المنطقة المركزية في الدمام .. من قصص الحب والسينما إلى جيوب ملقة تحكمها «فتوات» المخالفين

الأمانة تحلم بتحويلها إلى منطقة سياحية تجارية تصور البعد الثقافي والعمراني للمنطقة

محلات لبيع الماركات الشهيرة والمشالح في سوق الحب أشهر أسواق الدمام
TT

تمتد المنطقة المركزية في الدمام، من مسجد الشيخ عيسى، الأشهر في المدينة كونه يضم مغسلة للموتى، وحتى نهاية سوق الحب، هذه المنطقة تقع في مربعين يشطرهما شارع الملك سعود طولياً باتجاه الغرب، فيما يحد المنطقة من الجهة الجنوبية شارع الملك خالد ومن الجهة الشمالية شارع الملك عبد العزيز، بينما تنتهي هذه المنطقة عند امتداد شارع الخزان من الجهة الغربية، ويحدها من الجهة الشرقية شارع الظهران، هذه المنطقة تضم 12 ألفا ما بين محل تجاري ومكتب، وقد عملت أمانة مدينة الدمام على تطوير هذه المنطقة على خمس مراحل بتكاليف بلغت نحو 60 مليون ريال.

كان لهذه المنطقة حضور في كثير من الأغاني الشعبية لفنانين مثل عيسى الاحسائي وبشير شنان، حيث يقال ان أغاني اشتهرت في الماضي مثل «نزلت سوق الذهب قصدى اشتري دبلة، هدية للحبيب اللي على بالي» و«يا ليت سوق الذهب يفرش حرير»، كان يقصد بها سوق الحب أشهر سوق في مدينة الدمام، كما كان لها حضور أدبي في ثلاثية الأديب السعودي تركي الحمد، حيث ذكر بعض شوارع هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها في الرواية الشهيرة «العدامة والشميسي والكراديب».

وتعد المنطقة المركزية في مدينة الدمام القلب التجاري النابض للمدينة، فأسواقها المختلفة تعج بما لا يعد ولا يحصى من البضائع المختلفة التي جلبت إلى المنطقة من مختلف دول العالم، فمن سوق البهارات والحبوب إلى سوق الأقمشة، سواء الرجالية أو النسائية، ومن سوق الموضة الفاخرة، إلى سوق الالكترونيات المختلفة، ومن سوق العطور والبخور والأعشاب والطب الشعبي التي تنتشر في أحد شوارع السوق، إلى سوق الجملة لأدوات التجميل بجوار مسجد الملك فهد. ومن اسواق الجملة للمواد الغذائية إلى اسواق الأحذية والملابس الرياضية، ومن أسواق المفرق وسوق الساعات التي تباع بأسعار خيالية، سواء من ناحية رخص الثمن أو من غلائه، إذا كانت من الماركات الشهيرة، إلى اسواق الذهب، ومن اسواق المشالح الحساوية التي لها محبوها وعشاقها، إلى اسواق فساتين السهرات واللانجري، كل ذلك في موقع واحد، حيث يعج هذا المكان بعالم الألوان والروائح والتقنية والموضة، والأسعار هنا هي المقياس، فهذا المكان يعد البورصة الحقيقية لكل اسواق المنطقة الشرقية.

يمثل سوق الحب أكبر تجمع من اسواق الموضة للألبسة النسائية وأسواق الذهب وملابس الأطفال في الدمام، حيث تمتد المحال التجارية على عدة شوارع في آخر حي الدواسر وصولاً إلى شارع الظهران الذي يفصل السوق عن مبنى امارة المنطقة الشرقية، وأخذ سوق الحب شهرته من قصص الحب التي تحدث فيه نتيجة المعاكسات التي تتعرض لها المتسوقات من رواد السوق من الشباب.

جزء من المنطقة المركزية في مدينة الدمام يسمى (سيكو)، وذلك نتيجة للوحة إعلانية ضخمة تم نصبها على أحد مباني الحي لماركة الساعات العالمية الشهيرة سيكو، هذا الحي هجره السكان نتيجة البحث عن مناطق أقل صخباً مما جعله يتحول مباشرة إلى أكبر تجمع للعمال في مدينة الدمام، مما جعل اللوحات الإعلانية للمحال التجارية تكتب بلغات شرق آسيوية، وذلك نتيجة قلة السعوديين في المنطقة، إلا من بعض المحال التجارية التي أبقى عليها أصحابها أمام طوفان العمالة التي سيطرت على كل شيء في هذا المكان.

نتيجة ذلك وضعت أمانة مدينة الدمام ضمن الخطة التطويرية للمنطقة المركزية التي أطلقتها قبل ثلاث سنوات تقريباً، شرطاً يوجب على كافة المحال في المنطقة المركزية، أن تكتب اللوحات الإعلانية في السوق باللغة العربية كأساس، مع امكانية ترجمة ذلك إلى أية لغة أخرى، كشكل جمالي للسوق من ناحية الحفاظ على هويته.

في الطرف الغربي من الحي وقبل تقاطع شارع الملك سعود مع شارع الخزان كانت اشهر وأقدم حديقة في الدمام (حديقة الملك سعود) التي كانت تحتضن عروض سينما الهواء الطلق في فترة السبعينات الميلادية وما قبلها، حيث تعد هذه الحديقة من أهم المنتزهات في المنطقة الشرقية في الفترة الماضية، إلا أن أمانة مدينة الدمام أزالتها نتيجة استخدامها بشكل سيئ من قبل العمالة التي تتجمع نهاية الأسبوع بأعداد غفيرة حتى يتحول الحي وكأنه إحدى مدن القارة الهندية، حيث كانت هذه الحديقة مسرحاً لهذه التجمعات، بينما كانت تدور فيها بعض المخالفات القانونية مثل ترويج بعض المواد المخلة بالآداب. تمت إزالة حديقة الملك سعود، من أجل توسيع موقف سيارات الأجرة التي تعد هذه المنطقة محطة رئيسية له، إضافة إلى بناء مركز لتوعية الجاليات يضم مسرحا وقاعات للمحاضرات وموقعا لتوزيع الكتيبات الإسلامية، يستفاد منه في عملية دعوة العمال إلى الدين الإسلامي.

تتنوع الأسواق الشعبية في هذه المنطقة، فمن أسواق عيال ناصر إلى أسواق الكويت، إلى أسواق البحرين، إلى سوق الجمعة الذي يقام نهاية الأسبوع ويعد السوق الأسبوعي لمدينة الدمام، ويكثر فيه بيع الطيور بشكل خاص، بينما يشتهر كل سوق من هذه الأسواق ببضاعة معينة، فأسواق الكويت تشتهر بالغتر والأشمغة، بينما تشتهر أسواق البحرين بالملابس الصوفية.

وتشير مصادر في امانة المنطقة الشرقية إلى أن هذه التسميات جاءت نتيجة شهرة بعض الأسواق بنوع معين من البضاعة أو نتيجة أحد الأبنية التي اشتهرت في السوق وأصبحت أحد المعالم مثل مسمى سوق عيال ناصر الذي يعود إلى بناية وسط السوق كانت مملوكة لأحد التجار القدامى في المنطقة. يقول رئيس بلدية وسط الدمام، المهندس مازن بخرجي: عمر البلدية أقل من عامين، لكن الأمانة بدأت في عملية التطوير لهذه المنطقة منذ فترة طويلة، حيث تمت إعادة تأهيل كثير من الشوارع في هذه المنطقة، من ناحية الرصف وكذلك إقامة مواقف طولية على امتداد الشوارع، وتحويل معظم الشوارع في هذه المنطقة إلى شوارع الاتجاه الواحد لضمان انسيابية الحركة، إلا أن العقبة الرئيسية التي تواجهنا كجهة تنظيمية وتطويرية للمنطقة المركزية، هي السيطرة الأجنبية على هذه المنطقة وبشكل واضح، حيث تعد هذه المنطقة أكبر منطقة تسجل فيها مخالفات للأنظمة من ناحية نظام العمل أو من ناحية الممارسات الممنوعة، وذلك نتيجة النشاط التجاري الواضح للمنطقة.

ويبين بخرجي أن أمانة المنطقة الشرقية وضعت خطة بعيدة المدى لتطوير هذه المنطقة من جميع النواحي، سواء من ناحية الخدمات، أو من الناحية العمرانية، فبدأت الأمانة في الجانب الذي يخصها، حيث طورت الشوارع والأرصفة والانارة، وأعطت المنطقة طابعا مختلفا عن باقي أحياء مدينة الدمام، كما عاملتها وكأنها متنزه أو منطقة سياحية، حيث ركزت على الجانب الجمالي في عملية التطوير، وفي الجانب العمراني وضعت خطة تضمنت كثيرا من المواصفات حول الشكل العمراني في المنطقة المركزية، هذه الخطة تسير الأمانة عليها وتلزم بها كافة ملاك العقارات في المنطقة المركزية، حتى تكتمل الجهود وتثمر في النهاية عن أخراج المنطقة بالصورة التي يخطط لها. ويضيف بخرجي، الأمانة لا تملك كثيرا من الأراضي في هذه المنطقة لتطويرها بشكل أكبر، سوى عدة قطع تم تحويلها إلى مواقف سيارات وتم تأجيرها، لذا نركز في عملية التطوير على البنية التحتية من رصف الشوارع والإنارة وتهيئة الأرصفة والاستفادة من بعض المساحات القريبة من الجوامع أو في وسط الأسواق لإقامة ساحات عامة أو ميادين، كما هو الحال وسط سوق الحب أو بالقرب من جامع الملك فهد.

وتخطط أمانة المنطقة الشرقية لتحويل المنطقة المركزية من مدينة الدمام إلى منطقة ذات بعد سياحي، حيث تهدف إلى تحويلها إلى منطقة لجذب المتنزهين وزوار المنطقة من خلال تحويلها إلى منطقة تمثل تراث المنطقة الشرقية من الناحية العمرانية، ومن الناحية التجارية، وبحسب المهندس بخرجي، فإن عمليات الترميم التي تتم في المنطقة المركزية لها اشتراطات خاصة عن باقي الأحياء، حيث لا يُسمح بترميم أي مبنى في هذه المنطقة، إلا بشروط من أهمها إضافة لمسة جمالية للمنطقة من ناحية التصميم، حيث تشدد الأمانة على ضرورة إبراز التراث العمراني للمنطقة الشرقية، وإلا توقف عمليات الترميم، إذا لم يلتزم المالك بذلك. وأشار بخرجي إلى أن الأمانة تجري الكثير من اللقاءات مع مالكي العقارات في هذه المنطقة من أجل تعاونهم في هذا الجانب، وتصر بشكل أكبر على أهمية تطوير العقارات في هذه المنطقة بما يتناسب مع الرؤية الرامية إلى تحويلها إلى موقع سياحي تجاري يستقطب الكثير من زوار المنطقة ويكون معلماً بارزاً في المنطقة الشرقية وشاهداً على مستواها الثقافي والعمراني والتجاري، إلا أن كبر مساحة المنطقة المستهدف تطويرها بحسب بخرجي جعل الجهود تبدو غير واضحة في الفترة الحالية، مشدداً على أن الأمانة عازمة على تنفيذ هذا المشروع في الفترة المقبلة.