصة ستظهر الكثير من الاختلافات العميقة. ويقول النقاد إن أعمال أدهم وانلي ذات طبيعة حسِّية لافتة وهي تتمحور حول عالمه ومحيطه، وهو ما يمثل امتداداً طبيعياً للمدرستين الانطباعية وما بعد الانطباعية، أو الانطباعية الجديدة. أما أعمال سيف وانلي فذات طبيعة تجريدية وهي تنبئ باتجاهات الفن المعاصر عالمياً. ومن أعمال أدهم وانلي المشاركة في المزاد لوحة «المغني»، وهي لوحة زيتية تعود إلى عام 1952، ولوحة «الدبكة اللبنانية» وتتراوح قيمتها التقديرية بين 40-60 الف دولار، وهي تعود إلى عام 1956. وأما لوحات سيف وانلي المشاركة في المزاد فهي لوحة «قرية نوبية» والتي تعود إلى خمسينيات القرن العشرين، ولوحة The Accordonist «عازف الاوكورديون» التي تعود إلى عام 1959 وتقدر قيمتها بين 35-50 الف دولار.

أما الفنان المصري أحمد مصطفى فيعرض له المزاد لوحة استثنائية بعنوان «تأملات في ثلاث موضوعات من سورة يس» تعود إلى عام 2006، وهي لوحة ثلاثية متصلة وتتراوح قيمتها بين 350-400 الف دولار.

وعلى صعيد لوحات الخط العربي ايضا يشمل المزاد نخبة من أعمال الفنان الليبي علي عمر الرميص الذي يعدُّ أحد أشهر الفنانين العرب وأحد رموز المدرسة الحروفية المتأثرة بجمالية الخط العربيِّ. ومن أعماله المشاركة في المزاد لوحة «قاف عاصف» التي تعود إلى عام 1983 تقدر قيمتها بين 65-85 الف دولار وتبرز طريقة إبداعية غير مألوفة في رسم الحرف «قاف» تشبه إلى حدٍّ ما المدرسة الكوفية التقليدية. وعلى خلاف أعمال علي عمر الرميص الأخرى فإن هذه اللوحة تتسم بخَطَّة ذهبية لافتة في زواياها. وهناك لوحة مشابهة لها ضمن مقتنيات معهد سميثسونيان في العاصمة واشنطن. و من مصر الى العراق يضمُّ المزاد عملاً إبداعياً ضخماً ذا قيمة استثنائية يعود إلى ستينيات القرن الماضي للفنان العراقي ضياء عزاوي الذي يقول بعض النقاد إنه أشهر الفنانين العراقيين الأحياء قاطبة، حيث سيتم عرض لوحة «اسطورة شعبية» التي تعدُّ أحد أهمِّ إبداعاته وتعود إلى عام 1968، وأهم ما يميز هذه اللوحة ألوانها النادرة التي لم يرها النقاد في أعماله اللاحقة وتقدر قيمتها بين 80-120 الف دولار.

كما يشمل المزاد المقبل سبعة أعمال استثنائية للفنان الإيراني شارل حسين زندرودي. وتضم المجموعة نماذج لأعماله على امتداد خمسة عقود وذلك في الفترة بين الستينيات وحتى 2006، حيث يمثل كلّ عمل منها مرحلة إبداعية في حياته، بدءاً من أعماله مع المدرسة التقليدية الجديدة ووصولاً إلى تجربته مع المدرسة الحَرْفية والتزيينية. ومن أهمِّ الأعمال المشاركة لوحة «هاف+هوي» (400,000-600,000 دولار)، وهي لوحة أكريلية قماشية تعود إلى عام 1972 يبلغ حجمها مترين مربعين وتعدُّ استثنائية في استخدامها لظلال اللون الأحمر وموازنتها بين الألوان، وخاصة الأسود والأبيض والأحمر، الأمر الذي يجعلها ذات لمسة إبداعية مهيمنة منذ الوهلة الأولى. ومن لوحاته الأخرى المشاركة في المزاد لوحة «تشار باغ» التي تعود إلى عام 1981 ولوحة «لنثال- منامة» حيث تتراوح التقديرية لكلٍّ منهما بين 250-300 الف دولار. كما يشمل المزاد المقبل عدداً من أعمال الفنان اللبناني بول غيراغوسيان، بما في ذلك لوحة «احتفالات» التي تبلغ قيمتها التقديرية 200-250 الف دولار، وهي أضخم لوحة على الإطلاق للفنان التشكيلي الشهير تعرض في مزاد عام.

كما من المتوقع أن تلقى لوحة الفنان الإماراتي عبد القادر الريس بعنوان «بشارة وهي لوحة خطية ثلاثية ضخمة، منافسة من المزايدين وأن تباع بقيمة تفوق قيمتها التقديرية السابقة للمزاد والبالغة 150 – 250 الف دولار. يُقام المزاد في فندق أبراج الإمارات عند الساعة 6:30 مساء من يوم الأربعاء 30 أبريل (نيسان).