البحث عن 12 مجسما تاريخيا مفقودا من شوارع جدة

أبرزها «الإصبع» و«لا إله إلا الله» و«الطيور» و«السيارات» و«العروسة» * ياسر أزهر لـ«الشرق الأوسط»: خطة لإقامة مسابقة عالمية للنحت لإنتاج 20 مجسما

مجسم القلم
TT

اعترفت مصادر مطلعة في أمانة جدة لـ«الشرق الأوسط»، أن 12 عملا فنيا ومجسما «تاريخيا» ما زالت مفقودة منذ أكثر من 6 أشهر، في حين تلفت 5 أخرى مع مرور الأيام لعدم صيانتها بالشكل الجيد.

يأتي ذلك في وقت اعترف فيه مسؤول في أمانة جدة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن أعمالا فنية ومجسمات تعرضت للتخريب على يد بعض عمال صيانة يجهلون تماما قيمة هذه الأعمال الفنية العالمية وذلك عندما تم إزالة المؤثرات الطبيعية والصدأ بحكها بأجهزة كهربائية.

وأوضح ياسر أزهر، رئيس قسم رعاية الأعمال الفنية بأمانة محافظة جدة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «أن الأعمال الفنية في جميع مدن العالم تظل كما أبدعتها أنامل الفنان، وكلما زادت قدما، زاد رونقها وبهاؤها، أما مجسماتنا فللأسف فتمت إزالة المؤثرات الطبيعية والصدأ بحكها بأجهزة كهربائية وعلى أيدي عمال ومقاولي صيانة يجهلون تماما أساسيات وقيمة هذه الأعمال الفنية العالمية التي تقدر بمئات الملايين، والبعض منها لا يقدر بثمن، وكان من أهم تلك القطع الفنية العالمية ميدان السيف وميدان القبضة، حتى صدر قرار من قِبل اللجنة الاستشارية لتجميل جدة بضرورة وسرعة إيقاف عمليات الصيانة القائمة على غير دراسة لقواعد وأصول التعامل مع كل قطعة فنية، وبالفعل تم إيقاف عمليات الصيانة عنها وأن تكون اللجنة هي المرجع والمقام الأعلى لإصدار قرارات باعتبارها المشرف العام على كل ما يخص تلك الأعمال». إلى ذلك كشفت دراسة أجراها قسم الرعاية الفنية بأمانة مدينة جدة لإحصاء وتوثيق جميع الأعمال الموجودة حاليا، التي بلغ عددها 522 عملا فنيا مقسمة بين 511 مجسما جماليا و11 لوحة جدارية شارك فيها كبار الفنانين العالميين مثل الإيطالي لافونتين، التي تحتوى مدينة جدة على 40 عملا من أعماله، إلى جانب هنري مور وسيزار وفازاريلي، وهم من أكثر النحاتين شهرة في العالم وأعلاهم سعرا.

وقالت الدراسة إن 76 مجسما جماليا إضافة إلى 15 نافورة تمت إزالتها، في حين تم نقل 13 مجسما، وتعرض 5 مجسمات جمالية للتلف، وبينما هناك مقترح بنقل 52 مجسما، سواء لقيمتها الفنية أو لفك الاختناقات أو لموقعها المتواري، يجري البحث عن 12 عملا مفقودا، التي يصل سعر بعضها إلى عدة ملايين مثل مجسم الإصبع لسيزار، ومجسم لا إله إلا الله، ومجسم النافورة في شارع خالد بن الوليد، ومجسم الطيور الموتوسيكل في الحمراء، ومجسم السيارات في شارع ولي العهد، ومجسم العروسة.

وتهدف الدراسة والإحصاءات التي تم الانتهاء منها إلى جمع جميع شتات الأعمال الفنية المنتشرة بمدينة جدة، التي قامت بجهود أفراد ومؤسسات وشركات وتحديد النقاط الخاصة ووضعها بشكل نقاط على خريطة جدة، التي سميت بـ«خريطة جدة للأعمال الفنية»، بحيث انك بضغطة زر على أي نقطة يظهر الموقع، وبالتالي تظهر صور المجسم والمعلومات الكاملة عنه كاسم الفنان واسم العمل الفني وتاريخه وغيره من المعلومات.

وأوضح ياسر أزهر، رئيس قسم رعاية الأعمال الفنية بأمانة محافظة جدة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «انه سيتم إنشاء مركز خاص تحت مسمى «مركز الأمانة لإنتاج الأعمال الفنية التشكيلية»، الهدف منه الاستمرارية في إنتاج أعمال فنية من دون أي توقف بمعنى أن يكون هناك إنتاج شهري تحت إشراف مجموعة من الفنانين والمختصين في التعامل مع مجمل الخامات التي تنفذ بها تلك الأعمال الفنية، أملا في أن تكون جدة في المستقبل القريب هي بالفعل مدينة الفن والجمال على المستوى العالمي، وتؤكد على أنها كذلك، إذ ان الغرض من نشر تلك الأعمال هو أنك لا تكاد تمر بطريق أو شارع أو سوق إلا والعمل الفني الجمالي هو رفيقك يلازمك ولا ينقطع عنك». مشيرا إلى انه تم تخصيص مبلغ لذلك مع وجود برنامج محدد لاستقبال ضيوف المسابقة من مختلف دول العالم والاستفادة منهم في عمل ورشة عمل، بالإضافة إلى إقامة مجموعة من الندوات واللقاءات والمحاضرات الفنية.

وأشار أزهر إلى أنه سيتم الإعداد لقائمة تحت مسمى «الأعمال الفنية المقترح نقلها بسبب قيمتها الفنية»، وسيتم العمل بها وفق الخطة المعدة لذلك، بوجود متاحف مفتوحة داخل الحدائق والمناطق المفتوحة، وسيتم دراسة موقعها بعمق وتأهيلها لاستقبال الأعمال والقطع الفنية الثمينة، فعلى سبيل المثال «متحف الفن العالمي بالحمراء»، الذي يعتبر واحدا من أهم الوجهات السياحية في العالم لما يحويه من مجموعة كبيرة جدا لأبرز أعمال النحاتين العالميين، كأمثال الفنان هنري مور وسيزار وفيكتور فاساريللي وغيرهم، إلا أن وجود مجموعة من الأعمال الفنية لفنانين هم أقل خبرة وشهرة وممارسة للعمل الفني هو في الواقع أمر ينبغي معالجته احتراما لألمع وأشهر الأسماء العالمية.

أما بالنسبة لبقية الأعمال والمجسمات الجمالية المنتشرة في بعض الطرق والميادين المشار إليها بالإزالة، أوضح أزهر «دعت الحاجة إلى ضرورة إزالة العديد من المجسمات الشهيرة المنتشرة في الطرق وميادين جدة بغرض توسيع الطرق وتخفيف حدة الازدحام، فسيتم البحث عن جميع المجسمات الجمالية التي تمت إزالتها والاستفادة منها في تجميل مواقع أخرى والأخذ في الاعتبار مبدأ نقل المجسمات الجمالية لا إزالتها ما أمكن، وذلك إذ دعت الضرورة، وستكون تحت ما يقره فريق عمل المجسمات الجمالية، فهو المكلف بدراسة أنسب المواقع خاصة مع وجود حركة نقل قوية لمجموعة من أشهر الميادين، منها ميدان الفلك وميدان الدراجة وميدان الكرة الأرضية وميدان السفن وميدان الصاروخ وغيرها من الميادين التي تميز مدينة جدة، وارتبطت بأذهان أهلها وزوارها، وأما في حال وجود نفق فسيتم التعامل مع المجسم على ضوء إمكانية عودته إلى نفس موقعه ما أمكن حتى لا يغيب عن ذاكرة العشاق والمحبين لتلك المعالم».

وحول آلية نقل المجسمات الفنية يقول أزهر «عادة ما يتم نقل أي مجسم جمالي من موقعه إلى موقع آخر بناء على دراسات خاصة الهدف منها فك الاختناقات المرورية التي أدت إلى تعطيل الكثير من مصالح المواطنين والمقيمين، ولعل هناك مجموعة من النقاط التي يجب أخذ الاعتبار بها عند نقل المجسم من أهمها صدور قرار معتمد بضرورة إزالة أو نقل أي مجسم جمالي وتحديد أنسب المواقع البديلة لكل مجسم جمالي على حدة، والبعد التام عن جميع الميادين والتقاطعات، وتوثيق عمليات الإزالة والنقل، وتحديد الموقع الجديد على خارطة جدة للأعمال الفنية، بالإضافة إلى عمل صيانة شاملة للمجسم في الموقع المنقول إليه، والحفاظ ما أمكن على عناصر المجسم الجمالي أثناء نقله، بالإضافة إلى تكليف الجهات المختصة بإضاءة المجسم الجمالي المنقول».

ويعترض المهتمون والمتابعون لما يحدث معبرين عن أسفهم لكل ذلك ما بين فقدان وإتلاف لآثار ومعالم كانت تبرز مدينة جدة، حيث يوضح الفنان التشكيلي طه صبان، عضو مجلس إدارة الجمعية العربية للثقافة والفنون ومستشار في لجنة تجميل شوارع وميادين جدة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «أنا ومعظم الفنانين نشعر بالأسى أمام عجزنا عن حماية هذه الأعمال التي ارتبطت بأذهان أهل جدة وزوارها وأصبحت جزءا لا يتجزأ من معالمها، ثم يأتي عامل لا يعرف أهميتها ويبدأ بحفها بالأجهزة الكهربائية من دون أن يعي أنه يقوم بتخريب عمل هو ملك للجميع، وبالفعل تسببت هذه الأجهزة بتآكل الرخام وإزالة الطبقة المصقولة وتغير لونها مثل مجسم السيف»، وتابع صبان «كما أن هناك بعض المجسمات التي لم تتم لها عمليات صيانة وبدأت بفقدان معالمها، مثل مجسم السنبلة الموجودة على كورنيش جدة».

وحول عمليات نقل أماكن المجسمات التي ارتبطت فعليا بأذهان سكان جدة وزوارها، يقول صبان «بالفعل طلبنا من أمانة جدة كلجنة بإعطائنا خطة تغيير الطرق واجتمعنا بالفعل مع المتخصصين بالأمانة وبدأنا بتحديد بعض الأماكن لعمل معرض مفتوح تجمع وتعرض فيه المجسمات الجمالية».

يشار إلى أن جدة شهدت خلال العام المنصرم إزالة عدد كبير من أهم مجسماتها وذلك ضمن خطة تهدف إلى تخفيف حدة الزحام عبر إنشاء جسور وأنفاق اقتضى إنشاؤها إزالة هذه المعالم.

تجدر الإشارة إلى أنه تم إزالة بعض المجسمات وتغيير أماكن البعض الآخر كمجسم إشارة التوحيد للفنان المهدي وليد في حي الحمراء إلى حي الشاطئ، بالإضافة إلى نقل مجسم الطائرة من شارع الأمير ماجد إلى حديقة الأمير ماجد بعد أن أمضت أكثر من عشرين عاما، وتعد أول طائرة أهديت للملك عبد العزيز من طراز داكوتا، وتعتبر أقدم طائرة دخلت الخدمة في السعودية، كما تم إزالة مجسم ساعة الحصين للفنان محمود بنات، بعد دوران دام 22 عاما، بالإضافة إلى إزالة مجسم صندوق «سيسم» مجوهرات البغدادية، الذي أنشئ عام 1404هـ في حي المدارس.