تساؤلات حول مصير أبو عبيدة المصري خبير متفجرات «القاعدة»

قاتل في البوسنة والشيشان وفقد إصبعين.. وعاش في بريطانيا وطلب اللجوء السياسي في ألمانيا

TT

إذا ضربت «القاعدة» الغرب خلال الأشهر المقبلة، فمن المرجح أن يكون العقل المدبر هو خبير المتفجرات المصري القصير الممتلئ ذو الإصبعين المقطوعتين. وهو معروف باسم «أبو عبيدة المصري». واسمه غير معروف لغير المتخصصين في محاربة الإرهاب والعناصر الإسلامية. ولكن حسب قول المحققين، فإنه مسؤول عن أحد أخطر مهام الإرهاب الدولي، كرئيس للعمليات الخارجية للقاعدة. ويقول المراقبون إنه قام بالإشراف على خطط مهمة تحتاج إليها شبكات العمل لتبقى نشطة، ومن بين هذه الخطط: تفجيرات لندن عام 2005، وخطة استهدفت طائرات أميركية عبر الأطلسي عام 2006، وخطة استهدفت إحدى العاصمة الاسكندنافية الهادئة في الخريف الماضي. ولكن المطاردين قبضوا أو قتلوا من سبقوه وحاولوا قتله. وهو يجوب المناطق القاحلة في باكستان قبل أن تصل إليها الأقمار الصناعية وقوات الأمن. وعلى الرغم من عدم إثبات التقارير الدورية التي تفيد بقتله، إلا أن الشائعات ظهرت مرة أخرى بعد الغارات الأميركية الأخيرة. وأفاد مسؤول غربي في محاربة الإرهاب عندما سئل عما إذا كان المصري على قيد الحياة أم لا بقوله: «إن ذلك يشكل علامة استفهام».

والمصري نفسه يمكن أن يوصف بذلك أيضا، لأن السلطات لا تعرف غير القليل عن سيرته الذاتية. وهي تعرف وجهه، وتم التعرف على صورة غير منشورة له، ولكن اسمه الحقيقي لا يزال غير معروف. وقال مسؤول بريطاني رفض الإفصاح عن هويته مثل الآخرين في هذا التقرير: «من المعتقد أنه بارع وخطير. وهو ليس من الشخصيات العليا في «القاعدة»، ولكنه كان دائما جزءا من الدائرة الأساسية لفترة طويلة. وقد ظهر واستحوذ على اهتمامنا، في الوقت الذي كان يتم فيه القبض على العناصر الأخرى أو إبعادها خلال العامين الأخيرين. وربما كان ذلك سببا لظهوره بصورة أسرع».

وأبرزت مجلة «التايمز» ظهور المصري، في مقابلات مع مسؤولين في مجال مكافحة الإرهاب وخبراء من أوروبا والولايات المتحدة الاميركية والشرق الأوسط، ومن خلال مراجعة الملفات والتقارير الأكاديمية وتقارير المخابرات. وتشير الأخبار الخاصة به إلى كل من نقاط قوته وضعفه. ويعكس ظهور المصري مرونة «القاعدة» وتعقيد تركيبتها. فبعد أن يسقط القادة، يظهر رؤساء من المستوى الأوسط، ويغيرون التكتيكات والأهداف بصورة مبتكرة وبعزم جديد. ولكن يبدو أن «القاعدة» تضعف على الرغم من الحملات الإعلانية المستمرة والهجوم الضاري لموجات العنف في العراق، وجنوب آسيا وشمال افريقيا. ولكن لم تنجح شبكات العمل في تنفيذ هجوم جديد في الغرب منذ 2005. وأفاد مسؤول بريطاني كبير في مجال مكافحة الإرهاب بقوله: «علينا أن نكون حريصين على عدم الوقوع فريسة للخوف. فاللغة التي استخدمناها في عامي 2001 و2002 أعطت صورة مبالغا فيها عن حجم وتركيب «القاعدة» العنقودي. إنها ليست الجيش الأحمر، بل إنها ليست الجيش الجمهوري الآيرلندي... لقد قمنا بإحراز بعض التقدم على مستوى فكر «القاعدة»، وقد خفف ذلك من عبئنا، ولكن يجب علينا ألا ننسى الانتكاسات التي عانت منها «القاعدة» على مستوى العمليات». وأسهم المصري في خطط كبيرة، ولكن السلطات استطاعت التسلل إلى خليتين قبل أن تنفذا أي هجوم بوقت كاف. وظهر أن بعض المتدربين كانوا يتسمون بالعنف أكثر من الموهبة. كما أفاد المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية، مارك سيجمان، في مقابلة معه بقول: إن عدد القادة الميدانيين المميزين يتضاءل. وكتب سيجمان في كتابه الأخير «جهاد بدون قيادات»: «إن حجم «القاعدة» يتضاءل. نعم ما يزال هناك مدربون أكفاء، وهم يظهرون في وزيرستان (باكستان) ولكن الوجود طويل الأمد للقاعدة على المسرح الأفغاني الباكستاني، يضمحل».

لكن بعض الخبراء الآخرين يرون إشارات على استعادة «القاعدة» لعافيتها. ففي العام الماضي، حذرت وكالات التجسس الأميركية من أن «القاعدة» قد قامت «بحماية أو إعادة شحذ» قيادتها وقدرتها للهجوم على الولايات المتحدة، عن طريق توفير ملاذ آمن لعناصرها في المناطق القبلية الباكستانية. وبلغ المصري منتصف الأربعينات من عمره، حسب ترجمة إيطالية لملف استخبارات ألماني. وقد أفاد المسؤولون بقولهم «لا نعرف غير القليل عن فترة شبابه. وهو ينتمي إلى جيل من المصريين الذين سيطروا على «القاعدة» منذ أن قاتلوا السوفيات في أفغانستان». كما أفاد الخبراء بأن «المصري كان يتبع النمط الكلاسيكي بعد أفغانستان. فقام بالقتال في البوسنة والهرسك في بداية التسعينيات، ثم ذهب إلى الشيشان، وجرح هناك، حسب الملف الإيطالي. وفقد إصبعيه هناك ـ وهي إصابة شائعة بين مقاتلي «القاعدة» بسبب القتال أو المتفجرات. وقضى المصري وقتا كذلك في بريطانيا، حسب الملف. وفي عام 1995، اتجه إلى ميونيخ، بألمانيا، باسم آخر، وطلب حق اللجوء السياسي. وكان من بين أصدقائه هناك طالب علوم كومبيوتر مغربي، تزوج بابنة أيمن الظواهري، وهو نائب أسامة بن لادن، وعاملون أردنيون قادوا خطة عام 2002 لتنفيذ هجوم على بعض اليهود. وفي عام 1999، رفضت السلطات حق اللجوء السياسي الذي تقدم به، وقامت بحبسه لترحيله، ولكن تم الإفراج عنه بعد ذلك لأسباب غير واضحة. وفي عام 2000، رجع إلى أفغانستان ليعمل مدربا في معسكر تدريب بالقرب من كابول، حيث قام بتدريس المتفجرات والمدافع والجغرافيا، حسبما جاء في الملف. وقد وصفه شادي عبد الله، وهو حارس سابق لأسامة بن لادن، في شهادته بعد ذلك، بأن طوله يبلغ نحو5.7 قدم، ويمتاز بقوته البنية وبشرته السمراء، كما يميل لون شعره إلى اللون الأسود الرمادي، ولون لحيته إلى اللون الرمادي.

وفي أثناء العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان أواخر عام 2001، قاتل المصري في اللواء 055، وهو وحدة شبه عسكرية أصيبت إصابات بالغة لتغطية انسحاب بن لادن إلى باكستان، حسبما أفاد روهان جاناراتنا، مؤلف كتاب «إنسايد القاعدة». وقال كذلك: «بعد أن حوصر الناجون في منطقة الحدود، انقسموا إلى جناحين: حيث قامت القوات بإدارة العمليات الدولية في باكستان وأفغانستان، وساعد المصري طالبان على إعادة تجميع قواتها. وقد أشرفت القوات الخارجية على بعض الهجمات في أماكن أخرى. وبعد الاعتقال المشهور لخالد شيخ محمد عام 2003، وهو العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، تغيرت مسؤوليات المصري. فقد التحق بمجموعة من الرؤساء التي حاولت الاستمرار في الهجوم على الغرب، لا سيما بريطانيا. وقد نجحوا في ذلك يوم 7 يوليو (تموز) عام 2005، وذلك بقتلهم 52 شخصا في سلسلة تفجيرات لمحطات المواصلات العامة في لندن. وقد تم تدريب المفجرين في باكستان بواسطة عبد الهادي، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، حسبما أفاد مسؤولون وحسبما جاء في شهادات قضائية. وقد برز اسم المصري، حيث كان أحد المخططين يعمل معه. وأفاد أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الأميركيين بقوله: «إنه يعتبر لاعبا. لقد ظهر على شاشة الرادار بعد شهور قليلة من يوليو (تموز) 2005». وفي يناير (كانون الثاني) 2006، قتل نحو 18 شخصا بعد شن غارة في منطقة باجور بباكستان. وأفادت التقارير الصحافية بعد ذلك عن طريق الخطأ أن المصري وثلاثة قادة آخرين قتلوا تحت الأنقاض. بدأ المصري في تنفيذ أكبر مخططاته: مشروع كبير من المنتظر أن يماثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وذلك عن طريق تفجير مطارات تقع في الطريق من بريطانيا إلى الولايات المتحدة. واتجه نحو خمسة عناصر بريطانيين إلى باكستان من أجل التدريب. وأفاد أحد المسؤولين الاميركيين في مجال مكافحة الإرهاب بقوله: «لقد كان يعمل على توظيف عناصر جدد، وفي الإشراف على خطط الدروس».

وقد تطلبت التقنيات الجديدة تدريبا خاصا. وأظهر المصري للمتدربين كيفية حقن المتفجرات السائلة، وهي خليط من البروكسيد الهيدروجيني العالي التركيز، في علب غير ضارة مثل المشروبات الرياضية، وكيفية تهريب المكونات إلى سطح الطائرات وتجميع القنبلة بعد الإقلاع. وأفاد مسؤول مخابرات غربية بقوله: «إن خطة الطائرات هي ما يقوم به. وهي خطة كبيرة». ويعتقد المراقبون أن واحدا أو اثنين فقط من المتدربين على اتصال بالمصري. وللمتدربين هيكل لتلقي التعليمات ويشرفون على رجوع العديد من المقاتلين إلى بريطانيا، حسبما أفاد بعض المسؤولين. وبدورهم، يعتقد المراقبون أن المصري تلقى تعليمات من رؤسائه الذين يتصلون بمرؤوسيهم عن طريق الرسل. وأفاد مسؤول بريطاني كبير بقوله: «إن لدينا بعض المعلومات المخابراتية حول العلاقة والتنظيم بين أفراد العمليات الخارجية والظواهري وبن لادن. ونحن نعتقد أنهما يلعبان دورا في العمليات الكبيرة بالفعل». وقام المراقبون بمتابعة المخططين لأشهر عديدة، كما تمكنوا من تصوير اجتماعاتهم في منزل آمن داخل لندن. وفي أغسطس (آب) 2006، قامت الشرطة بمحاصرتهم. وأفاد مسؤول أميركي في مجال مكافحة الإرهاب بأن الهجوم كان من المخطط له أن يقع بعد أسابيع قليلة وكان من المفترض أن يستهدف خمس طائرات. وأفاد المسؤولون أنه بعد ثلاثة أشهر، قامت المروحيات الباكستانية بتدمير مدرسة بعيدة، وقتلت 80 شخصا، ولكن لم يكن بينهم المصري. وفي أواخر عام 2006، كان هناك تعاون بين جواسيس من إسرائيل وأميركا وتركيا للقبض على هادي، وهو الضابط العراقي السابق، في تركيا، حيث كان في طريقه إلى العراق لتحسين العلاقات بين فروع «القاعدة» هناك. تولى المصري المزيد من المسؤوليات. وغير هدفه إلى جزء آخر من أوروبا يعلمه هو. ففي الربيع الماضي، قام بتدريس كيفية صنع القنابل في معسكرات في شمال وزيرستان لمنفذي الهجمات الانتحارية، بما في ذلك شاب باكستاني يبلغ من العمر 21 عاما يعيش في الدنمارك، ورجل باكستاني ألماني يبلغ من العمر45 عاما، حسبما أفاد مسؤولون أميركيون وأوربيون. وينظر مصدر أميركي لمكافحة الإرهاب إلى المصري كعَرَض على الانحدار. وأفاد المصدر بقوله: «حقيقة أنه قام بتدريبهم بنفسه تدل على ضيق شبكة العمل». وعلى أية حال، فإنه يبدو أن تلامذة المصري قد أبدوا حماسة أكبر من المهارة. وبمساعدة أجهزة اعتراض الاتصالات الأميركية، تمكنت الشرطة الدنماركية من وضع الشاب الذي يبلغ من العمر 21 عاما تحت المراقبة، بالإضافة إلى زملائه، وكان من بينهم شخص في باكستان في الوقت نفسه. وفي لندن، تمكنت الشرطة من التسلل إلى داخل الخلية المزعومة، حسبما أفاد مسؤولون أميركيون وأوروبيون.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ « الشرق الاوسط»