تاريخ ثلاثة أجيال من السجاد الإيراني وحرير قم وتبريز

في مركز واقف للفنون.. أبرز معالم الدوحة التراثية

TT

كما هي روح المكان التي تعبق بالتراث، والتي أخذت لها ركنا في أهم الأسواق شعبية في دولة قطر، كذلك أيضا كان السجاد الإيراني والشرقي ومعروضات الفن الاسلامي، التي تناثرت في اروقة مركز واقف للفنون في العاصمة الدوحة، في معرض يستمر حتى 14 من الشهر الجاري.

المعرض المتخصص في السجاد الإيراني والشرقي، أقيم في أروقة المركز، الذي ما أن تطل عليه إلا وتشعر وكأن هذه النوعيات من السجاد قد طرزت في هذا المكان العتيق، فتمازجت الأنواع المختلفة من السجاد، بتراثية الزمان والمكان، وشكلت توليفة رائعة.

معظم السجاد في المعرض هو لعائلة مكتبي، وهذه العائلة لها قصة تستحق أن تروى مع السجاد الإيراني والشرقي، منذ جدهم حسين مكتبي، الذي ترك مدينة أصفهان في إيران وسافر عبر بغداد إلى دمشق، قبل أن يختار بيروت مركزا لتأسيس تجارته سنة 1926 ليتوارثها الأب عباس مكتبي، ثم أبناؤه في ظل مؤسسة «إيوان مكتبي» بيروت.

وحرصا منهم على إبراز قيمة السجاد الشرقي وتقديرا لفن السجاد اليدوي وبعد النجاحات التي حققتها المؤسسة في أقطار الخليج العربي، أقام «إيوان مكتبي ـ بيروت» معرضه السنوي الأول في مركز واقف للفنون ـ سوق واقف، الدوحة، حيث تهتم عائلة «إيوان مكتبي» الجيل الثالث، بهذا النوع من الفنون، ترسيخا لمكانة العائلة في تاريخ السجاد ورغبتهم في الاحتفاظ بإرث العائلة على مر الأجيال المقبلة.

عشاق وهواة السجاد والتحف الإسلامية كانوا على موعد مع مجموعة مختارة من السجاد الإيراني النادر والقوقازي والتركي والهندي والباكستاني، بالإضافة إلى تشكيلة بارزة من التحف الفنية الإسلامية.

والى جانب ذلك قدم المعرض باقة من ابتكاراته الحديثة في عالم السجاد، حيث ضمت إحدى زوايا المعرض مجموعة من السجاد المتجدد، الذي يحاكي الحداثة والتغيير بأسلوب يحتفظ برصانة وقيمة السجاد اليدوي القديم.

ومن ضمن المعروضات مجموعة للمنسوجات العثمانية والإسلامية المحاكة خصيصا لجهاز العرائس خلال الحقبة العثمانية. ويضم المعرض مجموعة مختارة من أفخر أنواع السجاد العجمي، بالإضافة إلى السجاجيد النادر، بالإضافة بتشكيلة بارزة من التحف الفنية الإسلامية، من أبرزها قطعتان فريدتان من السجاد الإيراني تمت حياكتهما في تبريز، إحدى المدن الإيرانية الشهيرة في نسج السجاد، فضلا عن مجموعة أخرى قيمة نسجت من الحرير الخالص في مدينة قم الايرانية، بأنامل الفنانين الشهيرين مير مهدي ورحماني. كما ضم المعرض باقة خاصة بإيوان مكتبي اشتملت على ابتكاراته الحديثة في عالم حياكة السجاد، التي تتميز بالابتكار في محاكاتها الاتجاهات العصرية، وايضا الحفاظ على ما يعكسه السجاد اليدوي القديم من قيمة فنية وتاريخية.

عشاق المقتنيات الفنية وهواة جمع التحف الإسلامية كانوا على موعد مع ما يشبع رغباتهم، عبر مجموعة نادرة تعود للحقبة العثمانية، وهي تشتمل على المنسوجات الإسلامية والعثمانية المحاكة خصيصا لجهاز العرائس خلال تلك الفترة، التي تميزت بطغيان البذخ والدقة المتناهية في الزخارف التي تزينها، بالإضافة إلى المفروشات الدمشقية والأنتيك العثماني. ولأن سوق واقف الشعبي غدا ركنا اساسيا من التراث القطري، آثر المسؤولون عن السوق الشعبي أن يكون هناك مركز متخصص بالفنون فكان مركز واقف للفنون، وهو صالة فنية متشعبة الغرف والأروقة، أخذت لها حيزا اساسيا من السوق الشعبي، فضربت عصفورين بحجر واحد، استفادت من موقع السوق كمركز يتهافت عليه المواطنون والزوار للاستمتاع به، وعززت من ثقافة الفنون لدى الزوار.

يمكن القول إن فضاء إبداعيا جديدا أضيف إلى خارطة الثقافة والفنون في قطر مع افتتاح مركز واقف للفنون في سوق واقف، الذي يسجل قيمة مضافة للفنون التشكيلية في قطر، حيث يهدف المركز إلى حفظ وتعزيز التقاليد الفنية في قطر والشرق الأوسط، من خلال جمع محتويات فنية راقية لمن يعشقون الفن والثقافة، ليتشاركوا بأفكارهم ومعرفتهم وأذواقهم عبر هذا المركز الفني المتميز.

ومع تميز المعروضات من السجاد الإيراني والتحف الاسلامية، فإن موقع المعرض في مركز واقف للفنون، أعطى زخما كبيرا وعبقا تاريخيا مختلفا للمعروضات نفسها، فالمكان ينقل الزائرين لعقود قديمة من تاريخ قطر، وكأن كل هذه التجديدات التي بنتها الهندسة الحديثة لا تظهر على أروقة المكان.

يقول جون كسبيان مدير المركز لـ«الشرق الأوسط»: «نأمل في أن يصبح مركز واقف للفنون مقصدا ثقافيا يساهم في خلق محور ثقافي وإبداعي جديد في الدوحة، وذلك عن طريق الاندماج بأحدث الثقافات الفنية المعاصرة، من دون فقد جمالية التقاليد والتراث الملازم للموقع، وبروح تجريبية ومسلك مفتوح اتجاه أساليب العرض، التي تركز على النمط المسمى (هنا الآن)».

ويضيف كسبيان أن فناني الشرق الأوسط طوروا عبر القرون لغة بصرية الهمت الشخصيات الشهيرة في مجال الفن، ولكن لعدة عقود اضطر فنانو هذه المنطقة أن يرحلوا للمراكز الفنية العالمية الكبرى في أوروبا وأميركا لعرض أعمالهم. ويضيف كسبيان ان الفترة الحالية مناسبة لتأسيس مركز جديد للتجارة الفنية في المنطقة، خاصة بعد افتتاح متاحف وصالات عرض جديدة. ومع تنوع المعروضات وطريقة عرضها التي تناسبت مع المكان التراثي، بدا أن الذاكرة لا تستطيع أن تستسلم للزمن وتمحي هذه النوعية من الفنون المتنوعة، التي وجدت لها موقعا مناسبا يتناسب مع تراثيتها وأهميتها الفنية. مركز واقف للفنون افتتح أخيرا، وهذا المعرض من ضمن المعارض الأولى التي تقام به، لكن بالتأكيد ستتهافت عليه المعارض المتميزة واحدا تلو الآخر، فليس معتادا أن تجد مثل هذه الصالات الفنية، التي ترتبط بالتاريخ والتراث، مثل هذا المركز.