الوثائق السرية البريطانية ـ 1977 عام الســادات العاصف ـ للندن رأي في رأي السفير حول من يحكم مصر: لن أفعل شيئا من أجل أن أرفع أوهاما كاذبة وإذا تركنا السادات لمصيره فالنكسة هنا يمكن أن تكون كريهة

قدم صورة جريئة للجمسي وفهمي ولدائرة الحكم الداخلية ولمح إلى اختفاء السادات عن المسرح السياسي * السفير ويلي موريس دخل طائعاً حقل الألغام وتساءل: من يحكم مصر؟

عثمان أحمد عثمان ود. مصطفى خليل
TT

وثيقة رقم : 04

* التاريخ : 29 يوليو 1977

* من : كارولين سينسلير ـ الى : السكرتير الخاص.

الموضوع : من يحكم مصر ؟

وزير الدولة رأى مذكرة مستر باول بتاريخ 28 يوليو وعلق عليها بالآتي:

السادات أظهر شجاعة في الجبهة العربية الإسرائيلية، وإذا تركناه عليه فسيكون لدينا الكثير الذي يطالبنا بالإجابة عليه، والنكسة هنا يمكن أن تكون كريهة.

* وثيقة رقم : 03

* التاريخ : 1 أغسطس 1977

* من: دبليو . كي .برندرغاست، السكرتير الخاص لوزير الدولة. ـ الى : مستر باول، مدير إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، سري للغاية.

الموضوع : من يحكم مصر؟

وزير الدولة رأى مذكرتك بتاريخ 28 يوليو التي غطت رسالة السير دبليو موريس بتاريخ 16 يوليو، والمذكرات في هذا الشأن من مستر وير ومسز سينسلير، وجاء تعليقه بالتالي:

أحد الطرق لتجنب، أو على الأقل تقليل، مخاطر نكسة يكمن في تقليل جو التفاؤل الذي يحيط بالمفاوضات، ولن أفعل شيئا من أجل أن أرفع أوهاما كاذبة. علينا أن نخلق مناخا يرى المفاوضات على مستوى زمني من عامين، أخشى ذلك. إذا ذهبت الأمور بصورة أسرع فحبا وكرامة. علينا ألا نقول هذا ولكن أن نتصرف وفق أنها ستأخذ وقتا.

(التعليقان في هاتين الوثيقتين جاءا كرد على مذكرة ضافية من سي . دي . باول، الذي يبدو أنه مدير إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، بحكم مخاطبته المباشرة للوزير بتقدير من الشرق الأوسط، ولكن باول وافق السير ويلي موريس السفير بالقاهرة في معظم ما ذكره واختلف في القليل، ولذلك لم نشأ أن نورد وثيقة باول .. والإيضاح من الشرق الأوسط)

* وثيقة رقم: 2/77

* التاريخ: 16 يوليو (تموز) 1977

* من: ويلي موريس، السفير، القاهرة ـ الى: وزير الخارجية، لندن، سري للغاية.

الموضوع: من يحكم مصر؟

11/ (الفقرات من 1 الى 10 حملتها حلقة أمس، الإيضاح من «الشرق الأوسط») لدي القليل الذي يمكن أن أقوله عن اثنين من نواب رئيس الوزراء. أهمية المشير الجمسي وزير الدفاع معروفة جدا وسيظل كما كان دائما شخصية بارزة، والطرح الجديد والوحيد الذي سمعته في الشهور الأخيرة أنه ليس محبوبا في أوساط القوات المسلحة، ولكن لا أحد يشك أن هذا العسكري الصارم والمحترف يحظى بالاحترام من العسكريين، ولكن قيل إنه لم يكن متعاطفا مع المظالم المتعلقة حول الرواتب وحالات الخدمات الأخرى وقد يكون هناك في القوات المسلحة من اكتشف نفوره من السياسة بصورة مطلقة في وقت أصبحت فيه معظم سياسات النظام مفتوحة للنقد. ليس هناك دليل ان ولاءه للرئيس موضع شبهة، ولكن، وكما قلت من قبل، من الممكن أن نتصور ظروفا يمكن أن يخلص فيها الجمسي الى أن على القوات المسلحة القيام بلجم السلطة في مصر أو تطالب بتغيير في السياسة.

12/ اسماعيل فهمي وزير الخارجية: يوقف نفسه بصورة كبيرة على الشؤون الخارجية، وبقدر ما بقيت العلاقات مع أميركا والغرب عموما على أهمية جوهرية لمصر، ربما يكون هو، بخلفيته ونزوعه، الرجل الصحيح لإدارة سياسة مصر الخارجية. وهو رسمي سابق، ولا يزال يحمل من سمات الرسمي أكثر مما يحمل من سمات الشخصية السياسية. وكما أوضحت سابقا، فخلافاته الحالية مع الرئيس حول العلاقة تجاه الاتحاد السوفياتي أكثر حدة من كونها مجرد حدث معزول لأنها تمثل اتجاها في وجهة النظر يشارك فيه سيد مرعي والمشير الجمسي. ولكن هذا لا يعني أنه قد أصبح مواليا للشرق، أو أن هناك أي نوع من التحالف بين هؤلاء الثلاثة ضد الرئيس.

13/ ربما لا أكون قد أشرت الى الدكتور عبد المنعم القيسوني نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية إذا كنت قد كتبت هذه الرسالة قبل ستة أشهر. ولكن ومنذ تقلده مهامه في نوفمبر(تشرين الثاني) 1976 بدأ ينمو بشخصيته تدريجيا في المشهد السياسي. وبمعنى أنها توصياته التي أحدثت أزمة يناير، ولكن لا أحد بدا ملقيا اللوم عليه في ذلك. والنظر اليه يتم بأنه تكنوقراط قدم توصيات، وربما بدت معقولة فنيا فيما كان بوسع رؤسائه السياسيين رفضها بسبب عدم معقوليتها السياسية. وقد كسب احتراما خاصا برد فعله على أحداث يناير، فقد كان العضو الوحيد من كل الإدارة الذي عرض استقالته، وحينما تم رفضها، استمر يجادل بأن لا مفر من الإصلاح الاقتصادي الجذري. وقد تولى مهمة استقطاب الأموال من العالم العربي مع دور محوري في وضع حزمة كبيرة من العون المالي الأجنبي لمصر. وتعود معظم ملامح الجدية والواقعية التي ظهرت في النقاش الاقتصادي في الأشهر الأخيرة، مع الاحتفاظ بإمكانية نسبيتها، في معظمها الى القيسوني. بدا لبعض الوقت أن ممدوح سالم كان مصرا على الاحتفاظ بقيادته الاقتصادية، فكان من الملاحظ أنه ومتى ما قدم القيسوني تقاريره للرئيس السادات، يكون ممدوح سالم موجودا. ولكن الذي يبدو أن القيسوني كسب الآن دورا أكثر استقلالية، أكده ظهوره في مطلع يونيو (حزيران) في أحد اجتماعات السادات الدورية مع رؤساء المؤسسات (فيها كل المجموعة التي حملتها الفقرة الثانية أعلاه، رغم أن الجمسي يشارك بالحضور فيها فقط حين تكون المسائل العسكرية محلا للنقاش). هناك علامة استفهام حول صحة القيسوني، فقد ظلت فقيرة في الماضي القريب، ومن غير المؤكد ما إذا كان سيستطيع الصمود في وجه ضغوط موقع وزاري لفترة طويلة.

14/ مصطفى خليل، السكرتير الأول للاتحاد الاشتراكي العربي، هو الرجل الذي وضع بصورة متواترة كخليفة محتمل لممدوح سالم كرئيس للوزراء، وهو تكنوقراط مهذب ومصقول. وفي حكم المقبول عموما، أنه، ومرعي، والجمسي، وممدوح سالم هم المؤثرون الأساسيون على الرئيس، ولكن سبب وضعه في هذا المنصب بهذه التراتبية غير عادي. لم يسحرني بديناميكية وقوة الشخصية المطلوبة لرئاسة مجلس وزراء مصري، ولكن رئيس الوزراء الحالي لم يفعل أيضا. ويبدو أن حقل مشاورة الرئيس له تكون بصورة خاصة في التطورات الداخلية السياسية والدستورية. ويسميه هيكل المرافع الذي جعل استخدام سلاح النفط عام 1973 ممكنا. ففي الماضي حينما كان الاتحاد الاشتراكي العربي مؤسسة ربما أكثر أهمية من مجلس الشعب، كان سكرتيره الأول السابق رمزا بأهمية سياسية، ولكن الآن، وبقاء الاتحاد الاشتراكي فقط بلجنة مركزية، والتي عين هو فيها سكرتيرا أول، فموقعه في السلم السياسي شيء منفصل عن المكتب، ولا استبعده كرئيس وزراء مستقبلي لمصر.

15/ يمكن تناول الشخصيات الهامشية باختصار الدكتور اشرف مروان بدأ سابقا التعدي خلسة على حدود وزارة الشؤون الخارجية وعمل كرابط بين الرئيس ومجتمع الاستخبارات، وقع في خطأ مع زوجة السادات ونقل من موقعه في الرئاسة إرضاء لها، ولكنه استعاد أهميته في حقل مبيعات الدفاع، وعلى وجه التحديد، ولكن ليس بصورة حصرية، في الهيئة العربية للتصنيع، وظل رجل اتصال بالعرب الآخرين، ولا يزال يملك إمكانية وصول جيدة الى الرئيس ويبدو حسن الاطلاع بتفكير السادات. وربما لا تزال لمروان طموحات سياسية، وأحسب أن حظوظه مرتبطة بحظوظ الرئيس، ولكن مروان يعمل أيضا بصورة قريبة مع الجمسي.

16/ بعد الجمسي، من المحتمل تكون الشخصية الأكثر نفوذا في القوات المسلحة الجنرال محمد علي فهمي رئيس هيئة الأركان، وهناك تقارير بأنه لم يكن الجمسي هو الذي اختاره للوظيفة، وأشتبه، أنه لن ينظر اليه لا من السادات ولا من الجمسي كخليفة محتمل كوزير للحربية، وهناك إشاعات بأن له طموحات سياسية، وله شخصية أكثر دفئا من الجمسي، ومن الممكن تصوره قائدا لحركة مبنية على عدم الرضاء في أوساط القوات المسلحة ضد الجمسي.

17/ عضوان من دائرة الرئيس الأسرية بطموحات سياسية الى جانب سيد مرعي هما المقاول عثمان أحمد عثمان، وابنه متزوج من بنت أخرى للسادات، وأبو وافية المتزوج من شقيقة حرم السادات. ويقال أن عثمان أحمد عثمان أهدى الرئيس السادات منزلا خاصا بالجيزة، عبارة عن فيلا من طراز مباني بداية هذا القرن، بناها أحد أبناء الطبقة البرجوازية اليهودية المصرية. إحدى القصص المناوئة للسادات وقد دارت قبل عام هنا، وليست جادة جدا ولكنها موحية، أن السادات يعد العدة ليخلفه عثمان أحمد عثمان كرئيس مع أبو وافية كرئيس للوزراء. عثمان كان وقتها وزيرا نافذا للإسكان والتعمير وأبو وافية سكرتيرا عاما لحزب الوسط الجديد (الحكومي). ولكن عثمان غادر الحكومة في تعديل نوفمبر الوزاري، بتقارير تقول إن طلباته تجاه الضمانات حول أموال التعمير لم تلب، ولكنه ظل على علاقات شخصية جيدة بالرئيس. واستقال أبو وافية من منصبه من حزب الوسط في يناير الماضي بحجة الحالة الصحية، ولكن، وفي حقيقة الأمر، لأنه قام بتشويش في إدارة مجموعة برلمانية في غضون زيادات الأسعار وما تلاها من أحداث شغب. هناك إشاعات أنه يخطط لنحت حزب سياسي جديد خارج من حزب الوسط.

18/ شخصية في الظل، لا أستطيع تقييم أهميتها لأني لم أر الكثير منه، هو عبد القادر حاتم، المشرف العام على المجالس القومية المتخصصة، وقد تقلد مواقع كثيرة تقترب من القمة منذ 1952، ولكن تعيينه الحالي، الذي تم استحداثه عام 1974، يبدو كتقاعد تشريفي له. وعلى أية حال، فهو يستحق الإشارة اليه لأنه بدا ظاهرا ضمن بطانة السادات في المناسبات الهامة، ولا أعرف أن كان ذلك يعني أن السادات يستمع لنصائحه، ولكن من الممكن أن يكون له بعض التأثير على الرئيس.

19/ ليس من السهولة وصف العلاقات البينية داخل الدائرة الحاكمة، ونحن نعرف أن لفهمي والجمسي القليل من الوقت لبعضهما البعض. وظهر أن مرعي ومصطفى خليل يملكان رأيا ليس جيدا في رئيس الوزراء، وربما تكون مشاركة رأيهما هذا واسعة داخل المجموعة، ولكنهما في حالة منافسة لبعضهما. ومن هنا فهناك مادة كافية لتجعل المرء يشك في تماسك الدائرة الداخلية، ولكن التنافس الداخلي، والذي ربما لا يرحب به السادات، أقل أهمية من حقيقة أنه هو السادات الذي يفرض التنافس ويقرره. وربما يبقى معظمهم في موقعه حينما يرغب هو في ذلك، أو لا يرغب بعد لحظة قادمة.

من هو الذي سيحكم بعده؟

20/ الطبيعة المبهمة والقائمة على التوقع لأي إجابة يمكن أن تقدم على مثل هذا السؤال مقياسا للقبضة التي يملكها السادات، عند اختفائه عن المسرح السياسي، فسيكون رئيس مجلس الشعب رئيسا بالوكالة داعيا لانتخاب رئيس جديد، ولا يبدو الدستور مانعا الرئيس المكلف بالوكالة من أن يدخل الانتخابات كرئيس. ومن المحتمل أن يبحث سيد مرعي، السياسي البارز في المؤسسة الحالية، عن أن يكون صانعا للملوك وعن تأثير مهيمن أكثر من بحثه عن الرئاسة لنفسه، متيقنا من قوة العداء الشعبي له شخصيا، ولكن الطموح قد يعميه من ذلك. والجمسي سيكون أكثر قبولا لدى الشعب ولكن نفوره من السياسة سيجعل منه مرشحا زاهدا. لست متأكدا من إمكانية أن يعمل هو ومرعي في تحالف قريب.

21/ السيناريو الآخر هو أن يتعرى وضع السادات سواء عبر المصاعب الداخلية أو بانتكاسات السياسة الخارجية، أو بهما معا، ولدرجة يكون عليه أن يطلب من القوات المسلحة أن تبقيه في السلطة ضد مظاهرات شعبية، من نوع أسوأ من أحداث يناير. ومن المنظور، في أوضاع كهذه، أن الجمسي سيجد أن استخدام القوات المسلحة ضد السكان المدنيين أمر كريه أكثر من البديل، وبزهد يقود حركة مسلحة للاستيلاء على السلطة (كما حدث ذلك في باكستان). وقد توقعت أعلاه أن الفريق علي فهمي عسكري يمكن أن يكون قائدا أقل زهدا لحركة كهذه.

22/ وهذا بالطبع يقود الى سيناريو آخر يقوم على نجاح معارضة مدنية سياسية في تشكيل تحالف مع جماعة معارضة داخل القوات المسلحة، مدفوعة ربما بمهنيين وبنفس القدر بسخط سياسي واقتصادي عام، لتقوم بانقلاب عسكري ضد النظام. ولدينا دليل حي على نوعي السخط، وتقرير جاء أخيرا عن محاولة لجماعة مدنية لبناء مثل ذلك التحالف، ولكن لا يوجد هناك ما يوحي أن أي تحرك يمكن أن يكون وشيكا. وعلى كل، فهي من طبيعة الأشياء أن غير الممكن الذي نعلمه مقدما عن أي مؤامرة يمكن أن تتم، ووقتها ستكون الخلافة في أيدي مجموعة ما من الرواد والعقداء من غير المعروفين لنا.

23/ أرسلت نسخة من هذه الرسالة الى ممثلي جلالة الملكة بواشنطن وموسكو وتل أبيب وجدة ودمشق وعمان.

* توقيع : ويلي موريس ـ السفير ـ القاهرة