أول حكومة عراقية منتخبة.. تتأرجح بين التحديات والإخفاقات

حكومة المالكي.. تحسن نسبي في الأمن واتهامات بالطائفية والفساد

TT

بعد سلسلة من الاخفاقات والنقاشات المستمرة بين الكتل السياسية ولدت حكومة نوري المالكي، التي تعد اول حكومة عراقية منتخبة، في الثاني والعشرين من ابريل (نيسان) 2006، حين أعلن الاخير تشكيلته الحكومية امام مجلس النواب، الذي وافق عليها، على الرغم من اعتراضات من بعض الكتل النيابية على التشكيلة. ولم يتمكن المالكي من اختيار الوزراء الامنيين، بسبب الاشكالات التي رافقت تسميتهم، اذ ان المالكي طلب ان يكونوا من المستقلين. في وقت تعهدت حكومته بفرض سيطرة السلطات على العاصمة بغداد وأنحاء العراق الأخرى. كما تعهدت بحل الميليشيات وإطلاق مبادرة للمصالحة الوطنية.

وقد شكل المالكي حكومته من ستة وثلاثين وزيرا وشغل هو ونوابه مناصب الوزارات الأمنية لغاية تعيين وزراء الداخلية والدفاع والأمن الوطني. وبعد نحو شهرين تمت تسمية الوزراء الأمنيين.

وشهدت حكومة المالكي، انتكاسات متتالية على الرغم من تحقيق بعض النجاحات الملموسة، كما شهدت احداثا مهمة على الساحة السياسية والأمنية في العراق، ففي يونيو (حزيران) 2006، قتل زعيم تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين ابو مصعب الزرقاوي، في غارة جوية اميركية في مدينة هبهب في محافظة ديالى شمال شرق بغداد.كما حكم على الرئيس السابق صدام حسين بالاعدام شنقاً في قضية الدجيل بتهمة قتل 148 شيعياً عام 1982، وتم اعدامه في اواخر ذلك العام. كما تم تطبيق خطة أمن بغداد في فبراير (شباط) 2007، التي انتهت بتحقيق تحسن نسبي في الأمن في العاصمة، اثر تطبيق خطة زيادة عديد القوات الاميركية في العراق، التي تزامنت مع قرار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بتجميد نشاطات ميليشيا «جيش المهدي» الموالية له.

وعلى صعيد آخر، نجح البرلمان العراقي في تمرير عدد من القوانين المهمة مثل «المساءلة والعدالة»، وهو بديل قانون اجتثاث البعث، وقانون المحافظات والعفو العام وموازنة 2008، ومن المنتظر المصادقة على قوانين اخرى مهمة مثل النفط والغاز.كما اعلنت حكومة المالكي مبادرة للمصالحة الوطنية في يونيو 2006 بين الفصائل السياسية العراقية، لفتح الباب للجماعات المسلحة بالانضمام الى العملية السياسية وترك السلاح جانبا، الا انها لم تفلح في ضم تلك الجماعات للعملية السياسية، غير ان تغييرا جذريا طرأ على خارطة الجماعات المسلحة في العراق، عندما نجحت القوات الاميركية باستمالة ابناء العشائر واعضاء في تلك الجماعات وبعثيين سابقين وتشكيل ما يعرف بقوات «الصحوة» للوقوف الى جانبها في محاربة تنظيم «القاعدة» في العراق.

في تلك الاثناء، احتدمت الخلافات بين رئيس الحكومة من جهة وبعض الكتل والاحزاب السياسية الداخلة ضمن العملية السياسية. الامر الذي حدا ببعض الكتل الى الانسحاب على فترات متفرقة خلال العام الماضي من الحكومة. واتهمت تلك الكتل المالكي بالانفراد بالقرار السياسي، وفيما طالبت جبهة التوافق بمنحها دورا اكبر في العملية السياسية، وإطلاق سراح السجناء، طالب التيار الصدري بوضع جدولة لانسحاب القوات الاميركية من البلاد، وقدمت من جانبها القائمة العراقية 14 مطلبا، مثل تعديل قانون اجتثاث البعث و«تطهير» الاجهزة الامنية من الميليشيات.

وتعاني حكومة المالكي الآن من خروج قوى سياسية مؤثرة منها، حيث انسحبت جبهة التوافق (5 حقائب وزارية ومنصب نائب رئيس الحكومة)، كما انسحبت القائمة العراقية الوطنية (5 وزارات)، فضلا عن التيار الصدري (6 حقائب). وكان المالكي قد قال أكثر من مرة إنه سيقوم بتشكيل حكومة جديدة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والتحزب.  يذكر ان حكومة المالكي تتألف من 37 وزارة، وكانت هناك مقترحات بحذف 11 وزارة، وتحديداً تلك التي تسمى بوزارات الدولة، فيتبقى 26 وزارة، كما تم اقتراح دمج 3 وزارات في وزارة واحدة، ليتبقى بالنهاية 23 وزارة كحد اعلى.

وكان صادق الركابي مستشار رئيس الوزراء نوري المالكي، قد قال ان عملية اجراء تقليص في الوزارات تعتمد على موافقة الكتل السياسية ومدى استعدادها بالتضحية بمقاعد وزارية خاصة بها، فضلاً عن التضحية بالمحاصصة الحزبية والطائفية ايضاً، وعن مدى استعداد الحكومة اجراء هذه التعديلات. غير ان معظم الكتل السياسية رفضت خيار ترشيق الوزارة وآثرت عليه قرار ترميمها وملء الشواغر الوزارية. ويرى سياسيون ومحللون ان الحكومة لم تستطع ان تقدم شيئا ملموسا للمواطن العراقي في مجالات الأمن والخدمات وحل الميليشيات وغيرها، ويطالب هؤلاء بأن تحسن الحكومة اداءها وتفرض القانون على الجميع وان تجد حلا لمشكلة الخدمات التي يعاني منها المواطن، كما اتهمت حكومة المالكي بالطائفية وهيمنة الشيعة عليها. وقال رئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني صالح المطلك: «طوال حكم هذه الحكومة لم تستطع ان تقدم شيئا للشعب العراقي، بل إن العراق شهد تدهورا كبيرا في الوضع الأمني والاقتصادي، اضافة الى الفساد الإداري إذ أصبح تصنيف العراق الأول بين العالم في الفساد الإداري». وتابع ان «دول الجوار غير مستعدة لإعطاء الدعم المادي، لان الحكومة لا تستطيع ان تسيطر على الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة». واضاف انه «في ظل التدهور الأمني المتمثل بالقتل والاغتيال والاعتقالات، وانتشار الميليشيات في العاصمة بغداد، وانهيار الوضع الامني في بعض محافظات العراق مثل الديوانية والناصرية وديالى وبغداد والانبار، نستطيع ان نقول ان عمر الحكومة الحالية قصير جدا». وبين ان «الحكومة الحالية تحكم الان في منطقة صغيرة وهي المنطقة الخضراء، لذا فانها لا تستطيع التحرك في باقي محافظات العراق والتعرف على ماذا يجري في هذا البلد، وبالتالي سيولد ذلك انفجارا داخل الشعب العراقي».