تليسكوب القطب الجنوبي يتجه نحو السماء بحثا عن «طاقة الظلام»

المنظار العملاق يبحث عن أدلة قد تحدد تاريخ الكون

مساكن العلماء في القطب الجنوبي الذين يبحثون عن طاقة الظلام «لوس انجليس تايمز»
TT

تليسكوب القطب الجنوبي العملاق، سيكون المنظار الأكبر، حيث يبلغ طوله بناية من سبعة طوابق، ومزود بمرآة يبلغ قطرها 32.5 قدم. وكان أول وصف «لطاقة الظلام» قبل تسع سنوات، أنها قوة غامضة تحدد مصير هذا الكون. وحيث أنها فرضت سطوتها بالفعل عن طريق قوانين الجاذبية، فإنها تدفع المجرات بعيدا عن بعضها بعضا، مما يتسبب في تمدد الكون بمعدل أسرع من أي وقت مضى. وعلى الرغم من أنه من المعتقد أن طاقة الظلام تشكل 70% من كتلة الكون، إلا أنها غير منظورة ولا يبدو أنه يمكن تتبعها. ولا أحد يعرف ماهيتها، أو مكانها أو كيف تعمل. ويمزح روكي كولب عالم الكونيات من جامعة شيكاغو، بقوله: «إذا رأيتها في البدروم، فالأفضل لك أن تواظب على تناول دوائك». ولكنه يعلم أكثر من غيره أن حكومات وعلماء العالم قد أولوا عناية خاصة بالحصول على الفهم الكامل لهذه القوة غير المنظورة. وأضاف كولب، الذي شغل منصب رئيس قوة مهام طاقة الظلام، التي تشكلت عام 2005 من قبل وزارة الطاقة الأميركية ووكالة ناسا ومؤسسة العلوم القومية: «يعتقد الكثير أن طاقة الظلام هي أهم المشكلات في الفيزياء اليوم».

ومن شأن معرفة ماهية طاقة الظلام، شرح تاريخ ومستقبل الكون، وفهم جديد لقوانين الفيزياء التي يمكن تطبيقها على الإبداع البشري، مما سوف يغير من أسلوب حياتنا، تماما مثلما حدث مع إنجازات تقنيات الحجم التي أظهرت رقائق الكومبيوتر. وبتوجيه مرآته الضخمة نحو السماء، بدأ المنظار البحث في سماء القطب الجنوبي عن أدلة تثبت هذا الشيء الغامض. وحيث يتم توجيه هذا المنظار من بعيد بواسطة جامعة شيكاغو، فإن هذا المنظار الذي يتكلف 19.2 مليون دولار قد ينجح سريعا في مهمته الأولى، وهي: العثور على مجموعات من المجرات غير المعروفة، التي تعتبر بمثابة إشارات على نشوء طاقة الظلام. ربما تكون جامعة شيكاغو صاحبة أقوى حضور يهتم بعلوم الفضاء في القطب الجنوبي من بين المؤسسات التعليمية الأخرى، وقد قامت ببناء العديد من المناظير التجريبية الأصغر هناك خلال العشرين سنة الماضية. ولكن مشروع هذا المنظار ربما يكون أكثر المشروعات طموحا حتى الآن. وقد كان من اللازم بناء مكوناته بطريقة خاصة من قبل العلماء والفنيين في العديد من الأماكن حول العالم، ثم يتم شحن هذه المكونات إلى أنتاركتيكا لتجميعها بصورة نهائية. وقد تم تصميم أكبر الأجزاء في هذا المنظار، بحيث يمكن حملها في طائرات النقل العسكرية المزودة بالزحافات. وقد استغرق نقل 260 طنا من مكونات هذا المنظار نحو 25 رحلة طيران. وفي نهاية العام الماضي، أمضى طاقم، معظمه من طلبة التخرج، نحو ثماني ساعات كل يوم، للمساعدة في تركيب هذا المنظار. يقول جواشين فييرا، أحد طلبة الفيزياء، البالغ من العمر 28 عاما: «الجو شديد البرودة هنا، لأننا لا نتحرك كثيرا. وهناك حديد صلب من أمامنا ومن خلفنا، كما اننا نتعامل مع الحديد الصلب كذلك». وقد كان الطاقم يقوم بتجميع مرآة من الألمونيوم يبلغ قطرها 10 أمتار، وكانوا يربطونها بمسند من فايبر الكربون، مصمم لإمساك المرآة بقوة وسط رياح القطب الجنوبي العاصفة. وفي وقت سابق، قضى هذا الطاقم نحو ثلاثة أشهر في تركيب مرآة وسط صحراء الصيف الحارق في كيلجور، بولاية تكساس. وفي القطب الجنوبي، لم تتعد درجات الحرارة أكثر من 20 درجة تحت الصفر. وقد أفاد أعضاء الطاقم بأن الأمر كان يستغرق ساعات داخل البيت قبل أن ترجع أصابعهم إلى طبيعتها ويستطيعون الكتابة على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم. يقول جيف ماكماهين، البالغ من العمر 29 عاما، وهو طالب دكتوراه في الفيزياء: «علينا أن نجمع هذه القطع معا بدقة متناهية. وإذا حدث أي خطأ فإنك تعرض العمل كله للخطر. كما اننا قد نضطر إلى الوقوف من دون حركة في درجة حرارة أقل من 20 درجة تحت الصفر».

وكان هناك بجانب عمال الحدادة الذي يجمعون المكونات الأساسية للمنظار، جون إي كارلستروم، وهو عالم فلك في القطب الجنوبي وعالم فيزياء فلكية في جامعة شيكاغو، وهو رئيس الفريق الدولي الذي قام بتصميم وتركيب المنظار. وهناك علماء كبار في ستة معاهد أخرى يتعاونون مع فريق كارلستروم في شيكاغو، ومن هذه المعاهد: جامعة إلينوس في أوربانا – شامبين ويو سي باركلي ومعامل الدفع النفاثة بناسا وجامعات هارفارد وكاس ويسترن ريزرف وماكجيل. وتمول مؤسسة العلوم القومية هذا المشروع بصورة أساسية، بالإضافة إلى بعض المال الذي يأتي من متبرعين اثنين في كاليفورنيا ومؤسسة كافلي ومؤسسة جوردون وبيتي مور. وقد عمل كارلستروم، وهو المفكر والمتحدث اللبق، على تطوير مهاراته في معامل الفيزياء عن طريق العمل في البناء أثناء دراسته الجامعية. ويبدو أنه يحب العمل على حل شيفرات الأمور الغامضة، ولكنه ما زال حائرا بشأن الحقائق الجديدة التي تثبت وجود طاقة الظلام. ويقول: «من المحزن أننا نجد أنفسنا وقد فقدنا 70% من كثافة الكون. إنه أمر صعب الاستيعاب، أن هذا الشيء يتحكم في الكون، ولكن هناك الكثير من الأدلة تجعلنا نقول إنها موجودة هناك».

إن المشاكل التي يحاول كارلستروم وفريقه حلها، تتعلق بالقرن الحادي والعشرين، وهكذا الحال مع الكثير من التقنيات التي يستخدمونها، ولكن المنهجية تنتمي إلى مدرسة قديمة.

ولآلاف من السنين، كان علماء الفلك حائرين بشأن حجم وشكل وكيميائية الكون، وكانوا يستخدمون في أول أمرهم العين المجردة، ثم تطورت أدواتهم إلى المناظير المتطورة والمعقدة بعد ذلك. وفي معظم الأحيان، فإنهم يدرسون حركة الأشكال الكبيرة التي يرونها في السماء ويحاولون تطبيق قوانين الفيزياء المعروفة لديهم عليها لتحليل ما يرونه أمامهم. ولا يمكن للمنظار أن يبحث مباشرة عن طاقة الظلام. ولكنه بدلا من ذلك، يجمع المعلومات التي يأمل الباحثون في أن تقود إلى فهم أفضل لهذه القوة الغامضة، عن طريق تتبع كيفية نشوء طاقة الظلام لأول مرة وكيف تغيرت خلال مليارات السنين. ولعمل ذلك، يستخدم العلماء منظار القطب الجنوبي للبحث عن المجموعات الضخمة من المجرات ـ وهي المكونات الأخيرة في الكون التي تحركها قوة الجاذبية بعد الانفجار الكبير. ففي البداية، شكلت الجاذبية النجوم، ثم المجرات، وأخيرا المجموعات الضخمة التي تتكون من 50 إلى 1000 مجرة. ولكن عند نقطة ما، فإن طاقة الظلام كانت لها اليد العليا على قوة الجاذبية، حيث أبطأت وأوقفت تكوينات الجاذبية، وبدلا من ذلك، بدأت في دفع المجرات بعيدا عن بعضها بعضا. يقول كارلستروم: «ليس من الخطأ أن نعتقد أن طاقة الظلام تعمل كجاذبية سلبية». وبمعنى آخر، فإنها قوة تسبب تباعد المادة بدلا من انهيارها تماما. والفكرة وراء منظار القطب الجنوبي هي أن نحاول تتبع عدد مجموعات المجرات التي تكونت خلال الفترات الزمنية المختلفة للكون، وكيف تكونت، ومتى أبطأت أو أوقفت طاقة الظلام هذا التكوين. ويقول كارلستروم: «إننا نشاهد لعبة شد الحبل بين طاقة الظلام والجاذبية، حيث يتصارعان على تمديد أو هدم الكون».

ومجموعات المجرات نادرة، وربما تشكل 1% من كل النجوم في الكون، ومعظمها متباعد ويندثر، لدرجة أن معظم المناظير البصرية واللاسلكية لا تستطيع تتبعها.

* خدمة «لوس انجليس تايمز»