زارنا في البيت خال أمي مع أبنه وقد طاب المقام لخالي وأراد أن يمكث فترة أطول، فسألني أن كنت أستطيع أن أوصله لبيته بعد انتهاء السهرة، بالطبع أجبته بنعم لسنه وإرضاء لوالدتي، بعد ذلك سمح خالي لولده بالذهاب. بعد انتهاء السهرة ركبنا السيارة لإيصال الخال لمنزله، مثله مثل غيره من كبار السن بدأ الأسئلة هل تعمل عملا آخر بجانب الوظيفة؟ أجبته بلا. هل تشتغل في العقار أو الأسهم وأنا خالك؟
أجبته أيضا بلا، تلفت خالي وقال: لا تعمل في وظيفة أخرى ولا تشتغل في العقار أو الأسهم ....! كررت الإجابة السابقة لا، أخذ خالي نفسا طويلا وقال يا بني في بلدنا لا يثري إلا شخصين رجل استفاد من جاهه الوظيفي وعمل في العقار أو الأسهم أو رجل يسرق.... ضحكت كثيرا بعد سماعي هذا التعليق الظريف من خالي، وبدأت أحدث به بين زملائي على سبيل النكتة.
لطول الزمن نسيت الحكاية ولكنها فجأة قفزت إلى ذهني حين تناقلت الصحف أن أحد كتاب العدل رصيده ربع مليار فقط، وأن عددا من كتاب العدل في السعودية بلغ عددهم 23 كاتبا أوقفوا عن العمل وأحيلوا للتحقيق. حقيقة الأمر سعدت كثيرا بهذا القرار وأعتبرته بداية حقيقية نحو الإصلاح وتفعيل لهيئة القضاء على الفساد. ومما يميز القرار أنه جريء ويمس فئة محسوبة اجتماعيا وهو يجعل مثل هذه الفئة خاضعة للمحاسبة وليست خارجة عنها وأن كلا من تسنم عملا عاما يجب أن يكون قيد المحاسبة، وعلينا أن نتذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يضبط بها كتاب عدل مخالفين وبعضهم أدين في مرات سابقة. رغم سعادتي بالقرار فأن الصحف في رأيي لم تتعود التعامل مع مثل هذه الحالات بل تعاملت معه كخبر مثير ويجلب القراء. بينما مثل هذه الأخبار لها تبعات اقتصادية سلبية أو إيجابية ففي بلد ينتشر فيه الفساد يكون الخبر إيجابي لأنه بداية لتغير معين، وفي بلد لا يحدث فيه مثل هذا الأمر هو سلبي كونه ينبئ عن تغير السلوك الحسن. المهم أو يهمني أن التعاطي مع الحدث صحافيا لم يكن بشكل مرضي وقد يكون السبب الجدة (الحداثة) في التعامل مع مثل هذه الأحداث، فقد تم التعاطي مع الخبر وكأن هؤلاء مدانين أو قد تمت إدانتهم إعلاميا بينما الحقيقة أنهم متهمون ويجب أن يحقق معهم ويحاكموا وعلى ضوء ذلك يتم الحكم. لاسيما أنه من المحتمل أن يكون لديك ربع أو نصف أو مليار ريال فهذا أمر ممكن في بلد نفطي، يمكن لموظفيه أن يعملوا في سوق العقار أو الأسهم ويثروا ثراء جيدا لا سيما إذا كانوا قد ورثوا ثروة جيدة من أحد والديهم. وللسيطرة على مثل هذا الموضوع يجب أن يكون هناك كشف بالممتلكات قبل دخول الوظيفة ويكون هذا الشرط أحد مسوغات التعيين أو شروطه في الوظيفة العامة، وهو ليس بدعا فهو مطبق في «أرامكو السعودية» وفي هيئة سوق المال وبقي تعميمه، والله يرعاكم.
* اقتصادي سعودي